موقع اضطرابات الشخصية في الطب النفسي يثير الكثير من الجدال بين العاملين في الصحة العقلية، فهناك من ينظر إلى هذه الاضطرابات بأنها مجرد مجموعة من المراجعين لا أمل في تغييرهم ولا مكان لهم في العيادات الطبنفسية، وهناك من يستوعب هذه الاضطرابات بأنها مجرد وصمة يضعها الطبيب النفساني أو غيره على مراجع غير مرغوب فيه ويصعب التعامل معه، وهناك أيضاً من يتجنب استعمال المصطلح لأنه لا خير فيه، ويصل الأمر في الطب النفسي إلى استعمال حرفين فقط لوصف المريض وهما "PD" وهو مختصر اضطراب الشخصية "Personality "Disorder.
الشخصية
استعمال مصطلح الشخصية عموماً هو واحد من ثلاثة:
وصف نمط أو أسلوب الفرد Style
وصف شخصية الفرد Personality
وصف اضطراب الشخصية Personality Disorder
الاستعمال الأول والثاني يعني أن الإنسان لا يعاني بسبب صفات شخصيته ولا الذين من حوله، أما الاستعمال الثالث فهو يعني أن الإنسان أو من حوله يعانون من صفات شخصيته.
اضطراب الشخصية عموماً يشير إلى أنماط تفكير ومشاعر الإنسان حول ذاته والآخرين، والتي بدورها توثر سلبياً على أدائه الاجتماعي والمعرفي في مختلف مجالات الحياة. وهذه العوامل تدفع الإنسان إلى نمط مزمن من إدراك وسلوك يتمثل في أربعة أبعاد هي:
الإدراك الحسي المعرفي Cognitive Perceptual
البعد الوجداني Affect
الأداء الوظيفي الشخصي Interpersonal Functioning
السيطرة على الاندفاع Impulse Control
ودراسة هذه الأبعاد الأربعة يكفي لوصف شخصية المراجع واضطرابها، وذلك بدوره يؤدي إلى وضع اضطراب الشخصية في ثلاث مجموعات وهي:
غريبة الأطوار Odd
درامية Dramatic
القلقة Anxious
بعد ذلك يمكن تحديد صنف الشخصية كالآتي:
زورانية Paranoid
فصامانية Schizoid
فصامية Schizotypal
معادية للمجتمع Antisocial
حدية Borderline
نرجسية Narcissistic
تجنبية Avoidant
هستيرية Histrionic
اعتمادية Dependent
وسواسية قهرية Obsessive Compulsive
ويتراوح معدل انتشار اضطرابات الشخصية ما بين ٩ -١٥ ٪ استناداً إلى الدراسات الميدانية. والشخصية الفصامانية أكثر انتشاراً في الذكور. والانتشار متساوي في الجنسين في الشخصية الفصامية. والشخصية الحدية أكثر انتشاراً في الإناث. وينخفض تشخيص اضطراب الشخصية مع تقدم العمر بعد العقد الثالث من العمر.
هناك نظريات متعددة تتعلق بعوامل بيئية منذ الطفولة، وعوامل وراثية، وبيولوجية في تفسير اضطرابات الشخصية المختلفة. وهناك فرضية اختلال التوازن ما بين النظام الأفيوني في الدماغ والسيروتونين Serotonin لتفسير الشخصية الحدية. وهناك أيضاً فرضية عدم توازن العلاقة ما بين الفص الجبهي واللوزة في الدماغ لتفسير التفاعلات العاطفية والسلوكية. كما أن عدم التوازن الوجداني في الشخصية الحدية يتم تفسيره بفرضيات متعددة منها ما يتعلق بالدوبامين والأوكسيتوسين Oxytocin.
المعالجة السريرية
في غالبية الحالات يصل المراجع المصاب باضطراب الشخصية إلى مراكز الطب النفسي بسبب ضغوط بيئية حادة أو وجود أزمة لا يقوى على التعامل معها. ومن الأعراض كثيرة الملاحظة في الممارسة المهنية ما يلي:
العصبية المفرطة.
آثار جروح وخدوش على الجسد.
خلافات زوجية وعائلية مزمنة.
مشاكل الإدمان بأنواعها.
مشاكل تتعلق بتربية الأطفال.
أعراض طبية يصعب تفسيرها.
ويمكن تقسيم الملاحظات السريرية إلى ثلاث مجموعات:
المعرفية: تصلب التفكير، غرابة التفكير، عدم الثقة بالآخرين.
التنظيم الوجداني: تقلب المزاج، اكتئاب، قلق.
السلوكية: عدوانية، سلوكيات جنسية منحرفة، إدمان، التهور.
الشخصية الفصامانية تتميز بانفصال اجتماعي وعاطفي عن الآخرين عموماً، وعدم المبالاة بما يحدث لغيره. أما الشخصية الفصامية فتتميز بعجز اجتماعي عام في العلاقات الشخصية مع قلق اجتماعي وسلوكيات غريبة. الشخصية الفصامية والفصامانية يتم حصرهما أحياناً في إطار طيف الفصام أو الشيزوفرنيا، والأولى أكثر عرضةً للإصابة بالفصام على المدى البعيد. أما الشخصية الزورانية فتتميز بالشك المزمن في نوايا الآخرين والحذر منهم.
والشخصية التجنبية تميل إلى الشعور المزمن بالإحباط والحساسية المفرطة من الآخرين وبالتالي تجنبهم، وهناك شعور بالقلق المزمن من نبذ وعدم مبالاة الآخرين. والشخصية الاعتمادية تتميز بالحاجة المفرطة إلى عطف وحنان الآخرين، والمطالبة بمساندتهم مع شعور مزمن بالخوف من العزلة الاجتماعية. والشخصية الوسواسية القهرية تتميز بغياب المرونة في التعامل مع الآخرين والإفراط في العناد والحرص المفرط على التنظيم في مختلف مجالات الحياة.
تتميز الشخصية الهستيرية بالانفعال المفرط والسعي إلى كسب اهتمام وعطف الآخرين وإعجابهم. والشخصية النرجسية تميل إلى الشعور بالتكبر على الآخرين وعدم الشعور بالذنب، ويستهدف الإنسان خدمة مصالحه الشخصية فقط. والشخصية المعادية للمجتمع تتجاهل حقوق الآخرين وتسعى إلى تجاوز الحدود الاجتماعية والأخلاقية منذ منتصف أعوام المراهقة. الشخصية الحدية تتميز بعدم استقرار العلاقات الشخصية، وتميل إلى استقطاب الصورة الذاتية، وكثرة الانفعال والغضب وعدم الاستقرار العاطفي.
المناجزة (المعالجة) Management
لا يصل الإنسان المصاب باضطراب الشخصية إلى مراكز الطب النفسي بسبب صفاته الشخصية، وإنما بسبب وجود أعراض اضطراب نفسي أو حدوث أزمة اجتماعية أو شخصية. القاعدة العامة هي توخي الحذر في تشخيص اضطراب الشخصية بدون فحص المراجع بصورة دقيقة وتمييز وجود اضطرابات نفسية أخرى من عضوية، ذهانية، وجدانية، وسواس قهري، واضطرابات القلق عموماً. في الواصل أعلاه شرح أكثر تفصيلاً عن اضطرابات الشخصية الأخرى.
القاعدة العامة في علاج اضطرابات الشخصية عموماً يمكن حصرها في إدارة استراتيجيات المريض في تواصله وعلاقته مع الآخرين Patient’s Communication & Relationship Management Strategies. يمكن تعميم هذه القاعدة في علاج جميع اضطرابات الشخصية، إذا وُجدت الرغبة عند المراجع في تحسين حياته الاجتماعية واتصاله مع المقربين منه.
يجب توخي الحذر في استعمال مختلف أنواع المهدئات ووصف العقاقير الأخرى المختلفة إلا إذا تم تشخيص اضطراب نفسي آخر.
المصادر
اضغط على الواصل في المقال.
واقرأ أيضاً:
الصدمات وفيروس كورونا / الهجرة والذهان Migration and Psychosis