السائد عند المفكرين والفلاسفة العرب أن الفكر لا يغيّر وإنما السياسة هي التي تغير، ولهذا يختصرون عملهم على التفسير والتحليل وبموجبهما يرسخون ويُعزِّزون ويسوّغون ويبررون ويساهمون في المراوحة الحضارية والاستنقاع التدميري للذات والموضوع.
وهذه فرية انطلت على أجيال منهم، وأسهم في تأكيدها وتقويتها السلطة الدينية التي لا تريد أن تتصور بأن الأرض تدور والتغيير حتمي في الحياة.
كما أن ما واجهه المفكرون من تهديدات وترويعات وتكفير وقتل جعل معظمهم يسلك طريق السلامة والأمان، والنادر منهم مَن يمتلك الجرأة وبتحدى ويواجه.
وللمستشرقين والمفكرين الأجانب دورهم في ترسيخ هذا المفهوم لأنه يخدم مصالح دولهم وشعوبهم، فمن السهل عليهم القبض على البركة والمستنقع، ويصعب ذلك على النهر الجاري المتوثب الاندفاق.
ولو تأملنا ما جرى في الدول التي تقدّمت وتمكّنت لتبين لنا أن وراء ذلك مفكرون وفلاسفة أسهموا في التصدي للمشكلات المعاصرة ووضعوا لها الحلول الثاقبة، وترجمت رؤاهم ونظرياتهم الأنظمة السياسية الوطنية الفاعلة في مجتمعاتهم، فلا يوجد تغيير أو نقلة حضارية اصيلة دون إسهامات تنويرية للمفكرين والفلاسفة.
فالمفكرون الأجانب في قلب النهر الجاري، وعندنا المفكرون في قاع مستنقعات الإتلاف الحضاري التي ربما يساهمون فيها عن قصد أو غير قصد.
انظروا إلى الصين واليابان والدول الآسيوية الأخرى والأوربية. مَن غيّرها؟
ستجدون وراء حركة التغيير فلاسفة بارزون ومفكرون فاعلون، وحتى يومنا هذا لا تتحرك الأنظمة السياسية الوطنية في دول الدنيا إلا تحت أضواء رؤى مفكريها وفلاسفتها، أما في مجتمعاتنا فالمفكر منبوذ والفيلسوف ضد الدين وربما زنديق أو مجنون.
وهذا التفاعل السلبي ما بين الفكر والفلسفة والمجتمع من أهم أسباب التردي الحضاري الذي يجتاح وجودنا المتطلّع للتنامي والرقاء.
واقرأ أيضاً:
التحليل والتفسير لا ينفعان!! / يصنعون ما فينا!! / العَرَبُ وما يُعْرِبون!!