من خلال ردود الأفعال حول السخرية من النبي الكريم عليه السلام، لاحظتُ التالي:
- لم يُعجب بعضَ المسلمين أن تُنتقد تصرفاتهم وأقوالهم في هذه الظرفية، واعتبروا توجيه اللوم إليهم نوعا من "التخاذل"... أقول لهم "وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ" هذه آية نزلت وقريش تسبّ الله، فنهى الله المؤمنين عن سب آلهتهم بسبب مسؤوليتهم عن ردة فعل المخالف وسبّه لله!
توجيه تربوي للمؤمنين في وقت يتطاول فيه آخرون على الله؟ نعم! وليس هناك لطميّات على المقدسات والحميّة وما شابه، إن كنتَ تريد أن تتربّى وترتقي بخلُقك وتعرف أخطاءك فستكون أنت أولى بالمحاسبة والملامَة وتحمّل المسؤولية.
والسؤال هنا، قتْل الشاب للأستاذ هل زاد من سبّ النبي والسخرية منه وعنجهية المتعصبين أم قلّل منه؟ هل دفن الأستاذ (الذي كان نكرة) في أرقى وأعتق جامعات العالم (Sorbonne) حتى يصير رمزا وطنيا ذُبح على يد "مسلم متشدد" شيء إيجابي للإسلام؟ أترك لكم الإجابة.
- كون السِّجال قائما مع دولة أصولها مسيحية، أيّ نبيّها هو عيسى عليه السلام وهو نبيّ معظّم مبجّل عندنا، يُعمي المسلمين عن عيب فيهم وهو عدم احترام مقدسات الآخرين، لكن لا ينتبهون إلى هذا في السياق الحاليّ لأنه لا يتصوّر مسلمٌ أن يكون مستهزئا بنبي المسيحيين لأنه نبي عندنا أيضا. وتظهر هذه النقطة عندما تكون القضية متعلّقة بالتثليث مثلا مما لا يُشكّل مقدّسا وحقيقة عند المسلمين لكنه لُبّ عقيدة المسيحيين. مما يعني أن مطالبة الآخرين بعدم السخرية من مقدساتنا تحتاج معاملة بالمثل وإلا صرنا صعاليك انتهازيين.
- مناصرة النبي ودينه قد تكون أحيانا متجاوزة لردات فعل متشنّجة ومجرّد تنفيس عن الغضب والاحتقان. بل قد يكون الانفعال كارثيا على الدين وأصحابه. خذوا موقفَ الحُديبية مثلا، عُمر بن الخطاب أخذته العزّة والحميّة وأراد قتال قريش، في حين كان موقف النبي عليه السلام التراجع، ومعه أبو بكر. لا بد أن موقف عمر يعجب الكثيرين الآن، لكن ما هي ضريبته آنذاك لو تحقق آنذاك؟ هل سيكون هناك فتح، هل ستكون هناك هدنة وصفاء أجواء يسلم فيها الكثيرون؟ وعينا منكمش اتجاه الزمن والتبعات، يتفاعل فقط مع اللحظة والهوى المصاحب لها حتى لو كان "هوى الصالحين"!
- من جهة أخرى الناس الذي يطبّلون لحرية التعبير المطلقة في فرنسا، موقفهم متطرّف أيضا، وهم لا يعون أن القضية قضية دولة وخطاب "دبلوماسي" خرج من أفواه مسؤولين. وليست سخرية في جريدة هنا وهناك، أو جلسة بين ملحدين يسخرون من رموز دينيّة. يعني بعيدا عن جدال هل حرية التعبير لها حدود أو لا. فقد انتقل الوضع من معتقدات ومجرد كلام (وقد كان في كل الأزمنة حتى والنبي عليه السلام حيّ) إلى معترك سياسي وإمعان في الإذلال والهيمنة الإيديولوجية اتجاه مليار وزيادة! ثم "إصدار الأوامر" بعدم مقاطعة المنتجات وإلا صرت متطرّفا !
من ناصر حرية التعبير بشكل مطلق لم ينتبه لسياق الحدَث.
واقرأ أيضاً:
الثقة بالكبار والتحرّش الجنسي بالأطفال / الضجة حول المساجد