يقول الكاتب المصري فاروق جويدة في مقال له: "كنت بصحبة كاتبنا الكبير توفيق الحكيم هابطين في المصعد من مبنى الأهرام العريق، وكان معنا واحد من نجوم كرة القدم في مصر، وحين نزلنا إلى الشارع تجمع المارة بالعشرات أمام المبنى والتفوا حول لاعب الكرة، بينما لم يلتفت أحد إلى أن توفيق الحكيم ليس بعيداً عن اللاعب، وبدأت دوائر الناس تتَّسِع حول اللاعب الشهير، فانسحبتُ مع كاتبنا الكبير لكي نستقل سيارة معاً ونمضي.
نظر توفيق الحكيم إلى الحشود التي أحاطت باللاعب وقال: ألم أقل لك أن هذا زمن الأقدام وليس زمن الأقلام".
حضرتني مقولة توفيق الحكيم الذي قرأت معظم كتبه ومسرحياته، وكانت كتبه لا تفارقني أثناء دراستي في كلية الطب، وزمننا غير زمانه لكن ما قاله لايزال صحيحاً وأكثر، وأنا أتأمل اهتمامنا بوفاة لاعب كرة قدم وتداول الحدث إعلامياً وبكثافة في وسائل التواصل الاجتماعي بأنواعها، وإهمال وفاة أعلام فكرية ودينية ذات قيمة ثقافية تنويرية في المجتمعات الإنسانية، واحترت بتفسير السلوك البشري الذي يتبارى في ميادين الأقدام، ويأبى التواصل مع ما تجود به الأفهام، وينكر ما تكتبه الأقلام.
ترى لماذا هذا التفاعل العزوم مع الأقدام، والمهزوم مع الأفهام والأقلام؟! هل هي مشاعرنا السلبية التي يقودها الغضب؟ هل أنها طاقاتنا وتطلعاتنا المكبوتة الخائبة؟ هل فقدان الكلمة لدورها وقيمتها الإنجازية؟
التفسير صعب، ويشير للتعبير عن العمه في مستنقعات الحضيض والتَّخَبُّط المكلل بالوجيع!!
وكأن الأقدام توحدنا، والأقلام تفرقنا، والأفهام تمزقنا!!
واقرأ أيضاً:
أنتَ على قدر كلامك / لعبة التحشيد / الانزعاجية