سؤال مطروح على الساحة المعرفية والثقافية العربية، وقد تصدى له المفكرون العرب وأسهموا بقراءاتهم وتحليلاتهم وما توصلوا إلى الحلول، مما يعني أن لا بد لنا من العودة إلى التشخيص، وهي قاعدة معمول بها في الطب، فعندما لا يستجيب المرض للعلاج لابد من السؤال: هل أن التشخيص كان صحيحا؟
وفي واقعنا العربي، تركزت جهود مفكرينا الأجلاء على الدين والتأريخ والتراث، وحسبوا أن العلة فيهم وحسب، لكنهم عجزوا عن كتابة الرؤية المنقذة أو الواقية أو المعالجة لهذا الداء الذي شخصوه، وتفاعلوا مع أسبابه كلٌّ من زاوية نظره وقدراته الإدراكية والتحليلية.
والمغفول في الموضوع أن الاقتراب أحادي النظرة، فعوامل تعطيل العقل العربي متنوعة ومتفاعلة مع بعضها، وما ركز عليها المفكرون العرب على مدى أكثر من قرن، ولم يشذ عنهم في القراءة إلا عبد الرحمن الكواكبي في أواخر القرن التاسع عشر والذي أُهْمِلت رؤيته وتأكد ما يناهضها.
وعندما نجيب على السؤال بموضوعية واقتراب أوسع تظهر الأسباب الجوهرية والفعالة فيه، ويأتي في مقدمتها الفشل في إقامة أنظمة حكم تحترم الإنسان بعقله وكيانه وحقوقه، وهذه الأنظمة وَجَدت ضالتها في لعبة أن الدين والتأريخ والتراث السبب في تعطيل العقل ومنع التقدم، بينما الخيار خيارهم.
ومن الأمثلة على ذلك أن أوربا انطلقت بثورتها العقلية التنويرية، بقرار سياسي لمواجهة هيمنة الكنيسة وزعزعة ثوابتها القاتلة للعقل، وبعد صراع طويل انتصر العقل وانساقت الكنيسة وراءه ومضت في تجديد ذاتها وموضوعها.
ولم يكن الذين اتخذوا ذلك القرار على وعي أن التقدم ستصنعه حرية العقل، لكنهم وجدوا أن هناك حاجة لاستخدام العقل، لأنه يأتي بحلول وخيارات أفضل وأكثر عملية من قرارات الكنيسة وممثليها، التي ترى القوة والطاعة صراطا لتثبيت الهيمنة والسلطان.
وفي واقعنا نحتاج إلى قرارات سياسية شجاعة لتحرير العقل من القيود والمعوقات التي تصادره، وتحسب التفكير من المحرمات والبدع التي تدمر المعتقدات وما تداولته الأجيال وتمسكت به، وفقا لمسميات ومصطلحات سلبية غاشمة.
فمسؤولية تفعيل العقل تقع على عاتق أنظمة الحكم، التي هي بحد ذاتها تحتاج إلى أن تحرر عقلها من أوهامها الحزبية والعقائدية أولا، وبعدها تعمل على تحرير عقل المواطنين واحترامه وتفعيله.
فكم من أصحاب الرأي في معتقلات الدول العربية ؟ وكم من الأبرياء تم القضاء عليهم بسبب تفعيلهم للعقل وإبدائهم للرأي؟ إن المشكلة سياسية أولا وأولا، وبعدها يمكننا أن نأتي بأسباب أخرى وجميعها ثانوية.
فعندما نتحدث عن الدين فواقعنا لا يختلف عن مجتمعات الدنيا الأخرى، فهي ذات دين وتراث وتأريخ، وما يختلفون به عنا، أن أنظمة حكمهم تؤمن بالعقل وبقيمة الإنسان وبقدرته على صناعة المستقبل الأفضل.
فأنظمتهم تعز الإنسان وتتفاخر به، وأنظمتنا تحتقر الإنسان وتقهره لأنها تخافه!!
3\2\2020
واقرأ أيضاً:
عصور السطوة!! / وفرة المعارف وندرة العارف!! / المنطقة الرهينة!!