بودابشت .. باريس .. تايلاند مجانين !4
صباح الجمعة 17 نوفمبر في الصباح كان اللقاء العلمي الذي شمل محاضرات عن مضادات الاكتئاب وعن مضادات الصرع، وعرضا عن تاريخ وإنجازات الشركة المضيفة انتهت في حوالي الثانية عشرة ظهرا، وكان المفترض حسب جدول الرحلة المرفق أننا سبقى بعد اللقاء العلمي في وقت حر لمن يريد أن يتجول في المدينة أو يسافر قريبا منها، لكن البعض اقترح أن تأخذ المجموعة كلها بعضها إلى حيث الشاطئ فالجو حار وربما لن يناسبنا المشي قبل قبيل المغرب، وبالتالي أضاف المنظمون على جدولهم رحلة إلى الساحل الشرقي لخليج تايلاند لم تكن مدرجة في البرنامج وكانت اختيارا موفقا بامتياز ... كان يوما مليئا بالإثارة بحق ولأغلب رفقاء الرحلة ذكريات حلوة فيه.
في البداية أخذتنا الحافلة إلى مكان ما على الشاطئ لنركب منه لانشا سريعا ينقلنا إلى الجزيرة التي سننزل على شاطئها، وكان مفاجئا أن ارتداء سترة النجاة شرط لركوب اللانش .... وحمدت الله أنني أحضرت معي نعلا خفيفا ... وفي رحلة الذهاب ارتديت السترة على قميصي الأسود الذي جعلني أتصبب عرقا كما حدث في حديقة "نَـمّْ نووم".... ونصحني الزملاء بأن أخلع القميص، .... ولم يكن ذلك ممكنا قبل توقف اللانش بسبب الارتجاج المستمر، ففعلا كان التحذير الذي أعطي لمن لديهم مشاكل مع غضاريفهم القطنية من بعض الزملاء في محله فقد انطلق اللانش مندفعا ومرتجَّا لأعلى وأسفل على سطح الماء ارتجاجا مؤلما كما صدمنا أمواجا وتناثر الماء على أجسادنا وفي أرضية اللانش .... تعالت الضحكات وتبادلت المجموعة اللقطات الفوتوغرافية والفيديوية وكانت الرحلة التي تشبه المغامرة آسرة بشكل جعلني وحدي على الأقل لا أشعر ألما بالرغم من طحن فقراتي وغضاريفي القطنية وربما العجزية !
بعد قليل من الإبحار باللانش أوقفونا عند جزيرة خشبية أو بعضها خشبي ... وطلبوا منا النزول من اللانش أطعنا الأمر ... زتركنا اللانش على أن يعود بعد قليل .... ولم نفهم إلا عندما اكتشفنا أنه مكان لإطلاق مظلات البحر التي يجرها لانش صغير .... ولم يكن أحدٌ منا مهتم .. وقفنا قليلا ثم عاد اللانش ليأخذنا وعندما سلمت السترة وكانت حمراء كتلك التي ارتدينا في رحلة العودة، المهم خلعت قميصي وارتديت السترة على ما تحت القميص ... وأخيرا وصلنا إلى الشاطئ المستهدف وبدا بالفعل ماء البحر صافيا حتى أن أرضية البحر الرملية لا تنتهي إلا بانتهاء المنطقة المحاذية للشاطئ وحتى عمق مترين وعشرين سم أنت تسطيع رؤية أرض البحر عبر مياه صافية تميل إلى الأخضر الفاتح منها للأزرق ..... كان المشهد مغريا حتى الثمالة ولم يكن بمقدور أحد ممن أحضروا معهم لباس بحر إلا أن يبحث عن مكان لتغيير ما يلبس ويلقي نفسه في الماء ورغم أن الشمس كانت ساطعة والجو رطب حار نوعا ما (درجة الحرارة كانت ْ31) إلا أن متعة البحر كانت غير مسبوقة مع صحبة رائعة ضمت أ.د أشرف عبده وأ.د أسامة الخولي ود. أمجد خيري ود. عبد المنعم الجارحي ود. وليد الهوشي وآخرون لا يظهرون جيدا في الصورة ....
اضغط الصورة لرؤية نسخة أكبر |
كان من حولنا أشكال وألوان من العرسان والعرائس من كل بقاع الدنيا من العرب ومن الغربيين والصينيين والروس لكنك إن رأيت تايلاندية فهي مع أمريكي عجوز، وكان من الشائع في كل شوارع تايلاند أن ترى الأمريكي العجوز مع فتاة تيلاندية صغيرة ولما سألت الزملاء الذين زاروا تايلاند من قبل قالوا بلى كثير من الأمريكان بعد التقاعد يأتي هنا ليتزوج -أو ليصطحب- تايلاندية صغيرة ... بالنسبة للأمريكان هذه متعة لا تكلف مالا أو بقدر زهيد وبالنسبة للتايلاندية وأهلها ... هذا كنز تليد انظر إلى فرق العملة بين البات والدولار ... الفارق رهيب والحياة هنا تناسب كثيرا من الأمريكيين... تسائلت كثيرا في نفسي ومع الزملاء ! لماذا لم تعلُ وترتفعْ أصوات معارضة هذا النوع من الضرار المعنوي والجسدي ؟ لماذا طالما انتقد في بلادنا الوافدون من الخليج لزواج فتاة صغيرة من بلد عربي فقير (وإن لم يصل بلد عربي لمستوى فقر تايلاند) على سنة الله ورسوله عليه الصلاة والسلام ... وهؤلاء لا أحد ينتقدهم إلا بعضنا ربما في سريرة نفسه !
الماء كان رائقا بصورة ممتعة ورغم ملوحته العالية إلا أنك لا تستطيع منع نفسك من الغطس وفتح عينيك في الماء لترى المشهد صافيا .... متعة تنسيك كل مواجعك الفكرية وتساؤلاتك ...... تمنينا لو استطعنا البقاء في الماء أكثر لكن كان هناك موعد مرتب مسبقا مع اللانشات التي ستتولى إعادتنا إلى الشاطئ ... ومنه إلى الفندق ثم وقت حر للتسوق أو التجول لمن يشاء ...
رحلة اللانش الثانية كانت أكثر إمتاعا من الأولى وكان اللانش أكبر وأوسع وأقل كثيرا في تذبذبه الرأسي فوق الماء .... وبدأت أثناء النزول الأخير من اللانش على الشاتطئ أستشعر آلام عرق النسا التوقعة بعد علقة كهذي ... لكنني حمدت الله وتحاملت ولم أخبر أحدا ... وكان من الجميل أن أخذنا أنا وأشرف وأسامة صورة مع دليلنا السياحي محمد .. عرفت وقتها –للمرة الثانية في هذه الرحلة وكانت الأولى في حديقة "نَـمّْ نووم" بالتايلاندي أو نونج نووش Nong Nooch Village بالإنجليزية... للمرة الثانية عرفت قيمة نظارة الشمس والكاسيتة أو البرنيطة (غطاء الرأس) فتروني الوحيد في الصورة يبدو علي أثر سقوط ضوء الشمس الساطعة المزعج في عيني كان كلا من محمد وأسامة يلبسان نظارة شمسية وكان أشرف عبدو لابسا برنيطة وكنت الوحيد الذي يكاد يغمض جفنيه من سطوع الشمس ليأخذ صورة مع محمد !
اضغط الصورة لرؤية نسخة أكبر |
كانت الجولة الأخيرة للتسوق والتمشي في تايلاند لأننا في الصباح سنتجه إلى سوق جديد هو سوق باطايا أوتلت Pattaya Outlet Mall والذي وعدونا فيه بأسعار زهيدة لم نجدها ... وسنعود لذكر ما رأينا فيه بعد قليل، اتفقت مع كل من أشرف عبدو وأسامة على الخروج ليلا لبعض التسوق وللمساج ... وطفنا من بعد العصر تقريبا في شوارع ومولات شتى ولم أشتر إلا قليلا واشترى غيري كثيرا ... وأنا كنت أفكر فقط في شراء بعض الفاكهة كما نصحني بعض زملائي في مصر ... أنواع غريبة من الفاكهة بعضها فقط رأيته من قبل في الإمارات وفي قطر وفي ماليزيا لكن أصناف عديدة رأيتها هناك لكني لم أجد أيا منها يتحمل السفر والنقل في حقيبة ضمن خزانة طائرة ..... اشتريت وصلة لشحن الآيفون ... وبعضا من بطاريات الريموت وفأرة الحاسوب (سعرها أرخص من مصر... وأظن لمدة محدودة)، ..... وأخيرا اتجهنا إلى مطعم القصر للعشاء مع المجموعة ولم يكن بعيدا عن المول الذي كنا فيه.
قررت في هذه الليلة أن يكون المساج في مكان معروف حيث فهمت خلال النهار أن فارقا كبيرا في مستوى المهنية والخبرة بين محال المساج المنتشرة في كل الشوارع صغيرها وكبيرها في هذا البلد ... عرفت أنه لا يطلب الحصول على شهادة لمن يصرح لها بأن تمارس تلك المهنة ويبدو والله أعلم أنها حرفة شعبية يستطيع كل من لا يجد عملا أن يمتهنها..... وأن ما حدث معي مساء أمس كان ببساطة أن التي أجرت لي المساج لم تكن محترفة.... وفعلا كان كل شيء مختلفا بداية من الأسعار مرورا بخطوات التهيؤ للمساج وانتهاء بالمساج نفسه، اختار أسامة المساج التايلاندي واخترت أنا المساج بزيت جوز الهند ! ... كنت عرفت من أسامة أنه تألم حقا في المساج التايلاندي بالأمس لكنه شعر بعدها باسترخاء مناسب ونام نوما هادئا... وأذكر أني لم أتألم ولا اقتربت حتى من حافة الألم، وبنما اختار أسامة أن يكرر التجربة هذه الليلة أيضًا، خفت أنا على البقية الباقية من تماسك فقراتي وغضاريفي فمن المؤكد أني لن أتحمل ... لذلك آثرت السلامة واخترت التدليك بالزيت.
فعلا كانت خبيرة مساج واستطاعت أن تجعلني أشعر بالاسترخاء خلال دقائق .... وبقيت حوالي نصف ساعة على تلك الحال التي لم يكن ينزعني منها إلا صياح أسامة ألما في سرير المساج المقابل لي .... وكنت أحمد الله كل مرة... لم تكن تتكلم هذه المدلكة .. ولا سـألتني أين تقيم في بطايا ولا عرضت علي مساجا في غرفتي بالفندق إن أردت فقط بـ 500 بات، وهو ما فعلته مدلكة الأمس 3 مرات وأنا أرد كل مرة بالرفض والشكر... كانت مهنية فعلا وكله بثمنه..... كان مشوار العودة إلى الفندق طويلا وكانت فقراتي تحتك ببعضها وغضاريفي تعلن التذمر الشديد وأما عضلات ظهري فقد أعطت استجابة الخطر وتصلبت.
أخيرا دخلنا الفندق ومضى كل إلى غرفته وأمضيت 45 دقيقة أحرر ما سأحدث صباح الأحد 19 نوفمبر على صفحات مجانين، حيث من المقرر أن أصل مطار القاهرة حوالي السادسة صباحا ... يعني إن شاء الله أكون في مجانين في الثامنة وعلي أن أحدث بأسرع ما يمكن لأتمكن من خطف بضع ساعات للنوم قبل الدوران في ساقية العمل اليومي المتوقف منذ مساء الاثنين 13 نوفمبر... أنجزت ما قررت إنجازه وألقيت نظرة أخيرة على ما سأقوم بتحديثه صباح السبت بعد الصلاة والإفطار.
وفي الصباح بعدما حدثت مجانين خطر لي أن أسأل في الصيدليات على مزيل احتقان الأنف إليادين الذي كانت تنتجه شركة ألمانية هي شركة ميرك وتوقف في مصر منذ سنوات ولم أتمكن من العثور عليه في كل البلاد التي سافرت إليها من قبل عربا وشرقا وغربا ... وكنت جاهزا بإعطاء اسم المادة العلمية النشطة في ذلك المزيل للاحتقان وهي هيدروكلوريد الأوكسيميتازولين Oxymetazoline HCL ... لكنني لم أحتج الاسم العلمي فقد كان إليادين نفسه موجودا بنفس الاسم وإن بعبوة مختلفة أكثر تطورا ... في البداية طلبت ثلاث عبوات ... لكنني عندما عرفت أن سعر الواحدة 130 بات ... أي حوالي 70 جنيها مصريا تراجعت واكتفيت بواحدة على سبيل التجريب خاصة وأن إحدى شركات الدواء المحلية تبيع بديلا بنفس التركيبة وسعر العبوة لا يتعدى خمسة جنيهات ... وإن كنت لم أشتره منذ مدة طويلة أي أنني لا أعرف سعره الحالي لكنه لن يتعدى الضعف بأي حال من الأحوال فيكون سعر العبوة 10 جنيهات على أقصى تقدير...
كان عندنا ساعتان للتسوق بعد الإفطار وكان مهما لأغلبنا أن يتخلص مما معه من عملة تايلاند خاصة من لا ينوون الشراء من سوق باطايا أوتلت إما شبعا أو زهدا في الشراء خاصة وأن سعر الجنيه المصري أمام البات قد تغير بعد التعويم من 7 بات إلى أقل من 2 بات أي أن كل ما كان رخيصا لم يعد كذلك بالتأكيد والأسعار بالتالي إما ستكون كالأسعار في مصر أو أغلى ... وكان ذلك الوضع أوضح جدا في هذا السوق الأخير لأن الأسعار محددة وليست قابلة للمفاوضة كما كان الوضع في أغلب محلات باطايا الأهلية، لهذا السبب ورفقا من الله بظهري- لم أتحرك كثيرا في ذلك السوق وبحثت عن مكان أستطيع فيه الجلوس وشحن حاسوبي المحمول ... وبينما ظل الزملاء يطوفون حولي وبعضهم يجلس ليستريح جواري ..... وأنا أسمع تعليقات السخط من الأسعار ولا أعلق منهمكا في العمل على تنسيق بعض صور الإبداعات لأضعها على مجانين.
انطلقنا من ذلك السوق في السادسة مساء متجهين إلى مطار بانكوك، حيث سيودعنا محمد دليلنا السياحي.. ونقضي ثلاثة ساعات ونصف في المطار على الأقل حيث كان موعد الطائرة في الدقيقة الخمسين بعد منتصف ليل بانكوك.... في الطريق تذكرت ما حدث ونحن ندخل البلد حيث وقع نصيبي في يد ضابطة جوازات موسوسة لا تقارن بأي من الضباط والضابطات... عطلتنا كثيرا سامحها الله ... وأرجعت مغربيا كان يصيح بلهجة سمعتها يمنية ! لكنني عندما حادثته عرفت أنه مغربي وعرفت كم تشبه شعوبنا بعضها... المهم دعوت الله ألا يتكرر هذا وبدلا من أن أضيع الوقت في الصفوف واقفا ... لعلني أجد مكانا أحرر فيه ما أرسله صاحب أكثر عدد من المدونات على مجانين د. صادق السامرائي وأكون بذلك أحسن وضعي في مواجهة الضغط المتوقع في العمل والذي عادة ما يجيء كعقاب على الإجازة الطويلة ..
اضغط الصورة لرؤية نسخة أكبر |
الغريب في تايلاند أن الأماكن والأنشطة التي تغري كثيرا من السائحين وأغلبها خاصة بهم وغريبة فعلا .... ليس ركوب الفيل مقصورا عليهم لكني أظن أخذ صورة مع الأسد كما فعل بعض الزملاء معلما تنفرد به هذه البلد .. ترتبط شهرتها عالميا بالجنس سياحة جنسية وأبحاثا طبية جعلتهم أيضًا مقصدا لكل الراغبين في إجراء جراحات تغيير الجنس ! وهم متزايدون مع الأسف ولا أظن أنني سمعت عن شوارع للبغايا من الليدي بوي قبل أن تطأ قدماي تايلاند .. يعني أصبحت كمان تستقطب سياحة طبية لا بأس بها، أضف إلى ذلك الأبحاث على الخلايا الجذعية والجراحات التي يزرعون بها تلك الخلايا ... تايلاند بالرغم من التفسخ الخلقي كما يراه أي قادم من البلدان المنضبطة شكليا على الأقل بضوابط تنظم العملية الجنسية، نراها تقفز بقوة نحو التقدم والقوة الاقتصادية وكل ذلك رغم بقاء مظاهر الفقر، التي يؤكد الجميع أنها في تناقص، حتى أن محمدا وعدني بأنني في الزيارة القادمة لتايلاند لن أرى مثل هذا الكم المخيف من الأسلاك، أغلبهم ليه الأمل والعزم، وهم يتركون انطباعا في النفس بأنهم مبدعون بسيطون مسالمون ... لكن تماثيل بوذا في كل مكان ولأنها بغير حرس فإن من ذكائهم أن كتبوا بجوار بعضها Respect Is A Common Sense أي أن الاحترام هو الفطرة السليمة.
بعض الحساسين سيستشعرون شيئا من الاشمئزاز والقرف من بعض ما يرون في الشوارع وواضح أنه ممارسة شعبية يحاولون تشجيع السائحين عليها مثل أكل الحشرات والفئران وعرضها فى عربات على جوانب الطرق والأرصفة... شعب يأكل كل شيء وربما لا يشعر بالقرف، عموما لم أناقش أحدا منهم لأعرف إلى أي حد وكفاني أن الاحترام هو الفطرة السليمة... الحقيقة أن مجرد مقارنة ما كتبته في مدونة عن رحلة بودابشت وفي أخرى عن رحلة باريس لم أكتبه كله في ثلاث مدونات عن تايلاند وبطايا تحديدا يعكس بجلاء مدى الثراء السياحي الذي ينعم به ذلك البلد الاستوائي الحار.
واقرأ أيضًا:
لقاء في الأردن / حديث لندن وقت العصر / ثانية ألتقي سدادا .... جمعا في لندن