في سيكولوجية الحكمة: ادعاء الحكمة بأثر رجعي (1)
مستوىات تحيز الإدراك المتأخر:
يحدث تحيز الإدراك المتأخر عندما يشعر الناس أنهم "عرفوا ذلك طوال الوقت"، أي عندما يعتقدون أن حدثًا يمكن التنبؤ به بعد أن يصبح معروفًا أكثر مما كان عليه قبل أن يصبح معروفًا. وهذا التحيز الذي يمكن بسهولة أن نقع فيه يتضمن ثلاث مستويات ودرجات مختلفة:
- مستوى تشويه الذاكرة Memory distortion :
("قلت إن ذلك سيحدث") لكن السؤال هل تتذكر ما قلته حرفيا بالفعل؟
يرتكز مستوى تشويه الذاكرة على سوء فهم حكم سابق واحد . بينما إن تم تسجيل ما قاله صوتا وصورة ربما يجعل الشخص منتبها أكثر من الوقوع في هذا الأمازق ومع ذلك ربما نجد من الإعلاميين من يقعون في هذا الفخ مرارا وتكرارا بقصد أو بلا مبالاة في مدح فلان فإن صار في غير الواجهة لا مانع من ذمه والإساءة إليه وأنهم سبق أن حذروا منه، وبما يتناقض تماما مع ما حدث. أو الإساءة لدولة ما فإن تم التقارب السياسي معها رددوا أن سبق وأن قلنا أنها مرحلة مؤقتة.
يحدث هذا مثلا في الانتخابات فقبل الحدث قد يصنف المشاركون احتمالية فوز فلان في الانتخابات. بعد ذلك، بعد الانتخابات، سيحاول المستجيبون تذكر تقديراتهم السابقة للاحتمالية، حيث يمثل الانحراف بين الاستجابة الحالية والسابقة درجة تشوه الذاكرة.
فربما يقولون إن نسبة نجاحه ستكون 60% فإذا نجح ربما قالوا أننا سبق أن قلنا أنه سينجح بنسبة 80% . فبعد الفوز الكبير قد ينظر الناخب نفسه إلى الوراء، ويرى الفوز على أنه أكثر توقعًا مما كان عليه قبل معرفة النتيجة، ويستنتج أن فرص مرشحه كانت على الأقل80٪ أي أن التحيز في الإدراك المتأخر يتضمن عدم القدرة على استعادة الشعور بعدم اليقين الذي سبق الحدث. عندما تكون هناك حاجة لفهم الأحداث الماضية كما تم تجربتها في الموقع ، فإن تحيز الإدراك المتأخر يحبط التقييم السليم.
إن أخطاء التذكر هي الخطوة الأولى نحو التحيز في الإدراك المتأخر، ولكن تحديث المعرفة وظهور النتائج هو الذي يساهم بشكل أكبر في هذا التحيز وإن لم تظهر النتائج فما كان له أن يدعي أنه سبق وأن قال ذلك. حيث يحاول الناس استرداد توقعاتهم السابقة للحدث، وقد يفشل الأشخاص في استعادة الإجابة التي قدموها عن سؤال سابق وبدلاً من ذلك يعتمدون على ما يعرفونه الآن أنه الإجابة الصحيحة. وستكون أكثر انسجاما مع النتائج الواضحة الآن.
- مستوى الحتمية Inevitability :
("كان يجب أن يحدث")، لكن هل حينها كان لديك اليقين بأن هذا يجب أن يحدث؟ وأن ليس هناك احتمالات لنتائج أخرى ولو بنسب أقل؟ هل هذا راجع إلى أسباب وظروف محددة؟. يتضمن مستوى الحتمية المعتقدات حول الاحتمالات الموضوعية للأحداث والموقف موضع التقييم، ويتضمن المعتقدات حول القوى السببية التي تجعل بعض النتائج تبدو أكثر قابلية للتنبؤ، كأن يقول "في ظل ظروف معينة، لم تكن هناك نتيجة مختلفة ممكنة" فعندما لا يجد تفسيرا ومعنى لما حدث ولا يحلل الظروف بأبعادها يكون من السهل عليه أن يحدد نتيجة واحدة في مقابل الظروف التي يرصدها. لذلك الإستراتيجية المعاكسة لهذا التحيز تتضمن زيادة وعي الشخص بالتفسيرات المحتملة الأخرى وروابط السبب والنتيجة.
يتضح ذلك عندما يقول القائل "كان لازم يعمل كده، لأن دي آخرة الدلع في تربيته" فهو يحدد سبب واحد للماضي مع لإهمال التفسيرات المعقولة الأخرى للحدث والثقة المفرطة العامة في اليقين من أحكام الفرد. ولكن التشجيع على التفكير في التفسيرات السببية البديلة نتيجة معينة يمكن أن يقلل من تحيز الإدراك المتأخر.
- مستوى إمكانية التنبؤ Foreseeability :
("كنت أعلم أنه سيحدث"). هل أخبرت وقتها بهذا التنبؤ؟ أم كان يراودك احتمالية وشك؟
مستوى القدرة على التنبؤ ذاتي بطبيعته، ويركز على المعتقدات المتعلقة بمعرفة الفرد وقدرته (على سبيل المثال ، "كنت أعلم أنه سيحدث"). يتراكم مستوى القدرة على التنبؤ فوق الحتمية، مما يعني أنه يتضمن معتقدات حول الوضع الموضوعي للعالم ولكنه يتضمن بالإضافة إلى ذلك معتقدات حول براعة الفرد في التنبؤ وفهم العالم. والمستويات الثلالثة منظمة بشكل هرمي ، حيث يتضمن المستوى الأدنى عمليات أساسية أكثر للذاكرة ، بينما يتضمن المستوى الأعلى المعتقدات الاستنتاجية الذاتية الواسعة. (Roese, & Vohs, 2012)
التحيز والتعلم
يمكن الخلط بين التحيز في الإدراك المتأخر والتعلم البسيط من التجربة أو مراجعة مواقف الحياة وتأملها للاستفادة منها. بل يبدع الأفراد والمنظمات ويزدهرون عندما يحللون الأخطاء ويعدلون استراتيجياتهم وفقًا لذلك. بينما تحيز الإدراك لن يعرفوا أكثر بعد معرفة النتيجة أكثر مما قبل حدوثها". وبالتالي فالسؤال الأهم:
المعرفة التي ولدت من الإدراك المتأخر متى يكون لها فائدةو يجب تبنيها، ومتى يجب تجنبها؟ الجواب في توقيت التوصل إلى النتيجة وكيفيه التعامل معها:
المعرفة الناتجة عن الإدراك المتأخر مناسبة ومفيدة: عندما يتم توجيهها إلى الإجراءات الحالية والخطط المستقبلية، حيث التُعلم استراتيجية مستمرة.
المعرفة الناتجة عن الإدراك المتأخر غير مفيدة: عندما يتم توجيهها إلى اللحظات والأوقات الماضية، كما هو الحال في تقييم مهارة صانعي القرار الذين لم يكن لديهم كرة بلورية وبالتالي لا يمكن أن يعرفوا ما هو معروف الآن.
كيف نتحقق من وجود هذا التحيز؟
هناك استراتيجيتان تجريبيتان رئيسيتان توثقان تحيز الإدراك المتأخر:
1- تصميم الذاكرة :
يعطي كل مشارك حكمين، أحدهما قبل النتيجة المنتظرة والآخر بعده.
(على سبيل المثال، قبل مباراة كرة القدم، قد يقدر أحد المشجعين احتمالية فوز الفريق المضيف. بعد تحديد النتيجة الواقعية (فاز الفريق المضيف في الواقع) ، يقدر المشجع احتمالية الفوز كما كانت قبل بدء المباراة (والتي قد تتضمن محاولة استرداد التقدير السابق من الذاكرة). يُعرّف تحيز الإدراك المتأخر على أنه الفرق بين تقديرات الاحتمالية للنتيجة قبل الحدث وبين الإدراك المتأخر بعد الحدث.
2- التصميم الافتراضي لمجموعات مستقلة:
مجموعات تتلقى معلومات عن النتائج وأخرى أو لا تتلقى النتائج، فمثلا ستشاهد المجموعتان المباراة، لكن مجموعة واحدة فقط ستشاهد النهاية وتعلم أن الفريق المضيف قد فاز (حالة النتيجة مقابل حالة عدم النتيجة). ثم يقوم المشاركون في حالة عدم معرفتهم النتيجة بتقدير احتمالية فوز الفريق المضيف، في حين يُطلب من المشاركين في حالة النتيجة تجاهل معرفتهم بكيفية ظهور اللعبة ثم إصدار حكم والنتيجة رغم معرفتهم بها كأنهم يتخيلون أنفسهم في مكان ما من المشاركين بمجموعة وحالة عدم معرفتهم النتيجة ويُعرَّف تحيز الإدراك المتأخر على أنه الفرق بين تقديرات احتمالية هاتين المجموعتين.
لاحظ أن (يأتي الجانب الافتراضي للتصميم من مطالبة المشاركين بإصدار أحكام كما لو أنهم لا يعرفون الإجابة) يكشف هذا عن مدى صعوبة ترك الأفراد النتيجة التي يعرفونها بالفعل وتقدير نتيجة أخرى.
المراجع
- Roese, N. J., & Vohs, K. D. (2012). Hindsight bias. Perspectives on psychological science, 7(5), 411-426.
واقرأ أيضًا:
جائحة كورونا طبيعة الحدث وآثاره النفسية السلبية والإيجابية / التحول من ضغوط ما بعد الصدمة إلى نمو ما بعد الصدمة (1-4)