وسواس اللااكتمال التكرار القهري و.ل.ت.ق مقدمة1
ومريض هذا النوع من الوسواس القهري لا يهتم فقط بظاهر الأشياء أو العرض المرئي أمامه. فلا تركز أفكاره على حقيقة أن الصورة غير صحيحة وأن شعوره بعدم الاكتمال Incompleteness أو إ.ل.ص.ت NJREs يدفعه إلى تغيير ذلك وهو المتوقع في حال كون الدافع هو فقط التخلص من مشاعر اللاّكتمال، ولكن بعض المرضى أيضًا يركزون ما على يمكن أن يحدث نتيجة لهذا النقص الملحوظ، فمثلا يتميز الأفراد الذين لديهم وساوس تتعلق بالتماثل التناظر Symmetry Obsessions أو الدقة الانضباط Exactness Obsessions بما يلي:
- القلق الشديد من أن شيئًا سيئًا قد يحدث إذا كان عدد العناصر داخل أو خارج المنزل أو مكان العمل متفاوتًا، مثلا، الوسائد على الأريكة، أو أقلام الرصاص على المكتب، أو العناصر الموجودة على الحائط أو خزانة الكتب، وقد ينبني هذا على فكرة وسواسية تشاؤمية مهددة تفعل دافع تحاشي الضرر في وجود إ.ل.ص.ت وأحيانا في غير وجودها.
- رد فعل مبالغ لأي شيء يعتقد أنه غير متماثل - الكلمات على الصفحة، أربطة الحذاء على الأحذية، أو أي عدد من الأشياء التي "لا تصطف بالتساوي"
- لديه رغبة ملحة لترتيب أي فوضى وإن لم يكن ذلك ممكنا كما تظهر الصور المتحركة التالية فإنه يقوم بقهور الترتيب في عقله فتراه يوفق ألوان السيارات ويجعل السيارات من كل لون ومن كل نوع تصطف حسب ألوانها ,انوعها فهو ينتقي ويرتب في عقله وينشئ صورا عقلية لما يجب أن تكون عليه الأشياء ليقلل من شعوره بالضيق والانزعاج بسبب إ.ل.ص.ت.
- لديه حاجة ملحة أو رغبة ملحة في موازنة الأشياء؛ مثلا الحاجة إلى الإمساك بكوب من القهوة بكلتا اليدين بنفس القدر من الضغط على كل جانب من الكوب، أو المشي من خلال مدخل متوازن مع الكتفين تمامًا أو متساوي... وهناك من تجد نفسها مضطرة طوال الوقت لأن يوازن بين المؤنث والمذكر في كل ما حوله من أشخاص وأشياء ...إلخ. والقهور في المثال الأخير تكون قهورا عقلية في المقام الأول.
وغالبًا ما تحدث قهور الترتيب المفرط أو التنظيم Ordering Compulsions أو مساواة الأشياء Evening Compulsions وكذا قهور العد Counting Compulsions مع هذا النوع من الوسواس القهري. ومن الأمثلة:
- ترتيب العناصر بحيث لا تظهر سوى عناصر معينة؛ التخلص من العناصر إذا كان هناك "الكثير"، أو جلب المزيد للحصول عليها "بشكل صحيح"
- تصفيف أو مساواة أو ترتيب العناصر بحيث تكون متباعدة تمامًا أو متساوية.
- ترتيب العناصر بترتيب معين، مثل ترتيب الأحذية بشكل متناظر في خزانة، أو إعادة ترتيب الملابس بشكل متكرر حسب اللون أو الترتيب الأبجدي
- سلوكيات التسوية والضبط مثلا تكرار لعدد معين من المرات التي يتم فيها الإجراء مع (العد أو النقر أو اللمس مثلا) للوصول إلى الشعور بالصحة والدقة والاكتمال.
- تجنب منطقة أو غرفة معينة بأرضيات أو جدران تحتوي على أشكال هندسية متناظرة مثل بلاط الحمام؛ لأن رؤية خطوط الرسم على البلاط تلزمه باقتفاء مسار كل خط بعينيه...إلخ.
وتظهر الدراسات ما يؤيد الملاحظات المبكرة لراسموسن وأيزن (Rasmussen & Eisen, 1992) عن اقتران عدم الاكتمال في مرضى الوسواس القهري مع:
(1) أعراض معينة من أعراض الوسواس القهري (مثل التماثل، العد، التكرار، البطء) أكثر من غيرها (مثلا وساوس السب والتجديف "Blasphemous" المزعجة Repugnant Obsessions وقهور التحقق لتجنب الضرر) Checking Obsessions وذلك بشكل شائع لكنه ليس حصريا
(2) ظهور أعراض الوسواس القهري في سن مبكرة وخاصة بشكل يبدو حميدا لا يصل إلى الطبيب
(3) سمات الشخصية القسرية (الوسواسية القهرية)، وخاصة الكمالية والتردد.
(4) تواكب مرضي أكثر تعقيدًا، أكثر ارتباطا بحالات الطيف الوسواسي مثل اضطراب العرات Tic Disorder واضطراب سحج الجلد Excoriation Disorder واضطراب التشوه الجسدي Body Dysmorphic Disorder. وكذلك اضطراب الاكتناز Hoarding Disorder
تعتبر أعراض وسواس اللااكتمال التكرار القهري و.ل.ت.ق فريدة بين أعراض الوسواس القهري في عدة اعتبارات رئيسية
أولاً ، غالبًا ما تكون الدوافع الانفعالية الكامنة وراء سلوكيات الترتيب والتنسيق مميزة تمامًا عن تلك المرتبطة بأنواع أخرى من الوسواس القهري. فالعاطفة المصاحبة تكون الضيق من هذا الشعور (وليس الخوف ولا القلق من عاقبة ما) والرغبة في التخلص منه لشدة إزعاجه وغالبا يكون ذلك بالتكرار،. فالطقوس والقهور تهدف إلى تقليل مشاعرعدم الرضا أو عدم الارتياح (بدلاً من القلق) التي تنشأ من الشعور الذاتي بأحاسيس "خبرة ليس صحيح تمامًا" ويمكن أن يسبب الانزعاج المرتبط بأحاسيس إ.ل.ص.ت ضيقا كبيرا للمريض، وغالبًا ما يبذل الأفراد جهودًا كبيرة لحل شعور لااكتمال التوازن أو عدم التماثل المدرك أو مجرد عدم الاكتمال المدرك، وسواء تمثل الحدث العقلي التسلطي في الرغبة في الحصول على الاكتمال للتخلص من شعور اللاّكتمال، أو أحاسيس إ.ل.ص.ت أو كليهما فإنه يدفع الشخص للتكرار سواء تكرار ما فعل لتوه حركيا أو ذهنيا أو تكرار استبطان الخبرة الحسية الداخلية أو العد لرقم معين ليتوقف عن التكرار وهكذا.
ومن الأمثلة على و.ل.ت.ق التي تعالج ضمن الوساوس الدينية قهور تكرار تكبيرة الإحرام حيث يبقى المريض يكرر تكبيرة الإحرام عشرات المرات حتى يشعر بأنها أديت بالشكل الكامل أي صارت كاملة ... فيظل يستعد للتكبير ويكرر التكبير وهو مهما حاول الوصول إلى ذلك الإحساس المنشود بأنها وقعت كما يجب لا يصل بسهولة إن وصل!.
ويبدو أن نواة عدم الاكتمال تكمن في عجز في القدرة على استخدام الخبرة الشعورية (الانفعالية) وردود الفعل الحسية لتوجيه السلوك. وظاهريًا، يبدو أن هذا العجز يعكس خللاً في بعض الإشارات الداخلية التي تنهي السلوكيات من خلال إنتاج ما أطلق عليه شعورًا بالمعرفة - وهو مؤشر انفعالي يتيح للمرء معرفة أنه تم الوصول لحالة مُرضية فيما يتعلق بأفعاله. وقد تمثل أعراض وسواس اللاكتمال القهري آثارًا تعويضية للعجز الحياتي في هذه الوظيفة. ويتلاقى هذا مع نتائج أبحاث تشير إلى خلل في الدوائر العصبية التي تشمل النوى القاعدية في الوسواس القهري، وعلى الرغم من اختلاف النماذج المحددة لذلك الخلل، إلا أن هناك إجماعًا كبيرًا أنها تظهر على شكل إعاقة في اختيار الاستجابات السلوكية، وإنتاج أفعال موجهة نحو هدف معين، وبعبارة أخرى، ربما تحتوي هذه الدوائر على دائرة التهدئة الذاتية التي توفر إحساسًا شخصيًا بالاكتمال والتمام. وقد تظهر الأعطال في هذه الدائرة على أنها "إشارات خطأ" مستمرة (Summerfeldt, 2004)، مما يدفع المريض بشكل خاطئ إلى تكرار إجراء تصحيحي (غير مثمر).
ثانيا: الفرق الرئيسي الثاني بين المرضى الذين يعانون من وسواس التماثل التناظر وغيرهم من مرضى الأشكال الأخرى للوسواس القهري هو أن أعراض الترتيب والتنسيق والعد والمحاذاة وفرط الانضباط غالبًا ما يُنظر إليها من جانب المريض على أنها مبررة وصحيحة أي أنها تكاد تكون متماشية مع الذات Ego-syntonic وهذا يتناقض بشكل حاد مع مجموعات الأعراض الأخرى (كالوساوس الجنسية والدينية والتحقق)، التي يراها المريض غاية في الإزعاج وغير متماشية مع ذاته (Starcevic, & Brakoulias, 2008)، وكثيرا ما يرجع تماشي وساوس وقهور الترتيب التناسق مع ذات المريض إلى وجود عيوب معرفية مثل سمة الكمالية وربما لوجود إ.ل.ص.ت NJREs مرتبطة بأعراض التماثل التساوي ...إلخ لأن الوسواس لا يُنظر إليه على أنه مفرط، ويُنظر إلى الفعل القهري على أنه استجابة مفيدة تهدف إلى جعل الأمور "صحيحة".
ثالثا: وأما الفرق الثالث بين و.ل.ت.ق والأشكال الأخرى للوسواس القهري فله علاقة بمورفولوجيا الدماغ. إذ تشير الأدلة الأولية إلى أن أعراض التماثل والترتيب قد يكون لها ارتباطات عصبية فريدة من نوعها، وتتميز بأنماط تنشيط مميزة (van den Heuvel et al. 2009) بالإضافة إلى وجود تشوهات في المادة البيضاء (Koch et al. 2012). كما تتوافق النماذج البيولوجية للوسواس القهري مع مفهوم إ.ل.ص.ت NJREs، ويقترح أن الفعالية غير المنضبطة للوصلات الجبهية المخططية Frontostraiatal Connections تؤدي إلى حدوث إشارات خطأ متكررة بما يحث على تكرار الفعل بغرض التصحيح.
ورغم أن أعراض وساوس التناسق والتماثل والتساوي والتنسيق أو الترتيب والعد والتحقق بدت للوهلة الأولى هي الأكثر تحفيزا ببعد اللاّكتمال وهو ما أشارت إليه بعض الملاحظات السريرية (Summerfeldt, 2007) أي أن اللاّكتمال قد يكون أكثر انتشارًا في مرضى قهور التحقق، والتماثل/التناظر والترتيب وقهور العد وأقل انتشارا في مرضى التنظيف / الغسيل القهري، باعتبارها مدفوعة بتحاشي الضرر لا باللاكتمال، كما تثبت الأبحاث السريرية وغير السريرية أن مستويات عدم الاكتمال تتنبأ بشكل فريد بأعراض التماثل الترتيب (Pietrefesa & Coles, 2008) فكلما كانت مستويات مشاعر اللاكتمال أكثر بروزا في المريض كلما برزت وساوس التناظر وقهور الترتيب في عرضه السريري، رغم ذلك فمشاعر اللاكتمال وظاهرة إ.ل.ص.ت ليست قاصرة على هذا النوع من المرضى، فقد أظهرت الدراسات الحديثة (Summers et al., 2014) عدم صحة الملاحظات الأولية في كل الحالات نظرا لثبوت وجود دور مهم أحيانا لمشاعر اللاّكتمال وأحاسيس إ.ل.ص.ت في مرضى الغسيل القهري، ومرضى الشك التحقق القهري (Taylor et al.,2014) كما نشير إلى وجودها في مرضى وساوس الكفر والتجديف وكل الوساوس التعمقية.
المراجع:
1- Rasmussen, S.A., & Eisen, J.L. (1992). The epidemiology and clinical features of obsessive compulsive disorder. The Psychiatric Clinics of North America, 15, 743–758.
2- Summerfeldt, L. J. (2004). Understanding and treating incompleteness in obsessive-compulsive disorder. Journal of Clinical Psychology, 60(11),1155–1168.
3- Starcevic, V., & Brakoulias, V. (2008). Symptom subtypes of obsessive-compulsive disorder:Are they relevant for treatmen? Australian and New Zealand Journal of Psychiatry, 42(8), 651-661.
4- van den Heuvel, O. A., Remijnse, P. L., Mataix-Cols, D., Vrenken, H., Groenewegen, H. J., Uylings, H. B., et al. (2009). The major symptom dimensions of obsessive compulsive disorder are mediated by partially distinct neural systems. Brain, 132(4), 853-868.
5- Koch, K., Wagner, G., Schachtzabel, C., Christoph Schultz, C., Straube, T., Gullmar, D., et al. (2012). White matter structure and symptom dimensions in OCD. Journal of Psychiatric Research, 46(2), 264-270.
6- Summerfeldt, L. J. (2007). Treating incompleteness, ordering, and arranging concerns (Chapter xi, 338 Pages) In M. M. Antony, C. Purdon, & L. J. Summerfeldt (Eds.).
7- Pietrefesa, A. S., & Coles, M. E. (2008). Moving beyond an exclusive focus on harm avoidance in OCD: Considering the role of incompleteness. Behavior Therapy, 39(3), 224–231.
8- Summers, B.J., Fitch, K.E., & Cougle, J.R. (2014). Visual, tactile, and auditory “not just right” experiences: Associations with OC symptoms and perfectionism. Behavior Therapy, 45(5), 678–689.
9- Taylor, S., McKay, D., Crowe, K. B., Abramowitz, J. S., Conelea, C. A., Calamari, J. E., & Sica, C. (2014). The sense of incompleteness as a motivator of OC symptoms: An empirical analysis of concepts and correlates. Behavior Therapy, 45, 254–262.
واقرأ أيضًا:
وسواس قهري الوضوء : الوصف والعلاج / و.ل.ت.ق مقدمة1