التحول من اضطراب ضغوط ما بعد الصدمة إلى نمو ما بعد الصدمة (3)
العوامل التي تعزز وتدعم نمو ما بعد الصدمة:
تناول نمو ما بعد الصدمة بوصفه متغير إيجابي يندرج تحت مفاهيم ومدخلات علم النفس الإيجابي فإنه يقدم فوائد مهمة في تقديم الإرشاد والعلاج النفسي الإيجابي الذي يركز على تخفيف الآلام والمعاناة بجانب تحسين القوى والإيجابيات وتعزيزها في الفرد وبيئته. ويشهد المتابع للتطور في فنون العلاج النفسي في الفترة الراهنة، نقلة جوهرية في عمليات العلاج النفسي بالتركيز على تدريب ودعم جوانب القوة في الشخصية، وتثبت أن هذا النوع من التدريب لا يقل قيمة عن مجرد التخلص من أعراض المرض والاضطراب لما يسهم به من تغيير وتطوير للشخصية (عبد الستار إبراهيم، 2011، 190)
ويؤكد علم النفس الإيجابي على أن أفضل علاج للاضطرابات يتمثل في التركيز على الإيجابيات وطاقات النماء لدى الفرد والجماعة وتعظيم فرصهما المتاحة والممكنة (مصطفى حجازي، 2012، 34)، ويرى مارتن سليجمان (2005، 42) أهمية العلاج بتعظيم القوة لأنها إذا ما نضجت ستكون سياجا حاميا ضد جوانب الضعف، وتجاه عواصف الحياة التي لابد أن تواجهها.
والمريض النفسي من وجهة نظر علم النفس الإيجابي ليس بحاجة إلى تخفيف الكآبة والحزن واليأس والقلق النفسي، كما يرى علم النفس الإكلينيكي، ولكنه بحاجة أشد لإشباع حاجاته وتحقيق قدر كبير من الرضا والسعادة وتقدير الذات وتحقيق الذات وبحاجة للسمو والتطور المستمر. بحاجة ماسة لتطوير مهاراتهم وقدراتهم وخصائصهم الإيجابية (الفرحاتي السيد، 2012، 21-22).
وأظهرت نتئج دراسة زانج وآخرون (2012 .Zhang, et al) أن العوامل التي تسهل وتعزز نمو ما بعد الصدمة فهي بالترتيب :المساندة الاجتماعية المدركة، وأسلوب المواجهة الفعالة وتعزيز فاعلية الذات، والأقران المتشابهين. أما التنبؤ بنمو ما بعد الصدمة فيكون من خلال عدة متغيرات مختلفة مثل أسلوب المواجهة والمساندة الاجتماعية (Hallam, 2012) وتقييم الوالدين وإدراكهم للضغوط (Motaghedi & Haddadian, 2014) والمساندة الاجتماعية وإعادة التأطير الإيجابي والمواجهة النشطة (Loepp, 2015) ومساندة الأصدقاء (مروة عبد القادر، 2015) وفاعلية الذات الوالدية (Smith, 2016) والتفاؤل والانفتاح على الخبرة (Zoellner, et al., 2008) ومهارات التفكير الإيجابي (إبراهيم يونس، 2018).
كما أن نتائج دراسة (Forstmeier, et al., 2009). توصلت إلى أن إيجاد المعنى والمغزى في الأحداث السلبية، ومصادر الدعم الاجتماعي تسهم إسهاما دالا في التنبؤ بتحسين نمو ما بعد الصدمة. وتوصلت نتائج دراسة (Tsai, et al., 2016). إلى أن اضطراب ضغوط ما بعد الصدمة، والحالة الصحية، والغرض في الحياة، والإيثار، والامتنان، والتدين، وأسلوب حياة lifestyle المرتبط بالقراءة النشطة منبئات بزيادة PTG، وتوصلت نتائج دراسة (Dekel, et al., 2016). إلى أن الدرجات المرتفعة من اضطراب ضغوط ما بعد الصدمة تتنبأ بدرجات مرتفعة من PTG على المدى الطويل. وتوصلت دراسة (Grad and Zeligman, 2017) إلى أن البحث عن المعنى ومعنى الوجود والاهتمام الاجتماعي منبئات بنمو ما بعد الصدمة.
وتوصلت نتائج دراسة "راموس، وليال" إلى أن العوامل المنبئة بنمو ما بعد الصدمة PTG، هي: الكشف عن الذات، والرضا عن شبكة الدعم الاجتماعي، وخصائص الشخصية، واستراتيجيات المواجهة التكيفية، وتحطيم العالم الافتراضي Assumptive World، والروحانية، والتفاؤل، والضيق، والاجترار المتعمد Deliberate Rumination أو المقصود(Ramos & Leal, 2013, 50). وبينت نتائج دراسة (Alexander & Oesterreich, 2013). أن القدرة على الإنتاجية Generativity تدعم النمو. وأيضا يلعب الدعم الزوجي Spousal Support والدعم الوالدي والاجتماعي دورا في تحسين النمو بعد الصدمة ؟ (Evans, 2018). ويستفيد الباحث من بعض هذه العوامل كفنيات وإستراتيجيات مرتبطة بعمليات ومهارات التفكير الإيجابي المحددة بالدراسة كمدخل لحدوث نمو ما بعد الصدمة.
مما سبق يتضح أن هناك عدة عوامل ومتغيرات ترتبط إيجابيا بالنمو، ولديها قدرة على التنبؤ بحدوث النمو وهناك عدة عوامل أخرى تساعد على النمو أشار إليها تيدسكي وكالهون مثل الصفات الشخصية كالانبساطية والانفتاح على الخبرة، بينما أشارت نتائج دراسة (Ha.J & Sim, 2016) إلى تقدير الذات، لكن من الواضح في حدود اطلاع الباحث وما أشارت إليه (Lara Barbir, 2016, 24) أن الدراسات التجريبية لتدخلات PTG، تعد محدودة وفقيرة للغاية مما يشير إلى أهمية تقديم جهود بحثية في هذا المجال وهو برامج التدخل.
وقد أشار موران وبوركير وشميت (2013) إلى أن هناك ثلاث مداخل علاجية مهمة لحدوث النمو PTG هي:
(أ) الدعم الاجتماعي والتحالف العلاجي. يتفق الباحثون والمعالجون على أهمية التأثيرات الإيجابية التي يمكن أن يقدمها الدعم الاجتماعي على تيسير نجاح الناجين وتطورهم في المراحل الأولى وتحركهم نحو تحسين PTG. لذلك، اقترحوا دمج الأسرة والأصدقاء المقربين في العلاج، لا سيما خلال عملية إعادة بناء السرد الشفوي للرواية الجديدة. ومن ضمن الدعم الاجتماعي أيضا التواصل مع الناجين الذين نجحوا في التعافي لتقديم نماذج وخبرات بديلة تسهل بناء اعتقاد بإمكانية الوصول للتعافي والنمو.
(ب) تطوير أساليب المواجهة الإيجابية ونمط الاجترار. هذا المدخل هو المدخل العلاجي الذي يهدف إلى إرجاع العملاء المعرضين للصدمات إلى خط أساس ما قبل الصدمة، فالمواجهة يمكن أن تكون بممارسات سلوكية تشعر بالتحكم والضبط، أو التعرض التخيلي أو الموقفي في الواقع للمواقف والمثيرات المخيفة. ووقف الاجترار أيضا يمكن أن يكون باستخدام ممارسات اليقظة الذهنية (التمعن) حيث يمكن أن تساعد ممارسات اليقظة الذهنية على مساعدة العملاء على تطوير فهم أفضل لأساليب التأقلم ووقف الاجترارات. مثلا حاول أن تتذوق من عنقود العنب خمس عنبات، كل عنبة على حدة، وأعمل كل حواسك فيها. ولاحظ الفرق بين أكلهم سريعا وأكلهم بيقظة.
(ج) الوصول لحالة جيدة من السرد. يمكن مساعدة الناجين من الصدمة على بناء قصة صدمة تتضمن مجالات PTG، بحيث يمكنهم رؤية الصدمة كمحفز أو نقطة تحول تعزز في نهاية المطاف قوتهم الشخصية، واتصالاتهم الشخصية، وتقديرهم للحياة، والروحانية، والانفتاح على الاحتمالات الجديدة في الحياة. لأن عملية إعادة بناء سرد الحياة تنطوي على قدر كبير من الإفصاح عن الصدمة والمعتقدات الأساسية الجديدة، التي تؤكد أهمية الدعم الاجتماعي ومناطق القوة والتغير الإيجابي الذي عايشه.(Moran, et al., 2013, 38-40).
الاستنتاج
- أن النمو هو نتيجة للطريقة التي يختار الشخص من خلالها الاستجابة للحدث المؤلم وليس الأمر متوقف على الحدث نفسه.
- أن البعض قد يختبر النمو في بعض المجالات فقط ولكن ليس في كل المجالات.
- أن بداية النمو تبدأ من مرحلة التعافي من ضغوط ما بعد الصدمة، لذلك من المهم الاستفادة من فنيات وتكنيكات العلاجات النفسية المعروفة والتي أثبتت فعاليتها في خفض حدة الكرب والضغوط مثل تدريب المرضى والناجين على تمارين التنفس، وتكنكيات ضبط الذات واستعادة السيطرة. ويقدم المعالج تعليماً نفسياً فيما يتعلق بتفاعلات الصدمة العادية. بجانب تعليمه طرق فعالة للانتقال من الاجترار التلقائي إلى الاجترار المتعمد. والمساعدة في استكشاف الافتراضات الأساسية (المعتقدات الأساسية) وكيفية استبدال هذه الافتراضات غير المفيدة بطريقة تجعلهم يعيشون الحياة بطريقة ذات معنى.
- أن هناك عوامل يمكن دمجها في برامج تعزيز وتحسين نمو ما بعد الصدمة وهي التي أشار الباحثين إليها في لوجود علاقات تنبؤية ذات دلالة لحدوث النمو من خلالها.
المراجع
- إبراهيم يونس (2018). مهارات التفكير الإيجابي وعلاقتها بنمو ما بعد الصدمة لدى أمهات أطفال طيف الذاتوية. مجلة البحث العلمي في التربية، كلية البنات - جامعة عين شمس. العدد (19). 1-22
- الفرحاتي السيد محمود (2012). علم النفس الإيجابي للطفل، الإسكندرية: دار الجامعة الجديدة.
- عبد الستار إبراهيم ( 2011 ).عين العقل: دليل المعالج النفسي للعلاج المعرفي الإيجابي، سلسلة الممارس النفسي. القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية.
- مارتن سليجمان (2005). السعادة الحقيقية: استخدام الحديث في علم النفس الإيجابي لتتبين ما لديك لحياة أكثر إنجازا. ترجمة صفاء الأعسر وعلاء الدين كفافي وعزيزة السيد وفيصل يونس وفادية علوان وسمير غباشي، دار العين للنشر، القاهرة.
- مروة محمد أحمد عبد القادر (2015). نمو ما بعد الصدمة لدى أمهات أطفال الشلل الدماغي وعلاقته بكل من المواجهة التهيؤية وعدد من المتغيرات النفسية الاجتماعية والإكلينيكية. رسالة ماجستير غير منشورة، كلية الآداب – جامعة القاهرة.
- مصطفى حجازي (2012).إطلاق طاقات الحياة: قراءات في علم النفس الإيجابي، التنوير للطباعة والنشر، لبنان.
- Alexander, T.& Oesterreich, R. ( 2013). Development and Evaluation of the Posttraumatic Growth Status Inventory. journal of Scientific Research. Vol.4, No.11, 831-844
- Dekel, S., Ein-Dor, T., & Solomon, Z. (2012) Posttraumatic Growth and Posttraumatic Distress: A Longitudinal Study. American Psychological Association. Vol. 4, No. 1, 94–101. DOI: 10.1037/a0021865
- Dekel, S., Mamon, D., Solomon, Z., Lanman, O., & Dishy, G. (2016). Can guilt lead to psychological growth following trauma exposure?. Psychiatry Research. 236 196–198. https://doi.org/10.1016/j.psychres.2016.01.011
- Evans, K.,S.( 2018). Spousal Support and Post-traumatic Growth (PTG) among Canadian Armed Forces (CAF) Veteran Couples. Thesis of Master. Mount Saint Vincent University.
- Forstmeier, S., Kuwert, P., Spitzer, C., Freyberger, H. J., & Maercker, A. (2009). Posttraumatic growth, social acknowledgment as survivors, and sense of coherence in former German child soldiers of World War II. The American journal of geriatric psychiatry, 17(12),1030-1039. DOI: 10.1097/JGP.0b013e3181ab8b36.
- Grad,R. & Zeligman,M.( 2017). Predictors of Post-Traumatic Growth: The Role of Social Interest and Meaning in Life. The Journal of Individual Psychology,. 73,. 3, 190-2017.
- Hallam W (2012). Posttraumatic Growth, Coping and Quality of Life in Stroke Carers. Doctoral Dissertation - Cardiff University.
- Jirek.S (2011). Posttraumatic Growth in the lives of young adult trauma survivors: relationships with cumulative adversity, narrative reconstruction, and survivor missions. Doctoral theses . University of Michigan
- Kanako Taku,K, Cann.A, Calhoun.L, and Tedeschi.R (2008). The Factor Structure of the Posttraumatic Growth Inventory: A Comparison of Five Models Using Confirmatory Factor Analysis. Journal of Traumatic Stress, Vol. 21, No. 2, , pp. 158–164
- Lara Barbir (2016). Positive Psychology and Trauma: Understanding and Enhancing Posttraumatic Growth. Society of Counseling Psychology’s Section on Positive Psychology of the American Psychological Association Newsletter. Volume 11, Issue 1.21-26
- Moran, S., Burker, E., & Schmidt, J. (2013). Posttraumatic growth and posttraumatic stress disorder in veterans. The Journal of Rehabilitation, 79 (2), 34-43
- Motaghedi.Sh & Haddadian.M , (2014). The Effect of Growth appraisal & Individual ssessment of Stress on Mental Health of Autistic Children's Parents. Life Science Journal (9s):32-37
- Smith, A (2016). Relationships Between Parental Self –Efficacy and Posttraumatic Growth in Mothers of Children with Dowen Syndrome. Doctoral Dissertation. College of Education - University of Kentucky.
- Tsai, J., Sippel, L. M., Mota, N., Southwick, S. M., & Pietrzak, R. H. (2016). Longitudinal course of posttraumatic growth among US Military Veterans: Results from the National Health and Resilience in Veterans Study. Depression and anxiety, 33(1), 9-18
- Zoellner, T., Rabe, S., Karl, A.& Maercker, A. (2008). Posttraumatic Growth in Accident Survivors: Openness and Optimism as Predictors of Its Constructive or Illusory Sides. Journal of Clinical Psychology,. 64(3), 245–263. DOI: 10.1002/jclp.20441
واقرأ أيضًا:
النمو الإيجابي لدى أهالي الشهداء الفلسطينيين / جائحة كورونا طبيعة الحدث وآثاره النفسية السلبية والإيجابية