إصابة الدماغ الرضحية الطفيفة Mild Traumatic Brain Injury
إصابة الدماغ غير إصابة الرأس أو الجمجمة ويحدث الكثير من الارتباك أحياناً في الفصل بين الاثنين. تحدث إصابة الدماغ أحياناً بدون علامات واضحة في الرأس، وقد تحدث إصابة بالرأس بدون إصابة الدماغ. ويتم تصنيف إصابات الدماغ استناداً إلى شدتها فهناك ما هو شديد مع وضوح إصابة وتدمير أنسجة الدماغ وإصابة طفيفة بدون علامات إشعاعية واضحة لوجود دمار في الأنسجة. هذا المقال يعنى بالإصابة الدماغية الرضحية الطفيفة والتي تثير الجدل أكثر من غيرها من الإصابات وشديدة الاتصال بالطب العصبي النفسي والطب النفسي العام.
يتعرض ما يقارب واحد بالمائة من السكان إلى إصابة بالرأس أو الدماغ لأسباب متعددة منها:
١- حوادث السير للسيارات والدراجات البخارية والهوائية. هذه الحوادث نشكل ما لا يقل عن ٤٠٪ من الحالات.
٢- العنف المنزلي.
٣- حوادث العدوان الاجتماعي.
٤- الرياضة.
٥- السقوط من علو.
٦- تفجيرات قريبة من الإنسان في الحروب.
تتراوح أعمار المرضى في غالبية الحالات من ١٥ إلى ٢٥ عاما، وعدد الرجال ضعف عدد النساء. في أي وقت هناك ما لا يقل عن مائة مريض لكل ١٠٠ ألف مريض يرقد في المستشفى بسبب إصابة الدماغ الرضحية الطفيفة. أما عدد الذين يراجعون العيادات الخارجية وأقسام الطوارئ فهو عشرة أضعاف ذلك. يضاف إلى ذلك ٥٠٠ مصاب في كل ١٠٠ ألف نسمة لا يراجعون المراكز الصحية.
تكمن أهمية هذا الموضوع بأن ١٥٪ من المصابين يعانون من أعراض لفترة زمنية تزيد على ١٢ شهراً، وتشخيص الحالة نادراً ما ينتبه إليه الطبيب المعالج وقت الحادث نفسه. لذلك هناك أيضاً مصطلح آخر يدخل ضمن إطار إصابة الدماغ الطفيفة وهو الاضطراب التالي للارتجاج Post Concussive Disorder. يتم استعمال المصطلح الأخير إذا لم يكن تشخيص وتدوين إصابة الدماغ الرضحية الطفيفة قد تم في البداية. هناك من يحبذ استعمال إصابة الدماغ الرضحية الطفيفة فقط ويشمل ذلك المتلازمة التالية للارتجاج، وهناك من يفصل بين الاثنين تماما ويصر على التمييز بينهما.
وهناك مصطلحات أخرى يتم استعمالها سهواً مثل:
١- ارتجاج Concussion .
٢- إصابة الرأس الطفيفة.
٣- إصابة دماغ طفيفة.
٤- إصابة رأس طفيفة.
تشخيص وآلية إصابة الدماغ
تشخيص وتعريف إصابة الدماغ يعتمد على ثلاثة قواعد رئيسية وهي:
١- فقدان الوعي.
٢- تغير درجة الوعي.
٣- فقدان الذاكرة بعد الإصابة.
يتم تعريف إصابة الدماغ الرضحية الطفيفة بأن فقدان الوعي قد لا يحدث أو لا يزيد على ٣٠ دقيقة أو أن تغير درجة الوعي وشعور الإنسان بالارتباك وعدم قدرته على التواصل مع محيطه في كامل وعيه لفترة لا تزيد على ٣٠ دقيقة، وهناك فقدان الذاكرة لفترة لا تزيد على ٢٤ ساعة بعد الإصابة. هذه القواعد الثلاثة سهلة الاستعمال في الممارسة المهنية رغم أن وصول المريض إلى طوارئ المستشفى مع إصابة دماغ يتطلب تدوين ما يسمـى مقياس كلاسكو للغيبوبة Glasgow Coma Scale والذي يستند على قياس :
١- فتح العينين.
٢- رد الفعل الشفوي.
٣- رد فعل الحركي.
المريض في كامل وعيه يسجل ١٥ والمريض في غيبوبة عميقة يسجل ٣. هذا المقياس بحد ذاته لا يصلح لتشخيص أو تعريف الإصابة الرضحية الطفيفة للدماغ عكس الأبعاد الثلاثة أعلاه، سوى أن الدرجة لا تقل عن ١٣ في إصابة الدماغ الرضحية الطفيفة.
بعد فحص المريض سريرياً يتم إرساله صوب الفحوص الإشعاعية المتوفرة في الطوارئ ولكن القاعدة العامة هي استعمال الأشعة المقطعية CT Scan في تقييم وجود نزيف في أنسجة الدماغ.
الآلية التي تفسر إصابة الدماغ الرضحية الطفيفة غير واضحة، وهناك عدة نظريات غالبيتها لم يتم إثباتها وتكرارها. القاعدة العامة هي أن الإصابة تؤدي إلى تمدد المحور العصبي للخلية العصبية وبالتالي اضطراب الفعالية الكهربائية والتواصل بين مختلف الخلايا في الدماغ. هناك من يضيف إلى أن الإصابة تؤدي أحياناً إلى تدمير الخلايا العصبية نفسها في بعض المناطق وهذا قد يفسر الأعراض المزمنة.
هناك فحوصات أخرى مثل الرنين المغناطيسي والفحوص الإشعاعية الوظيفية يتم عملها في الحالات المزمنة. فائدة هذه الفحوصات في المعالجة السريرية لا يساعد المريض ولا طبيبه في غالبية الحالات.
الأعراض والعلامات
الأعراض الأولية وقت الإصابة هي الارتباك وفقدان الذاكرة كما تمت الإشارة اليه أعلاه أو فقدان الوعي لمدة لا تزيد على ٣٠ دقيقة. بعد ذلك تظهر أعراض متعددة شائعة لعدة أسابيع أو أشهر منها:
١- التعب والإرهاق مع فعاليات بسيطة.
٢- الشكوى من مختلف أنواع الصداع الذي لا يستجيب دائماً لمسكنات الألم.
٣- اضطرابات بصرية والحساسية للضوء.
٤- ضعف التركيز والذاكرة.
٥- اضطراب التوازن.
٦- القلق والعصبية والشعور بالكآبة.
٧- فقدان حاسة الشم.
٨- وفي بعض الحالات النادرة تظهر نوبات صرعية لأول مرة.
تتميز هذه الأعراض بعدم ثباتها حيث تظهر أحياناً لبضعة ساعات أو أيّام وتختفي لتعود فجأة بدون سابق إنذار. بسبب ذلك ومع طول فترة الأعراض يتم تصنيف المريض بإصابته بتغير الشخصية العضوي (أَي الناتج عن سبب عضوي في الدماغ). هذا التشخيص لا يستعمله الطبيب إلا بعد مرور أكثر من عام على الأعراض.
أما مصطلح الاضطراب التالي للارتجاج فهو أقدم من مصطلح إصابة الدماغ الرضحية الطفيفة ويتم تصنيف الأعراض إلى ثلاثة مجموعات وهي:
١- الأعراض الوجدانية: اكتئاب، قلق، تعكر المزاج.
٢- الأعراض المعرفية: ضعف الذاكرة، ضعف الانتباه، ضعف التركيز.
٣- الأعراض الجسدية: صداع، إرهاق، أرق، طنين الأذن، دوار، حساسية للضوء، حساسية للضوضاء.
تتحسن هذه الأعراض في الأكثرية كما يلي:
١- الكثير خلال ٣ أشهر
٢- الغالبية خلال ٦ اشتهر
٣- نادراً ما تستمر الأعراض لأكثر من ١٢ شهراً.
رغم أن الدراسات الحديثة تشير إلى أن ١٥٪ من المصابين لا تتحسن أعراضهم بعد ١٢ شهراً ولكن يجب توخي الحذر في إسقاط اللوم على الإصابة فقط. هناك ظروف بيئية قد تلعب دورها بسبب الإصابة نفسها أحيانا ًأو بدونها، والإصابة بحد ذاتها حدث حياة له تأثيره النفسي على الإنسان ولذلك قد تكون عاملا في ظهور ما يلي فيما لا يقل عن ٢٠٪ من المصابين:
١- الاكتئاب الجسيم.
٢- الفصام.
٣- الهوس.
٤- القلق المزمن.
الإنسان الذي يتعرض لإصابة في الرأس يتعرض إلى صدمة نفسية أيضاً ولذلك تظهر أحياناً أعراض اضطراب الكرب التالي للرضح (Post-Traumatic Stress Disorder (PTSD والكثير منها لا يختلف عن أعراض إصابة الدماغ الرضحية الطفيفة سوى بتسلط أعراض الذكريات الأولية على الصورة السريرية للمريض.
نقاش عام
الدراسات على الحيوان تستنتج بأن نتائج الإصابة الطفيفة على الدماغ لا تختلف عن الإصابات الشديدة سوى بحجمها. من جراء ذلك تنخفض سرعة معالجة المعلومات المختلفة المتمثلة في الأحاسيس التي يستقبلها الإنسان ويضاف إليها عجز في الانتباه والذاكرة. يتحسن غالبية المصابين خلال ستة أشهر ولكن هناك أقلية تعاني من أعراض مزمنة. يمكن تفسير ذلك بأن رد فعل أنسجة الدماغ للإصابة يختلف من إنسان إلى آخر، وربما له علاقة بالجينات التي تتحكم في إنتاج الناقلات العصبية المختلف بين الخلايا العصبية. هذا هو مفهوم إصابة الدماغ الرضحية الطفيفة.
أما مفهوم الاضطراب التالي للارتجاج (Post Concussive Disorder (PCD فهو لا علاقة له بمؤشرات إصابة الدماغ أعلاه ولا بشدة الإصابة وإنما يعتمد فقط على وجود ثلاثة مجموعات للأعراض وهي الجسدية والمعرفية والوجدانية/ السلوكية، كما هو موضح أعلاه.
علاج إصابة الدماغ الرضحية الطفيفة هو أولاً:
١- تثقيف المريض عن آلية الأعراض ومسارها.
٢- علاج الأعراض بالوسائل الطبية النفسية.
٣- تقييم الظروف البيئية التي توثر على مسار الأعراض والمانعة للشفاء.
المريض الذي يعاني من إصابة دماغ سواء شديدة أو طفيفة أكثر تحسساً من غيره للأعراض الجانبية للعقاقير المختلفة ومن مختلف الأصناف. كذلك الحال مع العلاج الكلامي فقابلية المريض لاستيعاب المفاهيم المختلفة ربما أقل من المراجعين الآخرين الذين يعانون من أعراض وجدانية.
وهناك أخيراً أهمية تثقيف الناس والكوادر الصحية والاجتماعية المختلفة لمفهوم إصابة الدماغ الرضحية الطفيفة والسعي على تفادي المخاطر بأنواعها قدر الإمكان، وتمييز الأعراض من وقت مبكر.
المصادر
1- McAllister T, McDonald B, Flashman L, et al(2004): Differential effect of COMT allele status on frontal activation associated with dopaminergic agonist. J Neuropsychiatry ClinNeurosci 16: 238-239.
2- Stein S, Ross S (1992): Mild head injury: a plea for routine early CT scanning. J trauma 33: 11-13.
3- Van Reekum R, Cohen T, Wong J (2000): Can traumatic brain injury cause psychiatric disorder?. J Neuropsychiatry ClinNeurosci 12: 316-327.
واقرأ أيضًا:
أمهات الدم الدماغية أنورِسما الدماغ / الاضطرابات العصبية الوظيفية2 / الإغماء الوعائي المبهمي أ.و.م. VVS