إدمان فاحشة الإنترنت Internet Pornography Addiction
هذا الموضوع النفسي الحساس يدخل في صميم العلاقات الزوجية والشخصية هذه الأيام لابد من التطرق إليه. هناك الأب والأم اللذين يكتشفان دخول الأبناء والبنات على مواقع الفاحشة وهناك الزوج والزوجة وهناك أيضاً الإنسان الذي يعاني منه في عزلته ويزداد عزلةً بسببه مع مرور الأيام.
وفرت الإنترنت السريعة الصور والمشاهد التي هي أكثر وضوحاً من ذي قبل وتستهدف أكثر أجهزة الإنسان تطوراً وهو الجهاز البصري في الدماغ. هذه الصور والمشاهد متوفرة بكثرة مقارنة بجميع مواد الإدمان الكيمائية المعروفة فلا عجب أن نسمع عن كثرة استعمال الإدمان على الإنترنت والأشد من ذلك إدمان فاحشة الإنترنت. كما يتم تخزين تأثير العقاقير في دوائر الدماغ الكهربائية فإن صور مواقع الفاحشة يتم خزنها في الدماغ وليس من السهولة التخلص من صور تم نسخها وخزنها في الجهاز العصبي المركزي.
ما هي الأرقام؟
أولا علينا أن ندرك بأن نصف سكان الكرة الأرضية الآن يستعملون الإنترنت، وما يقارب ٣٠ ألفاً منهم يدخلون مواقع إباحية في كل ثانية.
١٥٪ من البالغين يدخلون مواقع إباحية بين الحين والآخر، وقيمة صناعة الفاحشة على الإنترنت تزيد على ٣٠ بليون دولار سنوياً.
يبدأ الإنسان بالدخول إلى هذه المواقع من عمر ١٢ عاماً، والاستعمال على أشده بين عمر ١٢ – ١٧ عاماً. يدخل هذه المواقع ٩٠٪ من الذكور في عمر المراهقة و٦٠٪ من الإناث.
مصطلح الإدمان على الإنترنت وفاحشة الإنترنت
لا يوجد اضطراب معرف في الطب النفسي يسمى الإدمان على الجنس أو الإنترنت أو فاحشة الإنترنت، وهناك من يرفض استعمال مثل هذا المصطلح في الممارسة المهنية. هذه الإشارة في غاية الأهمية، والكثير من الأطباء النفسانيين يرفض فحص وعلاج إنسان يعاني من هذه الظاهرة وإنما يتم تقييم الحالة النفسية العامة.
الإدمان هو سلوك يمارسه الإنسان باستمرار ويؤدي إلى شعوره بالكرب ويؤثر سلبياً عليه وعلى المحيطين به. لذلك إذا كان سلوك استعمال فاحشة الإنترنت يؤثر على الإنسان أو زوجه وعلاقته بالآخرين فإن البعض يقبل بتصنيفه كإدمان.
يؤدي أحياناً مثل هذا السلوك إلى تغيير سلوك الإنسان كالتي:
١- تورطه في الاتصال بالبغاء على أرض الواقع.
٢- الإسراف في الخيال الجنسي.
٣- الإسراف في الاستمناء.
٤- ممارسات سادية مازوشية.
٥- سلوك الاستعراض واستراق النظر.
٦- الإفراط في ملاحقات جنسية
أما تأثيره على الزوجة فهو كالآتي:
١- الشعور بالإهانة .
٢- الشعور بالغضب.
٣- العزلة والاكتئاب.
٤- الشعور بالفراغ العاطفي
٥- جنسنة العواطف والمشاعر مثل الذنب والوحدة والخوف والعزلة.
مراحل التأثير على الفرد
يتم تقسيم تأثير إدمان فاحشة الإنترنت على الإنسان كما يلي:
١- المرحلة الأولى: تدهور العلاقات الشخصية مع الزوجة والأصدقاء. يعاني الإنسان من ضعف التركيز في عمله وتتدهور علاقاته بالأبناء.
٢- المرحلة الثانية: تظهر أعراض قلق واكتئاب والبعض منهم يفرط في استعمال عقاقير إدمان كيمائية. تظهر أعراض حصارية (وسواسية) ويصبح كثير الغضب وغير متوازن عاطفياً.
٣- المرحلة الثالثة: تفسخ الشخصية وظهور أعراض وجدانية اكتئابية شديدة.
يعاني الكثير منهم من القذف المبكر وضعف الانتصاب. يدرك الكثير منهم أسباب مشكلته ويحاول التوقف عن زيارة مواقع الفاحشة بدون نجاح.
تلاحظ الزوجة تدهور العلاقة الجنسية وتغيير السلوك الجنسي للزوج وغياب الجانب العاطفي في العلاقة الحميمية.
نقاش عام
إدمان فاحشة الإنترنت يثير الكثير من الجدل وهناك من من يسقط اللوم عليه بضمور المخ، انتشار البغاء، الطلاق، أنواع الخطل الجنسي، العنف المنزلي، وعشق الغلمان. هذه الآراء معظمها عاطفية ومصدرها الإنترنت وإن لم تكن خالية من الغلو فهي لا تستند إلى حقائق علمية.
الضعف الجنسي الذي يصيب الرجال الذين يتابعون هذه المواقع في أكثر من الثلث لا يستند على حقيقة علمية وربما القذف المبكر هو أكثر انتشاراً ولا يعاني منه سوى ٣٪ من المدمنين على فاحشة الإنترنت.
هناك من يضع متابعة مواقع فاحشة الإنترنت في إطار إيجابي صحي يساعد على تثقيف المشاهد وهذا الرأي بدوره لا يقل غلواً عن الآراء المعارضة.
هناك ارتفاع واضح في نسبة مشاكل الانتصاب في الذكور منذ بداية الألفية الثالثة ولكن جميع البحوث فشلت في العثور على علاقة واضحة بين استعمال الإنترنت والضعف الجنسي ولا حتى مع عدد ساعات مشاهدة فاحشة الإنترنت . ولكن لكي نضع هذه الظاهرة في إطار علمي علينا أن ندرك بأن أكثر من ٥٠٪ من الرجال لا يشعر بالإثارة من مشاهدة هذه المواقع ومن يقول بأنها مشكلة اجتماعية نفسية لا يتجاوز ٢٨٪ والكثير من الدراسات تقول بأن الرقم هو ٦٪ بدلاً من ٢٨٪.
توفر الإنترنت للبعض مكافآت عاطفية مستمرة يمكن الوثوق بها في إطار العلاقات بين الجنسين، ولكن هذه العلاقات بعيدة جداً عن العلاقات الواقعية. العلاقات الواقعية لا يتم تحريرها والتحضير لها وتكون عفوية في تطورها أحيانا، وهي أكثر صعوبة من علاقات عبر عالم الفضاء. العلاقة الواقعية تحتاج إلى أشخاص بينما الإنترنت لا تحتاج إلا إلى أسلاك أو مجرد شبكة هاتف جوال.
مصطلح الإدمان بحد ذاته لا يخلو من السيولة، وهو أشبه ببعد أو أبعاد سلوكيات الإنسان. عتبة السلوك التي تعرف الإدمان في استعمال الكحول والمخدرات والكثير من العقاقير تختلف عن عتبة القمار وعادات الإنسان المختلفة من نتف الشعر وشراء الحاجيات الاستهلاكية وبالطبع استعمال الإنترنت. لكن استعمال المصطلح له فوائده للإنسان المتورط في سلوك معين حيث يدفعه إلى طلب المعونة للتخلص من سلوكه. هذه المساعدة لا تأتي فقط من مراكز طبية نفسية بل اجتماعية وخيرية ونتائج الأخيرة أفضل بكثير في معظم الحالات. محاولة صياغة بعض السلوكيات من قبل الطب النفسي أو العلوم النفسانية قد لا يؤدي إلا إلى تطبيب السلوك. لذلك يمكن القول بإجازة استعمال الإدمان على كل سلوك متكرر يعرقل نمو الإنسان نفسياً وعاطفياً واجتماعياً. بمعنى آخر يؤثر السلوك سلبياً على أداء الفرد في العمل والعلاقات العاطفية والاجتماعية، ويؤدي ذلك بدوره إلى العزلة وعدم التوازن الوجداني وفقدان احترام الذات. الحقيقة الأخرى هي إذا قبل الإنسان بهذا التعريف حين يقيم نفسه فذلك يدفعه في طريق رحلة الشفاء أما محاولة فرضه عليه من قبل الآخرين فتدفعه نحو طريقٍ آخر بعيداً عن الشفاء.
الوصول إلى التفسخ النفسي
الغالبية العظمى من البشر تتجاوز سلوك إدمان فاحشة الإنترنت ولا يؤثر عليها هذا السلوك نفسياً واجتماعياً ووظيفياً، وتسدل الستار عليه عاجلاً أو آجلا. ولكن هناك من تتعثر مسيرته ربما بسبب هشاشة هيكله النفسي ومنهم ضحايا الاعتداء الجنسي والتعرض المتكررر للإساءة العاطفية والجسدية واللفظية في مراحل النضج النفسي. الكثير منهم أيضاً لديهم مشاكل في التعلق السليم مع الآخرين.
يتم تصغير وتقليل أهمية هذه الإساءة نفسياً وعدم المبالاة بها من قبل ولي الأمر ومن يتولى رعاية الطفل ولا يسمح له التعبير عن مشاعره. بعبارة أخرى يمكن القول بأن هناك إنكار وتحوير للحقيقة وبالتالي كبت هذه المشاعر وتأجيل عملية شفاء الإنسان من تأثير الصدمة.
لجوء الإنسان إلى عملية تجزئة الذات للحفاظ على توازنه يساعده على اللحاق بأقرانه ولكن الصدمة لا تفارقه تماما ويتم عرض الذكريات الصدمية كفيلم بحركة بطيئة. هذه المشاهد تدفع الإنسان إلى عملية تفارق من الواقع بين الحين والآخر ويدخل في مرحلة الركود التطوري، ومن جراء ما سبق يتحول الواقع تدريجياً إلى واقعٍ يتميز بالتشويش والتنافر ولا يكسب الإنسان منه سوى الشعور بالألم وبين الحين يكتشف الإنسان بأن الإنترنت هو مسكّن الألم الوحيد ويشمل ذلك مواقع فاحشة الإنترنت.
يدخل الإنسان مرحلة شلل القناعة الفكرية التي هي أشبه بمعادلة كالآتي:
شلل القناعة الفكرية = الشعور بالألم + عدم الاعتراف بالواقع.
ويكثر الجدال أحياناً حول توجه الإنسان نحو مواقع دون أخرى وتفضيله لفاحشة دون أخرى ولكن الدليل على تفسير ذلك لا يمكن تعميمه وربما ما يحدث مجرد صدفة لا علاقة لها بالماضي.
العلاج
لا يصل الإنسان إلى مراكز الطب النفسي بسبب إدمان فاحشة الإنترنت وإنما بسبب إصابته باضطراب نفسي جسيم يجب علاجه. هناك المريض المصاب بالفصام الذي يتم استغلاله عن طريق هذه المواقع، وهناك المصاب بالاكتئاب الذي يشعر بالذنب بسببه، وهناك المصاب بالهوس الذي يزور هذه المواقع بين الحين والآخر. هناك من يصنف نفسه بالحصار المعرفي (الوسواس القهري) وإدمان فاحشة الإنترنت ليس إلا ظاهرة واحدة من عدة لاضطرابه. وهناك الإنسان الذي يحمل صفات شخصية سلبية تدفعه نحو العزلة وعدم التواصل السليم مع زوجه وأقرانه. علاج الاضطراب نفسه هو علاج إدمان فاحشة الإنترنت.
هناك برامج علاجية متعددة، ولا يوجد دليل علمي على فعالية برنامج دون آخر، وفي نهاية الأمر فإن ما يحتاجه الإنسان هو ما يلي:
١- إدراكه لتأثير سلوكه على من حوله.
٢- قبوله بأن فاحشة الإنترنت تؤثر سلبياً على أدائه الوظيفي في مختلف المجالات.
٣- عليه أن يستنتج بأن متعة الحياة لا تكمن في الجلوس في زنزانة مظلمة لساعات عدة لمشاهدة من يمارس الجنس المزيف.
ليس هناك أسهل من عدم استعمال الإنترنت.
المصادر:
1- Mole T, Barca P, Porter L et al(2014): Neural correlates of sexual cue reactivity in individuals with an without compulsive sexual behaviours. PLOS/one 11th July.
2- Park B, Wilson G, Berger J et al( 2016): Is internet pornography causing sexual dysfunction? A review with clinical reports. Behavioural sciences6(3).
3- Regneus M, Gordon D, Price J(2016): Documenting Pornography use in America- comparative analysis of methodological approaches. J Sex Research 53(7): 873-881.
4- Steal V, Staley C, Sabatinelli D, Hajack G( 2015): Modulation of late positive potentials by sexual images in problem users and controls inconsistent with “porn addiction”. Biological Psychology 109: 192- 199.
واقرأ أيضًا:
تصوير البغاء وإدمانه / استشارات عن المواقع الإباحية / الاعتمادية على المواد الجنسية الإباحية / إدمان الجنس / نفسجنسي PsychoSexual أفلام جنسية Porno Exposure