مصطلح "تحرير العقل" طغى على الواقع الثقافي العربي منذ بداية القرن العشرين، ولا يزال سائدًا في الربع الأول من القرن الحادي والعشرين.
ولو نظرنا فيما كتَبتهُ الأقلام بأنواعها سنجد المُفكِّرون والكُتَّاب والأدباء والشعراء وكل مَن له صلة بالكلمة يدَّعي أنه يريد تحرير العقل!.
وما طُرِحَ سؤال: هل يوجد عقل فاعل لتحريره مما علق به من القيود والأصفاد؟!
وعندما نقرأ الخطابات والتصريحات والمقالات منذ بداية القرن العشرين وحتى اليوم فلن نجد فيها ما هو عاقل، وإن وُجِدَ فيُتَّهَمُ بالجبن والضعف، فالجميع يمتطي حصان ردود الأفعال، وبانفعالية مُتَأَجِّجة تعمي الأبصار.
فالأحداث على مدى قرن أو يزيد تتسم بالانفعالية التي تُملِيها ردود الأفعال المتوقعة والمرسومة، ولهذا وصلت أحوال الأمة إلى ما هي عليه، وتعقّدَت مشاكلها لأنها تعيش في دوَّامات ردود الأفعال والانفعال.
فهل وَجدتم عقلا فيما مضى من الأحداث؟
لا نريد الخوض في التفاصيل، لكن يمكن أخذ أي حدث وتقييم تفاعلاتنا معه، وسنجد أن الانفعالية الحامية هي البوصلة، والعقل لا وجود له ولا دور، وبما أن العقل الفاعل مفقود فإن القول بتحرير العقل أشبه بالهراء ومطاردة سراب، ولهذا ما أوصَلَنا إلى نتيجة ذات قيمة ومعنى، بل أسهم بتراكم المشكلات وتعضيلها.
أين العقل الذي نريد تحريره؟!
لا بد من النظر بجدية للموضوع، ومن الواجب أن نُرسِي دعائم تفعيل العقل، وذلك بتعلّم مهارات التفكير العلمي، والنظر المُتَسَائِل النَّبيه للأمور، لا أن نهرول كالمُنوَّمين وراء انفعالاتنا الهوجاء المُؤجَجَة من قبل الآخرين الذين يريدون الاستثمار بردود أفعالنا، ونحسب ما نقوم به هو من فعل العقل، وهو من نتاج الانفعال الفاعل فينا.
فعلينا أن نُسقِط هذا المصطلح من وعينا وثقافتنا، ونتَّجِه إلى بناء واكتساب مهارات التفكير العلمي، وعندما نُفَعِّل عقلنا في مواجهة التحديات يحقُّ لنا أن نتكلم عن تحرير العقل مما لا يتوافق وتطلعاتنا الحضارية.
فاملك عقلًا فاعلًا، ولا تتوهم بوجوده!.
واقرأ أيضاً:
التشكي المُستَطٍير / لماذا الفقر يتسرمد؟! / أطعموهم