أظن أن أول الذين تكلموا بموضوع العقل الفاعل والمنفعل هو ابن سينا، وربما توجد محاولات لإغفال ذلك وادّعاء المصطلح من قبل معاصرين.
وهناك العديد من العلماء الذين اهتموا بتفعيل العقل لأنه جوهر البناء الحضاري والمعرفي والتقدم بأنواعه، وقد استندوا في دعواهم إلى ما جاء في القرآن الكريم وكأن التفكير والعمل بالعقل فريضة وسلوك عليه أن يسود، وفي مقدمتهم العالم ابن رشد الذي قاسى ما قاساه من قبل زملائه الفقهاء بسبب دعوته لإعمال العقل.
وفي مسيرة الأمة الحضارية هناك ثلاثة عوامل ربما لعبت دورها في تعطيل العقل وهي:
أولا: الكراسي
فمنهج الكراسي السائد على مر العصور هو أن يكون لعقلها وفكرها وما تراه الحضور المطلق في الوعي الجماهيري، وأي مخالفة أو عدم توافق مع رؤيتها ومنهجها تكون نتيجته الإبادة الفردية أو الجماعية وغيرها من أساليب البتر والإزاحة والتدمير.
ثانيا: العمائم
العمائم لعبت دورها الخطير في تجميد العقل، وباسم فقهائها الحافين من حول الكراسي والذين يسوّغون أفاعيلها وآثامها ويتحكمون بمصائر الناس وفقا لآلية السمع والطاعة والارتهان بالجماعة وعدم التفكير بغير ما يُراد لهم التفكير به لأن ذلك كفر وزندقة وإلحاد.
ثالثا: الأحزاب
وعند نشوء الأحزاب منذ منتصف القرن التاسع عشر , برزت آليات " نفذ ولا تناقش" وهي مستمدة من مبدأ السمع والطاعة ولكن بأسلوب غير ديني أو فقهي وإنما حزبي.
وقد دمرت الأحزاب العقول التي تفكر وترى ولديها القدرة على استشراف المستقبل، لأنها وبلا استثناء قد خلقت طغاتها الذين فرضوا على المنتمين إليها إطاعتهم وتأليههم والعمل بموجب رؤاهم التي لا تخطئ.
وهذه الثلاثية الفتاكة لا تزال فاعلة ومؤثرة في العديد من مجتمعاتنا برغم الدعوات الفارغة للحرية والديموقراطية وما شاكلها من الطروحات التنويمية المضللة الخدّاعة للنيل من الشعب والإمعان بالتدمير الجماهيري.
فعلينا أن نعيد النظر بهذه المرتكزات الفاعلة في نفي العقل ومحق وجوده.
ولنتحرر من مناهج الكرسي أو "القيادة أعْرَفْ" أو العمامة والقائد الحزبي وما شابههم.
فالعقل يجب أن يعمل ولو كره الطامعون!!
واقرأ أيضاً:
عليكم بالنخيل فأنه يُعيل!! / الأمن الغذائي العربي والسيادة المفقودة!! / العقل بين التحريك والتبريك!!