الجبل الأصفر مملكة على الإنترنت!

كما عرف العالم ثورات الإنترنت وصفحات التواصل الاجتماعي، رأينا ظاهرة جديدة وهو تأسيس دولة عبر صفحات التواصل، وهو ما عرف باسم "مملكة الجبل الأصفر"، وإن كانت هناك دراسات عديدة تناولت ظاهرة الثورة على الإنترنت، ولكن إعلان الدول على الإنترنت دون أي تواجد للدولة أو مواطنيها على الأرض هو أمر فريد لم نره من قبل.

وقد تناول البعض هذا الأمر حين إعلانه، ولكن مع مرور الوقت بدأ الجميع يتناسى أمر هذه الدولة ومدى جدية الإعلان، إلا أن المتحدثة الرسمية استمرت في إجراءات تأسيس الدولة على الإنترنت عبر التويتر بإعلان اسم الملك ووزير للخارجية وكيفية التقدم للحصول على الجنسية دون أن يحدثونا عن كيفية الوصول لدولتهم وهل هناك مواطنون أصليون وجنسية أصلية وأخرى مكتسبة.

وحتى نناقش الأمر بجدية يجب أن نعلم ماهية تلك الأرض التي تتدعيها هذه المملكة؟ ومن هم القائمون عليها؟

وتقع أرض المملكة المزعومة على منطقة تعرف باسم "بئر طويل" وتقع "بئر طويل" بين مصر والسودان في منطقة ترسيم الحدود، ويرجع إهمالها لنزاع حلايب وشلاتين، فترسيم الحدود يجعل من هذه الأرض جزءً من الدولة التي لا تقع حلايب وشلاتين ضمن حدودها، ولذا فقد استمرت مصر والسودان على موقفهما من رفض اعتبار تلك القطعة من الأرض ضمن حدودهما، ولذا قد يسميها البعض "الأرض المباحة" منذ ١٨٩٩، وإن كان التعبير غير دقيق لأن تلك الارض البالغ مساحتها ٢٠٠٠ كم مربع قد تبادلت مصر والسودان إدارتها ولكن لم تتضمنها أي منهما في إطار حدودها الدولية.

وبالإضافة لذلك فتلك الأرض التي يسكن على أطرافها قبائل قد أعلنوا مسبقا نواياهم لإنشاء دولة مستقلة، بالإضافة لأنه قد سبق وأعلن مواطن أمريكي في ٢٠١٤ إقامة مملكه شمال السودان على تلك الأرض لينصب ابنته البالغة من العمر سبعة سنوات أميره كما وعدها!

ولكن من هؤلاء الذين أعلنوا مؤخرا عن "مملكة الجبل الأصفر"؟ ولماذا قاموا بذلك الإعلان الغريب؟

لا أعتقد أنه هناك من يستطيع أن يصل لإجابة على تلك الأسئلة إلا بعد تطور الأمر إذا تطور ولم يتوقف عند ذلك الإعلان الغريب، فكل ما نعرفه حتى الآن هو أن المتحدثة الرسمية والتي سمت نفسها رئيسة لمجلس الوزراء السيدة "نادرة عواد نصيف" هي أمريكية من أصل لبناني أعلنت قيام المملكة على تلك الأرض، وقد تم الإعلان من مدينه أوديسا بأوكرانيا!

وقد تطور الأمر بإعلان اسم ملك وهو "الشيخ عبدالإله آل وُهيب" بعد أن كان غير معلوم ثم تسمية بعض الوزراء وفتح باب التسجيل لطلب الجنسية شريطة أن يكون المتقدم عربي مسلم لاجئ !

وتم تعيين وزراء للخارجية والبيئه وحقوق الإنسان، والملفت للنظر هو من تم تعينه مستشاراً إعلاميا للمملكة وهو مواطن سعودي يدعى "أحمد الملقى" وشعاره على صفحات التواصل عبارة عن علم المملكة السعودية ورمزه هو مختصر اسم محمد بن سلمان بالإنجليزية "MBS"، ولا نعلم حتى الآن دور ذلك المستشار الذي يهلل ليل نهار بإنجازات أل سعود وتطويره المملكة السعودية، ثم يخرج علينا بأخبار طلبات الجنسية لمملكة الجبل الأصفر ويدعون أنهم تلقوا أكثر من مليون طلب جنسية في خلال أيام معدودة.

أنا لا أشير هنا لأمر بعينه لأنني لا أعلم يقينًا ماهية ذلك المشروع وتلك المملكة المزعومة، ولا أستطيع أن أجد أي سبب منطقي وراء ذلك الإعلان وتوقيته، ولكن هل هناك أي سبب منطقي وراء أي شيء يدور في المنطقة العربية المنكوبة من قيادات هي أقرب لقوادين من كونهم قيادات، ومشروعات بالجملة للتفريط في كل شيء من الحقوق التاريخية للأرض والدين وحتى الأمل في مستقبل أفضل.

ولذا فأنا أطرح أمر هذه المملكة العنكبوتية التي لم يبلغ عمرها إلا شهرين، لعل الأمر يكون مرتبطا بأمور أخرى تدور على الساحة، وقد يكون هزلل، ولكنه لا يبدو كذلك.
25 أكتوبر 2019

واقرأ أيضًا:
شهيد الصمت / الثورة المصرية بين الحلم والواقع