تحرك البشر من منطقة إلى أخرى عملية لا تتوقف، ومع بداية الألفية الثالثة أصبحت تثير اهتمام الطب النفسي في جميع أنحاء العالم. الهجرة من مكان إلى آخر بحد ذاتها عملية شاقة ويتعرض من خلالها الإنسان إلى مختلف الضغوط النفسية والبيئية التي قد تؤدي إلى الإصابة باضطراب نفسي. هناك عوامل عدة تلعب دورها ومصنفة في الجدول أدناه.
عوامل قبل الهجرة | عوامل الهجرة | عوامل بعد الهجرة |
العمر | عملية الهجرة | السكن |
التعليم | فردية أو جماعية | توفر رعاية صحية |
أسباب اقنصادية | التعرض للعنف | مساندة اجتماعية |
سبب الهجوة | التعرض للصدمات | التمييز العنصري |
التحضير للهجوة | التغذية | القلق |
تاريخ طبي وعائلي | فراق الأطفال | الاندماج الجديد |
الشخصية | غياب اليقين | القبول الاجتماعي |
اللغة | الصدمة الحضارية | فرص العمل |
تاريخ صدمات | الحزن الحضاري | خيبة الأمل |
يتم تقسيم هذه العوامل إلى ما قبل الهجرة وأثناء الهجرة وبعد الهجرة. العوامل التي تسبق الهجرة لا تختلف كثيراً عن العوامل التي تلعب دورها في إصابة الإنسان باضطراب نفسي. كان الاعتقاد السائد سابقاً في الثلاثينيات بأن المصاب باضطراب نفسي وخاصة الفصام أكثر احتمالاً من غيره للهجرة، ولكن معظم البحوث الميدانية لم تثبت هذه الفرضية.
الهجرة في العصر الحديث أصبحت أكثر تعقيداً بسبب الحروب الأهلية والإقليمية والظروف الاقتصادية الصعبة في بلدان العالم الثالث. كذلك أصبحت عملية الهجرة بحد ذاتها عملية تجارية وخطرة ومن خلالها قد يتعرض المهاجر إلى عقبات عدة وصدمات. هذا يفسر ارتفاع الإصابة باضطراب كرب ما بعد الصدمة Post Traumatic Stress Disorder PTSD في المهاجرين حيث يقترب انتشار الاضطراب إلى ما يقارب ٥٠٪.
يواجه المهاجر تحديات عدة بعد وصوله إلى موطنه الجديد. هناك ظروف بيئة متعددة تلعب دورها في تخفيض عتبته للإصابة باضطراب نفسي حتى بعد استقراره. رغم أن جميع الاضطرابات النفسية ربما أكثر انتشاراً في المهاجرين والنازحين، ولكن أكثرها أهمية وخطورة هي الاضطرابات الذهانية.
الفصام والهجرة
هناك ملاحظة عامة ويقبلها الجميع وهي ارتفاع احتمال إصابة المهاجر من بلد الى أخرى باضطراب ذهاني مقارنة بغيره من الذين لم يهاجروا من موطنهم الأصلي أو سكان موطنه الجديد. كذلك ليس هناك اضطراب نفسي يثير الفضول واهتمام الخدمات الصحية العالمية في الطب النفسي مثل الفصام. رقي الشعوب يتناسب طرديا مع جودة الخدمات التي يتم تقديمها للمصاب بالفصام من طبية وتمريضية واجتماعية. هذه الخدمات يتم تقديمها في الغالبية طوال عمر المريض.
الفصام حاله حال جميع الأمراض النفسية يتميز بوجود عوامل بيئية وعضوية تؤدي إلى إصابة الإنسان به. من أحد العوامل التي تم البحث فيها هي منطقة سكن المريض سواء كان يعيش في الريف أو المدينة، وهناك من يشدد على أن المريض بالفصام ينتقل تدريجيا إلى وسط المدينة ولكنه لا يعيش في نعيمها وإنما في قاعها المظلم. ولكن هناك حقيقة واحد تم ملاحظتها بصورة متكررة في هذه الدراسات وهي أن المهاجر أينما كان يتضاعف احتمال اصابته بالفصام مرتين مقارنة بغيره.
الكارثة الأخرى في علاقة الهجرة بالفصام هو أن عامل الخطورة في الجيل الأول يقارب ٢.٧ ولكن هذا العامل يرتفع إلى ما يقارب ٤.٥ في الجيل الثاني. هذه الأرقام تم تثبيتها في ما لا يقل عن ٢٢ دراسة ميدانية.
كانت الفرضية الكثيرة التداول في السابق هو أن المصاب بالفصام لا يقوى على العيش في المجتمع الذي ولد فيه بسبب حساسيته المفرطة وأفكاره الزورانية Paranoid Ideas. ولكن من زاوية أخرى وما نعلمه بأن الأعراض السالبة Negative Symptoms قلما تساعد الإنسان على التخطيط والهجرة في عالم اليوم.
يميل الكثير كذلك إلى التركيز على الفرضيات الاجتماعية التي تركز على انخفاض المستوى الاجتماعي للمهاجر مقارنة بسكانه الأصليين، المحن والشدائد والشعور بالتمييز. هذه العوامل تلعب دورها في الجيل الثاني أكثر من الجيل الأول وخاصة مع عدم تأقلم الإنسان للمجتمع الذي يعيش فيه. يمكن أن تجمع الفرضية الأولى والثانية وتستنج بأن الجيل الثاني من أطفال المهاجرين يعاني أكثر من والديه مع عدم وضوح هويته الثقافية والتنافر المعرفي الذي يداهمه بسبب عزلته عن المجتمع الأكبر.
وهناك من يركز كليا على عامل الصدمات النفسية الذي تعرض لها المريض في موطنه الأصلي وأثناء الهجرة لأن الفصام أكثر ملاحظة في اللاجئين مقارنة في المهاجر طوعياً.
هذه العوامل جميعا شكل تحديا للخدمات التي يجب تقديمها للمهاجرين وتحديا أكبر للمهاجر نفسه. الخدمات تركز أحياناً على تشجيع المهاجر على العيش في منطقة يشعر فيها بالانتماء إلى ثقافته الأصلية ولكن هناك من يشجع على اختلاطهم بالمجتمع الجديد وعدم العزلة. كذلك على المهاجر أن يفكر جيداً بمصير أبنائه والثقافة الجديدة التي ينتمون اليها لأنهم في نهاية الأمر سيتم تعليمهم في مدراس لا علاقة لها بثقافة المهاجر الأصلي.
المصادر
اضغط على الواصل في المقال.
واقرأ أيضاً:
وعاء الأصدقاء / الصدمات وفيروس كورونا