في اللّغة نقول: فلان مُعمّم أي مُخوّل، وفرس مُعمّم أي أبيض الرأس وعمّمُوني أمرهم أي قلّدُوني أمرهم.
والعمامة واحدة العمائم، وعمّمُه تعميماً أي ألبسه العمامة، وعُمّم الرجل أي سُوِّدَ (سُيّد) لأن العمائم تيجان العرب وكما يُقال توّجَ يُقال عُمّم.
والعمامة جمعها عمائم وعِمام.
وللعمامة أسماء مختلفة، وهي عبارة عن قُماش يُلف على الرأس بأساليب متنوعة ليصنع أشكالها العديدة.
والعرب لبسوا العمائم قبل الإسلام، وكان للعمائم دورٌ في حماية الرأس من حرارة الشمس، وكانت تُغطَّّس بماء البئر لكي تحافظ على وقاية الرأس من شدة الحرارة، وكان لونها أبيضاً لكي لا تمتص حرارة أكثر مثل باقي الألوان. وبعد مجيء الإسلام، أخذت طابعاً دينياً وأصبحت رمزاً ورتبةً دينية وتعبيراً عن المعرفة والفقه والخبرة الدينية.
وكان للرسول (ص) عمامة يُرخي طرفها بين كتفيه، ويوم فتح مكة كان متعمماً بها، وقد خطب بالناس عند باب الكعبة، ورُوي أن النبي (ص) قد وضع على رأسه العمامة السوداء والخضراء والبيضاء كما جاء في كتب السيرة.
وللعمامة أصولٌ وألوانٌ وسننٌ في اللّف والتعمُّم، وفيها آراء فقهية وشرعية متنوعة كتنوع ثقافة المسلمين، ومن يضعها على رأسه يتوجّب عليه الالتزام بمعانيها وتقديرها وإحترامها.
ومع الزمن أصبحت رمزاً للقوة والجاه والسلطة، فكان للخلفاء عمائم ذات أشكال وألوان متنوعة، وأمعن معظم السلاطين العثمانيّين في حجم العمامة ولونها وشكلها حتى كان سليمان القالوني يضع على رأسه عمامة كبيرة الحجم كروية بيضاء لتظهر هيبته وقوة إمبراطوريته المترامية الأطراف.
والعمامة موجودة في الديانات الأخرى لشعوب كثيرة في شرق آسيا كالهند وغيرها.
ولها أسماء عديدة في بلدان العالم المختلفة، وهي معروفة منذ القديم عند مهراجات الهند وفي أوروبا، وحتى النساء كانت تتعمم في الماضي.
وللظروف البيئية دور فعال في أشكال العمامة وألوانها، وكذلك التأثيرات الدينية والفكرية والاجتماعية.
وقد تتخذ العمامة معاني أخلاقية ذات ارتباط بالشرف والكرامة وإسقاطها عن الرأس جريمة اجتماعية لا تُغتفر بسهولة في بعض الأعراف والتقاليد القبلية والدينية.
وصارت العمامة اليوم من تقليعات الموضة، وبرع فيها مُصمّموا الأزياء وتفننوا في العمامة النسوية المعاصرة المستوحاة أصلاً من عمامة المرأة الأفريقية، وأخذنا نرى أثمن العمائم وأجملها في عالم الأزياء النسائية الجديدة. والعمامة ليست رمزاً للشر، وإنما هي عنوان الأُلفة والمحبة والرحمة والعمل الصادق الطاهر النقي الملتزم بالدين وتعاليمه التي أرادها الله تعالى سنة تُحافظ على سعادة وأمن أبناء آدم وحواء فوق الأرض.
وفي تاريخ الأديان هناك شواهد وسلوكيات قاسية ومؤلمة طحنت البشر ببعضهم وأصابتهم بالويلات والدمارات لا لشيءِ إلا لأن رموز الدين قد انتصرت على عقولهم وسلوكهم النفوس الأمارة بالسوء فزينت لهم فعل الشر باسم القيم النبيلة والأفكار السامية ذات الامتداد المُطلق ما بين الأرض والسماء، ومن يزور خرائب العصور والقرون يرى ذلك واضحاً ويبقى متسائلاً بحَيْرة وعجب عن كوامن الفعل وبواطن السبب ولا يجد أية نتيجة ذات قيمة إيجابية أو دينية من ذلك السلوك البشري المُشين المُبرقع بالدين أو الذي يحمل راياته وأفكاره ويسعى في الأرض مُمتطياً ظهر نفسه أمّارة السُّوء الشعواء التي تجلده بسياطها وتركبه ويحسب أنه يركبها.
وعندما نتناول موضوع العمامة ودورها في الحياة الاجتماعية نرى أنها وعبر التاريخ ومنذ عمامة النبي (ص) لم يكن لها دور سلبي بقدر ما كان لها الدور الإيجابي الفعّال في صناعة الحياة المثلى التي تُعبّر عن القيم وأفكار الإسلام وفقاً لمُعطيات العصر الذي تعيش فيه. وهي أنواع ودرجات كالوسام العلمي الذي يستحقه صاحبه بالجد والاجتهاد والعمل الدّؤوب من أجل الفهم والتفقه العميق بالدين والوصول إلى درجة من المعرفة والوعي الواسع لكي يضع العمامة على رأسه ويمشي بين الناس على أنه رمزٌ حيٌ من رموز الدين المسؤولة عن أي سلوك أو كلمة ورأي أمام ربّها.
وليس كل مَن وضع العمامة على رأسه (أي تعمّم) هو من الذين اكتسبوا درجة العلم والمعرفة بالدين، وهذا يفرض علينا أن نراجع مؤهلات العمامة ومواصفات أصحابها لأن العبث بالعمامة قد أدى إلى اضطرابات سلوكية اجتماعية مُنافية لمعايير الأخلاق والأصول والأعراف التي مضى عليها أبناء أمة محمد (ص) منذ أن دعاهم إلى دين الإسلام وهبط الوحي بآيات القرآن تباعاً على مدى ثلاثة وعشرين عاماً تم تنزيل القرآن فيها بموازنة دقيقة ما بين حاجات البشر وتطلعات السماء، وإدراكها لطاقاته وقدراته التي تمكنه أن يُعبّرعنها وفقاً لمنهج السماء القويم الذي أنزله على نبيه بلسان جبريل (ع).
إن العمامة رمزٌ للدين والمحبة والألفة والرحمة والطيبة والسماحة والورع والتقوى. فلماذا أصبحت رمزاً للفرقة والبغضاء والعدوان والشتات والضعف والضياع وزرع روح الأحقاد والكراهية بين الناس؟! ولماذا تحوّلت من الدعوة إلى السماء واتّجهت إلى الدعوات الدنيوية والأطماع التي لا تنفع الدين وتُساهم في إراقة دماء الأبرياء وزيادة عدد الفقراء والمظلومين والتُّعساء والمحرومين والمقهورين اليائسين البائسين؟! وكل ذلك باسم الدين وتحت خيمة العمامة أياً كان لونها وحجمها وما فيها من فصوص ومجوهرات حتى وكأنها تحولت إلى تاجِ لأمير أو ملك أو إمبراطور يريد أن يتحكم بمصير الآخرين وفقاً لرغباته وطموحاته الدنيوية ولنداءات النفس وخفايا دوافعها ونوازعها الدفينة التي يُحاسب الله عليها ويُلقي بأصحابها في الجحيم الموعود.
فالعمامة في وعينا الجماعي تعني المعرفة والتفقه والسلوك الحسن والتفاعل الطاهر النقي العفيف مع الآخرين والهدي إلى ما ينفع الناس ويرضي الدين وفرائضه وآدابه، لكنها فقدت الكثير من قيمتها لأنها لم تُوضع على الرأس المناسب المتفق مع معانيها، فالعديد من الرؤوس المُعمّمة تُسيئ إليها وتصنع وجوداً مُخلاً بقيمتها وأثرها في حياة المجتمع .وقد لعبت دوراً لا يتفق ومقاصدها، وعليها أن تعيد النظر بأهميتها وألا تتجاوز دورها الروحي والأخلاقي السليم وألا تُدنّس هيبة التاريخ والدين بالسلوك الدنيوي المُتعثّر المُشبّع بنهج النّفوس الأمّارة بما تشتهي، والتي تُمسك النفس اللوّامة من عنقها.
ومن هنا فإن المطلوب إعادة النظر بالعمامة وقيمتها ومراميها، فليس من السهل على كل فرد يريد أن يكون رمزاً للدين أن يلبس العمامة وحسب، إذ لا بد من ضوابط واضحة وامتحانات صعبة نظرية وعملية وأن تتوفر له تقييمات متبادلة بين الناس فهي ليست تفويضاً مُطلقاً لمن وضعها على رأسه كما أنه من الممكن إسقاطها عنه إذا أساء التعبير عن الدين وأوضح عدم فهمه في تطبيق السلوك الصحيح، فقد كثرت العمائم بشكل غير مسبوق حتّى وكأن السفينة أخذت تتأرجح في يمّ الحياة المُتلاطم الأمواج. فهل يوجد مجلس لتعميم العمائم؟ وهل توجد امتحانات دورية لأصحاب العمائم؟ وهل هناك تقييم للمعممين من قبل الناس أو من قبل مجالس علمية وفقهية لها أهميتها وقيمتها الفكرية والمعرفية في الحياة الدينية؟
إن الخلل الذي أصاب المجتمع وتسبّب في الاضطرابات المتعددة هو غياب الضوابط والمقاييس السلوكية وانعدام أصول التفاعل الصحيح ما بين النظرية والتطبيق وما بين العقيدة والسلوك في عالم مُتغيّر وشديد التطور والاندفاع إلى الأمام المجهول، ونحن نراوح دون قدرات فكرية ونفسية وروحية على المعاصرة والتوثب الواعي إلى الأمام.
وشتّان ما بين العقل والعمامة!!
6\12\2007
واقرأ أيضاً:
اللغة العربية بخير / مصير النفط / التفاؤلية وإرادة الحياة / الدول الأبيّة والدول السَبيّة