هناك اضطرابات متعددة تم ربطها بالوسواس القهري بصورة عفوية أو استناداً إلى دراسات ميدانية. أحد هذه الاضطرابات هو ما يسمى اضطراب الاكتناز Hoarding Disorder. هذا الاضطراب بحد ذاته لم يكن مصنفا سابقاً في المجدات التشخيصية والإحصائية، ولكنه رغم ذلك كان كثير الاستعمال في جميع مجالات الحياة.
سلوك التجميع
سلوك التجميع Collecting يظهر من عمر مبكر وهو كثير الملاحظة في الأطفال. يميل الطفل إلى تجميع ألعابه المختلفة والاحتفاظ بها، ومنهم من يحب مشاركة الأطفال الآخرين بها ومنهم من يحتجزها لنفسه. يتضاءل هذا السلوك تدريجياً بعد سن البلوغ، وأحيانا تكثر ملاحظة فوضى المراهقين وعدم الاحتفاظ بحاجياتهم. بعد ذلك يظهر سلوك التجميع ثانية مع استقرار الإنسان في بيئته. الكثير من البشر تراجع ما تم جمعه وتحاول التخلص منه للسيطرة على الفوضى. الإنسان بطبيعته لا يحب التخلص من الكثير من الحاجيات لأسباب متعددة. هناك من يأمل بأن ما تم شرائه سيرتفع سعره يوماً ما. هناك من يخشى عواقب الأمور ويحتفظ بكل فاتورة. وهناك أيضاً من يحتفظ بالحاجيات لأسباب عاطفية ومراجعة ذكريات الماضي.
سلوك التجميع أحيانا هواية خاصة مثل جمع الطوابع والفراشات. هناك من يربط هذا السلوك بالتوحد Autism، ولكن السلوك بحد ذاته لا علاقة له بالاضطرابات التوحدية إلا إذا كانت الهواية تؤثر على أداء الفرد اجتماعيا ومهنيا وعلى حساب بقية الفعاليات الأخرى.
سلوك الاكتناز
سلوك الاكتناز Hoarding Behaviour يختلف في إطاره ومحتواه عن سلوك التجميع، حيث يتميز عنه بشموله لتجميع مختلف الحاجيات وعدم اقتصاره على تجميع البعض منها. في الوقت الذي يشارك فيه الإنسان الذي يجمع الطوابع والصور الآخرين بحاجياته ويحافظ عليها، نرى الإنسان الذي يعاني من سلوك الاكتناز لا يشارك الغير بما يختزنه ولا يستطيع أحد التقرب من الحاجيات خشية العبث فيها وفقدانها. يمكن القول بأن الإنسان الذي يعاني من سلوك أو اضطراب الاكتناز يعاني من مشكلة احتباس أو احتجاز Retention الإنسان عموما يميل إلى الاحتفاظ بشيء معين لقيمته أو استعماله أما احتجاز الحاجيات فهو على العكس من ذلك يشير إلى عدم قدرة الإنسان على تقييم قيمة ما يحتفظ به.
في الوقت الذي يميل سلوك التجميع إلى الاستقرار أو الانخفاض مع تقدم العمر فإن سلوك التخزين يميل إلى الارتفاع. يصل الأمر بالفرد على تكديسه الحاجيات في مساحة معينة من مسكنه. تزداد مساحة الاكتناز تدريجيا حتى يصل الأمر إلى أن المساحة التي يتحرك فيها الفرد أقل بكثير من مساحة التخزين. ومن العلامات الكثيرة الملاحظة في سلوك الاكتناز بحث الفرد في النفايات خشية ما إن تم التخلص من فاتورة أو حاجة يجب تخزينها أو احتجازها. هذا السلوك ينذر أحيانا بتقدم الحالة.
ينتشر السلوك في الإناث والذكور على حد سواء غير أن الإناث أكثر تقبلا للدخول في علاج طبنفسي مقارنة بالذكور. تشير بعض الإحصائيات إلى أن نسبة انتشار سلوك أو اضطراب الاكتناز ما بين ٢- ٦٪، ولكن ذلك لا يعني بأن هذا الرقم يمثل اضطراب الاكتناز الذي يصل إلى مراكز الطب النفسي للعلاج. رغم أن الاضطراب يبدأ في العقد الثاني من العمر، ولكن الغالبية العظمى من المراجعين في الممارسة السريرية يصلون للعلاج في العقد السادس من العمر.
تشخيص اضطراب الاكتناز
سلوك الاكتناز بحد ذاته يخفف القلق الذي يشعر به الإنسان ولكن في نفس الوقت ومع تكرار السلوك يشعر الإنسان بالقلق بسببه. رغم أن السلوك هو قهري كما هو الحال مع اضطراب الوسواس القهري، ولكن الإنسان لا يقاوم الفكرة ولا يشعر بأنها تافهة ويجب مقاومتها. الكثير من المراجعين يعيشون منعزلين، والبعض منهم ينتهي ارتباطه بشريك حياته بسبب السلوك بحد ذاته الذي يؤدي إلى الفوضى البيئية التي لا تصلح لأن يعيش فيها أكثر من إنسان واحد. الكثير منهم يشير إلى صدمة نفسية في حياته تواكبت مع بداية السلوك.
أعراض اضطراب الاكتناز |
المساحات المعيشية المزدحمة |
عدم القدرة على التخلص من حاجيات "توافه" |
حفظ أكوام من الصحف والمجلات أو البريد غير المرغوب فيه |
نقل الحاجيات من كومة إلى أخرى دون تجاهل أي شيء |
الحصول على حاجيات لا لزوم لها أو تبدو غير مجدية، بما في ذلك النفايات |
صعوبة مناجزة الأنشطة اليومية |
المماطلة وصعوبة اتخاذ القرارات |
صعوبة تنظيم الحاجيات |
الميل إلى الكمالية |
ارتباط مفرط بالممتلكات |
عدم الشعور الراحة مع عدم السماح للآخرين بلمسها أو استعارتها |
تفاعل اجتماعي محدود |
يصل المريض إلى مركز الطب النفسي بسبب شكوى من يعيش معه أو بقربه في بيئته الاجتماعية. هناك القليل منهم من يتوجه إلى عيادة للطب النفسي وذلك دوما بعد تنبيه أحد معارفه إلى أنه بحاجة إلى مراجعة طبنفسية وأن هناك اضطراباً يسمى باضطراب الاكتناز. ليس من الصعوبة العثور على تاريخ عائلي لسلوك الاكتناز، وهناك من يضع ذلك في إطار الوراثة.
اضطراب التخزين في التصنيف الأمريكي_5 Hoarding Disorder DSM -V |
صعوبة مستمرة في التخلص من ممتلكات لا قيمة لها. |
مصدر السلوك اعتقاد الفرد بالحاجة إلى حفظ الممتلكات والشعور بالضيق إذا تخلص منها. |
الصعوبة تؤدي إلى تراكم الحاجيات وارتباك البيئة المعيشية. |
السلوك يؤثر سلبياً على الوظائف الاجتماعية والمهنية وقد يشكل خطورة على سلامة البيئة. |
لا يمكن تفسيره بوجود اضطراب طبي. |
لا يمكن تفسيره بوجود اضطراب نفسي آخر. |
يصل المريض إلى مركز الطب النفسي بسبب شكوى من يعيش معه أو بقربه في بيئته الاجتماعية. هناك القليل منهم من يتوجه إلى عيادة للطب النفسي وذلك دوما بعد تنبيه أحد معارفه إلى أنه بحاجة إلى مراجعة طبنفسية وأن هناك اضطراباً يسمى باضطراب الاكتناز. ليس من الصعوبة العثور على تاريخ عائلي لسلوك الاكتناز، وهناك من يضع ذلك في إطار الوراثة. هناك من المراجعين الذين تكون درجة الاستبصار عالية فيهم، ولكن الكثير منهم ينكر وجود أي مشكلة تحتاج إلى تدخل طبنفسي.
سلوك الاكتناز بحد ذاته لا يقتصر فقط على اضطراب الاكتناز ويمكن ملاحظته في العديد من الاضطرابات الأخرى. وجود سلوك الاكتناز في اضطراب آخر يؤدي إلى استنتاج واحد وهو تشخيص الاضطراب الآخر بدلا من الجمع بين اضطرابين. وجود أعراض الوسواس القهري يعني تشخيص الاضطراب بحد ذاته بدلا من تشخيص اضطراب الاكتناز. المريض المصاب باضطراب الاكتناز لا يختلف أدائه في الفحوص العصبية النفسية عن المريض المصاب باضطراب الوسواس القهري مع أعراض الاكتناز، فكلاهما يعاني من اختلال الوظائف الإدارية الجبهية Frontal Executive Functions.
الوظائف الإدارية | Executive Functions |
التحكم في التدفع | Impulse Control |
التحكم العاطفي | Emotional Control |
مرونة التفكير | Flexible Thinking |
ذاكرة التشغيل (ذاكرة العمل) | Working Memory |
الرصد الذاتي (مراقبة الذات) | Self-Monitoring |
ابتداء المهام | Task initiation |
تخطيط وتحديد الأولويات | Plan/Prioritizing |
التنظيم | Organization |
قابلية أو قدرة الإنسان على التثبيط Inhibition Control هي القاعدة الأساسية لوظائف الفص الجبهي وتتأثر بمختلف الاضطرابات النفسية والعصبية. كلما ارتفعت عتبة الإنسان للتثبيط تحسن سلوكه وأدائه والمصاب باضطراب الاكتناز يعاني من عتبة تثبيط منخفضة لا تسمح له بالتخلص من حاجيات لا قيمة لها حاله حال المصاب بالوسواس القهري الذي لا يقوى على وقف ممارسة طقوس لا يشعر معها بالهدوء والسكينة.
انحدار عتبة التثبيط وعلاقتها بسلوك الاكتناز يفسر ملاحظة السلوك في المصاب بآفة في الفص الجبهي للدماغ والاكتئاب والفصام واضطراب عجز الانتباه فرط الحركة ADHD.
علاج اضطراب الاكتناز
القاعدة العامة هي أن المصاب باضطراب الاكتناز فقط لا يصل عيادة الطب النفسي تلقائياً، وإنما بسبب قلق الآخرين ونصيحتهم. ذلك يفسر أن الكثير منهم في العقد الخامس أو السادس من العمر. أما الذي يعاني من سلوك الاكتناز مع وجود اضطراب آخر فقد يتوجه للعلاج مبكراً ليس بسبب السلوك بحد ذاته وإنما بسبب أعراض أخرى ويتم الخوض في هذا السلوك بعد فترة من العلاج.
الخطوة الأولى في التعامل مع جميع الحالات هي تقييم خطورة البيئة التي يعيش فيها المراجع. هذه البيئة المزدحمة بالحاجيات التي لا فائدة منها تشكل خطراً صحياً وأحياناً تكون بؤرة لتكاثر الحشرات والفئران. الحاجيات بحد ذاتها قد تكون مصدراً للحرائق وهذه ليست بظاهرة نادرة الملاحظة في الممارسة المهنية. لذلك يجب تقييم المخاطر وخير من يقوم بهذه المهمة اختصاصي المعالجة المهنية Occupational Therapist، والذي بدوره قد يستعين بجهات مكافحة الحرائق. قد يرفض المراجع هذه الخطوة، وحينها يجب الاستعانة بالقانون لتنفيذ هذه المرحلة العلاجية.
علاج اضطراب التخزين بحد ذاته لا يختلف عن علاج الوسواس القهري سوى أن الدليل على فعالية العقاقير أضعف نسبياً والعلاج المعرفي السلوكي يتم تقديمه ويشمل تثقيف المريض حول الاضطراب وضرورة علاجه. المراجع الذي يعاني من اضطراب التخزين يعاني كذلك من عزلة اجتماعية، وطفولة الكثير منهم غير سعيدة وعاش في بيت لا يتميز إلا بالفوضى وضعف التعلق العاطفي. هذه العوامل تؤكد أهمية المساندة الاجتماعية وتشجيع المراجع على الحضور في مراكز اجتماعية للاختلاط بالآخرين. العلاج بحد ذاته يساعد المراجع على السيطرة النسبية على سلوك الاكتناز وتجنب المخاطر.
واقرأ أيضاً:
التخزين والبخل/الشح من منظور إسلامي / الهذيان Delirium / البكاء والصحة العقلية