كأن الأمة تتربص المحن وتودها وتسعى إليها بطاقات أجيالها، وما فيها وعندها من الموروثات والثقافات والثروات، ولا تجدها جادة أو متطلعة لتذليل الصعوبات وتفتيت المحن وتبديد الصولات، فكل قضية في بدنها تبدو مزمنة وسرطانية الطباع والتفاعلات ، فلا قضية مهما كانت صغيرة أو كبيرة تمكنت من حلها وتجاوزها والخروج من قبضتها.
ابتداءً من قضيتها الكبرى الأولى، وحتى ما تراكم وتوالى من قضايا معاصرة، ومحاصرة لحركتها ومقيدة لتكونها وتفاعلها الحر المجيد. أمة قانطة والأمم بأبنائها، وبقادتها، وإذا فسد أولي أمر أمة فإن الفساد يعم أرجاءها ويتملك أبناءها، وما أن يحل الفساد فيها حتى ينهكها ويفرغها من مداد حياتها ونجيع وجودها، فتتهاوى متهالكة خاوية على عروشها، فتدوسها سنابك المتأهبين للقبض على مصير الآخرين.
وأبناء أمتنا معظمهم يدورون في دوائر مفرغة من الويلات والتداعيات، وتجدهم بلا قدرة على التأثير في بناء الحاضر والمستقبل، وإنما أكثرهم في مهب الريح، لا يستطيع تأمين سلامته وتطوير حياته لأنه في مواطن متداعية، وتهب عليها عواصف الغابرات وتدمرها أعاصير الفئويات والتحزبات، بعد أن تخلت الأمة عن مواطنها ومواضعها وألغت الوجود المادي والجغرافي، اللازم لتفاعلها وسبك ما فيها في صيرورة انصهارية فولاذية الطباع والتحديات.
ولكي تنهض الأمة وتستعيد قدرات الحياة والتنافس والتفاعل الحضاري، لابد لأبنائها أن يتيقظوا ويستنهضوا ما فيهم من طاقات الكينونة والحياة، ويتواصلوا بإرادة مؤمنة بأنها ستكون وتتحقق، وهذا يعني لا بد من الخروج من قبضة التصاغرات والإذلالات والهوانات والتبعيات، وأن تكون التبعية مطلقة للوطن ومصالحه وإرادة مواطنيه أجمعين، وبدون هذه الروحية فإن الأمة ستبقى في دائرة النزيف العارم، الذي سيجفف عروقها ويلقيها على قارعة دروب الويلات الجسام والنواكب العظام، وأعداؤها سعداء بما آلت وانزلقت إليه من الحطام والانقصام.
فهل من قدرات إخراج للأمة من محنها، والأخذ بجوهر وجودها إلى علياء أكون؟!!
واقرأ أيضاً:
الكسوف والكشوف!! / إرادة ما فينا!! / التعرية والتورية!! / معا وسويةً !! / طريق وطريق!! / الانفعالية السائدة والعقل العربي المهزوم!! / ريحٌ صَرْصَرْ !! / ساسة أم أدوات؟!!