الشعراء كتاب التاريخ الحقيقيون الصادقون، ولكي نعرف التاريخ علينا أن نعود إلى ما دونه الشعراء في فترات حياتهم، فقصائدهم فيها انعكاسات ساطعة لما يحصل في زمانهم ومكانهم.
كنتُ في حوار مع أحد الأصدقاء الضالعين في الدراسات التاريخية وهو بدرجة الأستاذية، وكنت أستفهم منه عمّا حل بمدينة عربية من خراب فأغرقني بأسباب عديدة، فقلت له لكن الشاعر الفلاني قد وصف خرابها بقصائده مما يعني أنها تخربت بعد فترة وجيزة، وهذا لا يتفق والأسباب التي ذكرتها والتي جاءت بعد عدة عقود من وصف الشاعر للخراب، فانتبه وذكر لي بعض الأبيات التي يحفظها من قصائد شاعرنا الذي وثّق ما حل بالمدينة بوضوح.
وعندما نعود إلى شعراء الأمة الكبار نجد أن قصائدهم مدونات تاريخية ترسم الحال والأحوال بدقة متناهية، فشعراء أمثال أحمد شوقي، حافظ إبراهيم، الرصافي، الزهاوي، الجواهري وغيرهم من شعراء الأمة عبر مسيرتها يكتبون التاريخ بقصائدهم.
وكلما قرأت للجواهري أجده قد كتب تاريخ القرن العشرين ودوّنه في شعره، ولا يوجد أبرع منه في تدوين التاريخ بأحداثه وتطوراته وما جرى في أيامه من مواقف ومنازلات.
فتجد في ما يؤرخه الشعراء رؤى وتصورات ذات قيمة عملية وقدرة على استجلاء الموقف وتقرير العلاج، لكن معظم ما تمخضت عنه قصائدهم لم يؤخذ بالحسبان.
والواقع يشير إلى أن الشعراء العرب قد تناولوا مشاكل العرب وتنبؤوا بتداعياتها ووضعوا لها الحلول وأشاروا بوضوح إلى بيت الداء والدواء.
ولهذا عندما نقرأ أشعارهم تجدنا نقول وكأنهم يكتبون عن أحوالنا المعاصرة، ولكي تبحث عن بلسم لجراح الأمة وعللها عليك بالرجوع إلى دواوين الشعراء المؤرخين لهمومها!!
ويبدو أن الدراسات التاريخية ستبقى ناقصة وغير وافية إن لم تستعن بما كتبه الشعراء عن الفترة التي يدرسونها ويريدون البحث فيها.
فالشعراء هم أصدق من كتب التاريخ، ومن أمهر الأساة الذين عالجوا وجيع الأمة في مسيرتها المشحونة بالتحديات والأحداث والأزمات.
وإن الشعر تاريخ العرب!!
واقرأ أيضاً:
بلسم المحبة والغفران \ الدين بين الخدمة والاستخدام \ عقل الأمة المُستباح