الجمال والجاذبية ٢- ما هي الجاذبية؟
مقياس الجمال يختلف من مجتمع إلى آخر، وانتبه إلى ذلك جارلس دارون الذي لاحظ تفضيل المجتمعات لصفة دون أخرى وبالذات:
١- لون البشرة.
٢- الشعر.
٣- نسبة الشحوم على الجسم.
٤- الشفاه.
٥- الأسنان.
لذلك قال إن من الخطأ القول بأن هناك مقياسا عالميا واحدا للجمال تتفق عليه جميع الثقافات والحضارات والذي يمكن تطبيقه على جسم الإنسان. تم تثبيت هذا الرأي في دراسات عدة ولا يصعب ملاحظته في قارة واحدة. لو توجهت إلى أسبانيا للاحظت بأن لون البشرة الأبيض يعتبر علامة من علامات الجمال، ولكن إن تجولت في الجزر البريطانية فستلاحظ العكس تماما حيث أن البشرة البنية تعتبر مقياسا في غالية الأهمية. كذلك الحال في العالم العربي، فالإشارة الى جمال إنسان تتوقع سماع اللون الأبيض دون الأسمر.
الآراء السياسية التصحيحية لا تقبل بأهمية الجمال والجاذبية، وتصور الحديث عن هذا الأمر بالخداع والتضليل. لكن الرأي الاجتماعي والعلمي غير ذلك، والأهم من ذلك حكم الناس وآرائهم على ما هو جميل وغير جميل وعواقب ذلك لا يختلف من مجتمع إلى آخر.
بحث قدماء الإغريق عن مقاييس الجمال وخاض في هذا الأمر فيلسوف عصره بلاتو الذي اشتهر بما يسمى النسب الذهبية Golden proportions . يقول بلاتو بأن الوجه الجميل المثالي يتميز بأن عرضه يعادل ثلثي طوله، وطول الأنف لا يجب أن يتجاوز المسافة بين العينين. لكن هذه النسب الذهبية لم تصمد أمام البحوث العلمية سوى عامل واحد وهو التناسق بين نصفي الوجه.
رغم جميع الفوارق بين المجتمعات فإن الأبحاث العلمية في جميع الحضارات توصلت إلى أن هناك مقياساً لا ينتبه إليه الإنسان حين يصدر حكمه على الجمال ولا يصرحون به وهو مقياس التناسق.
التناسق والجمال
التناسق الجمالي يعني تشابه نصف الإنسان الأيسر وتناسبه مع النصف الأيمن. وجود هذا التناسق يتناسب طردياً مع وصف المقابل بالجمال، ويتكرر دوماً في مختلف البحوث الميدانية. رغم أن الكثير من الدراسات تركز على تناسق نصفي الوجه، ولكنه أيضاَ يمتد إلى جذع الإنسان والذراعين والساقين.
يفسر الكثير هذه الظاهرة المعروفة منذ القدم بأن لها علاقة بمحاولة تقييم المجتمع لصحة الإنسان وصراعه ضد ضغوط بيئية قاهرة. يمثل التناسق قدرة الإنسان على المحافظة على صحته وتناسق نصفي جسمه في وجه الضغوط البيئية.
الإشارة التي يستقبلها الإنسان حين يلتقط التناسق بأنه العامل الذي يحافظ على التوازن التطوري عبر الأجيال.
التناسق بحد ذاته لا يعكس جودة صحة الإنسان، ولكن عدم التناسق بحد ذاته كثير الارتباط في دراسات مختلفة مع:
١- وجود أمراض عضوية.
٢- ضعف خصوبة الأنثى.
٣- ضعف خصوبة الرجل.
٤- ضعف الفعالية الحميمية الجسدية.
٥- ضعف معدل نمو الإنسان في مرحلة الطفولة والمراهقة.
الغريب أن عامل التناسق لا يقتصر على الإنسان فقط وإنما يمتد إلى بقية الكائنات الحية. أشارت دراسة علمية بأن النحل يتوجه نحو الزهور المتناسقة أكثر من غيرها. الابتعاد عن تناسق نصفي الجسم يرتبط بقلة الإنجاب، قصر سنين العمر، ومشاكل صحية متعددة.
البحث عن التناسق
يسعى الإنسان دوماً إلى البحث عن التناسق في تصفيف شعره ومظهر جسمه وملبسه. لكن أيضاً يسعى لإخفاء ما هو غير متناسق في جسمه وتضليل من ينظر إليه باستعمال مختلف الوسائل التجميلية في تصفيف الشعر والملبس وأحياناً جذب النظر عن طريق استعمال الوشم على سبيل المثال.
ولكن هناك جانباً آخر للبحث عن التناسق في محيط الإنسان نفسه. هذا البحث يمتد أحياناً إلى جسد الإنسان نفسه وهو من علامات الحصار المعرفي القهري Obsessive Compulsive Disorder المعروف في العالم العربي جزافاً باضطراب الوسواس القهري. هناك ثلاثة علامات تنذر بصعوبة علاج هذا الاضطراب النفسي:
١- جنس الذكر.
2- بداية المرض في عمر مبكر في بداية أعوام المرهقة.
٣- البحث عن التناسق.
يسعى المريض إلى تناسق حاجياته وملابسه وستائر الغرفة وغير ذلك. هناك من يقضي ساعات عدة من أجل العثور على التناسق في الوجه على سبيل المثال. هذه الأعراض أحياناً تتشابك مع اضطراب تشوه الجسد Body Dysmorphic Disorder.
المصادر
1- Kowner R. 1996. Facial asymmetry and attractiveness judgment in developmental perspective. J. Exp. Psychol. Human 22, 662–675.
2- Little A. C., Jones B. C. 2003. Evidence against perceptual bias views for symmetry preferences in human faces. Proc. R. Soc. Lond. B 270, 1759–1763.
3- Mealey L., Bridgestock R., Townsend G. 1999. Symmetry and perceived facial attractiveness. J. Pers. Soc. Psychol. 76, 151–158.
4- Perrett D. I., Burt D. M., Penton-Voa.k I. S., Lee K. J., Rowland D. A., Edwards R. 1999. Symmetry and human facial attractiveness. Evol. Hum. Behav. 20, 295–307.
5- Rhodes G., Proffitt F., Grady J., Sumich A. 1998. Facial symmetry and the perception of beauty. Psychonom. Bull. Rev. 5, 659–669.