يدور نقاش صحي حول نجاعة أو عدم نجاعة تدريس الطب باللغة العربية في عالمنا العربي، وقد طُرحت آراء كثيرة في هذا الصدد خلال العقود الماضية، يغلب عليها الطابعُ اللغوي الصرف، مع بعض المعالجات السيكولوجية والفكرية المُثرية، وبالذات ما يتعلق بعلاقة اللغة بالتفكير والإبداع والحصيلة التعليمية الجيدة. إلا أن الأدبيات العربية والطروحات الفكرية خلتْ إلى حد كبير من المعالجات الإبستمولوجية، مما فوَّت علينا تعميق النظر فيما هو أبعد من الجانب التدريسي ولغة التعليم الطبي وما يرتبط بها من جوانب علمية وتربوية، فبيتُ قصيدِنا ها هنا هو أبعد غوراً وأشمل طوراً، إذ يمت بصلة وثيقة بفلسفة العلم وأبعادها السوسيولوجية والسيكولوجية والتاريخية والحضارية.
وما يجعلنا نتفاءل أكثر بمثل هذا المسلك أن ثمة نقداً صارماً متنامياً بات يوجَّه لفلسفة العلم الحديث، من جراء انحيازها المفرط لعلم الفيزياء، لدرجة أن البعض بات يسمها بـ “فلسفة علم الفيزياء”، وقد ترتب على هذه الحركة النقدية بروز أطروحات علمية عميقة تربط فلسفة العلم بالأحياء (البيولوجيا)[1]، وهو لحسن حظنا العلم التأسيسي للطب، مما يزيد قناعتنا بنجاعة توجهنا لبلورة طرح عام أولي حول فلسفة العلم في رحاب الطب عموماً، وعكس بعض الجوانب على الطب العربي تحديداً، في محاولة تجهد لأن تدفع بالطب العربي من الجزئي إلى الكلي، ومن الإجرائي إلى المنهجي، ومن السطحي إلى العميق، ومن العلاجي إلى الوقائي، ومن التبعي إلى الابتكاري، ومن الآني إلى الآتي. نعم، فغرضنا الرئيس من هذه الإضاءات الخاطفة إنما هو في حَلحلةُ تفكيرِنا، ودفعُه لأن ينعتقَ من ضغط اللحظة الراهنة، وتوجيهُه صوب المستقبل البعيد (المائة سنة وأكثر القادمة)، بما يؤمِّن لنا مستقبلاً صحياً أفضل؛ في إطار منظومتنا الدينية والأخلاقية، وبما يجعلنا رواداً ومُنتجين، لا أتباعاً ولا مستهلكين.
وتأسيساً على ما سبق، يتأثث هذا النصُ الصغير[2]، الرامي لأن يُلقي بعض الأضواء على مسألة تدريس الطب بالعربية بأفقها الرحب، وذلك من زاوية فلسفية أو لنقل تحديداً إبستمولوجية، فدعونا إذن ندحرج موضوعَنا على سفح فلسفة العلم، فلربما ظفرنا بشيء جديد ذي بال، مُشسِّعٍ للرؤى ومُخمِّرٍ للأفكار ومُطوِّرٍ للفعالية. ولعله من المنطقي حينذاك، أن نُسلمَ قيادنا لمباحث فلسفة العلم ودروبها وأسئلتها، وهذا ما يدفع باتجاه تنظيم النص وفق فقرات تحليلية متسلسلة، مع صبغنا للأفكار بطلاء الطب وحقنها بمقتضيات تطوير الطب وتعليمه ما أمكن.
العلاقة بين الطبيب والمرض/المريض
تبحث الإبستمولوجيا بعمق وتفصيل شديدين في علاقة العارف بالمعروف أو الذات بالموضوع، كما هو معلوم. هنا نُجابه بعدة أسئلة تستحق النظرَ المعمق، ومنها:
– من يمثل العارف أو الذات؟ هل هو الطبيب وحده أم الجماعات العلمية (الطبية) أم المشافي أم وزارات الصحة[3] أم المنظمات الدولية المتخصصة؟ أهو واحد أم خليط معقد من هذه الأطراف؟ وكيف نضمن سلامة المنهج ودقته وعدالته؟
– من يمثل المعروف أو الموضوع؟ هل هو المرض أم المريض أم المنهج العلمي أو الإجرائي التشخيصي للمرض أو المريض؟ كيف تتفاعل هذه الكينونات مع بعضها البعض؟ وكيف نحدث التوازن والتكامل فيما بينها؟
لنقف عن أحد الأسئلة السابقة: هل تنبع المعرفة الطبية (لنقل مثلاً التشخيص الطبي للحالة) من عقل الطبيب أم من جسد المريض؟ هذه المسألة تقودنا إلى مسائل الموضوعية والذاتية، فهل تنبع الحقائق من عقولنا نحن أم من العالَم من حولنا؟ هل يتفق بالضرورة طبيبان على تشخيص الحالات المرضية التي يعاينونها؟ من الواضح أن الإجابة بالنفي. ماذا يعني لنا هذا؟ ضمن أشياء كثيرة، يسعنا القول إن التشخيص نابع من مركَّب معقد، معرفيٍ وواقعيٍ، المعرفي نابع من عقل الطبيب، والواقعي جاثم في جسد المريض. هنا نتأمل ونسأل: هل جسد المريض وحده كافٍ للتشخيص؟ كلا، إذ لا يمكن لطبيب أن يقلَّب جسداً بلا لسان يُبين عن أدوائه وأوجاعه ومتى تخف الأدواء والأوجاع ومتى تزداد، فضلاً عن الأسباب المحتملة للحالة وتاريخها والجوانب الوراثية والنفسية والاجتماعية ذات الصلة. إذن، اللغة حاضرة، أليس كذلك؟ إن اللغة حاضرة في ثلاث تمظهرات أساسية، وهي: لغة المريض، لغة الطبيب، لغة التشخيص. إلى أي حد يمكن أن يؤثر المرضُ في لغة المريض؟ ألا تعتل لغتُه معه؟ كيف يسعنا معرفة ما إذا كان المريض يبالغ بالشكوى والألم أو أنه يتجلد أكثر من اللازم؟ كيف يطيق الطبيب إجراء تحليل للمضمون، ورأسه معبأ بالمصطلحات الطبية والمناهج التشخيصية بلغة أعجمية من شأنها تقليلُ درجة إيماض التفهم للمرض والتعقل للمريض وبيئته، إذ كيف يوفِّق بين هذه المصطلحات والمناهج من جهة واللغة العادية أو التعبيرات العامية للمريض أو حتى تأوهاته من جهة ثانية ؟ ليس ناجعاً أن يفكر الطبيبُ بالإنجليزية ويتألم مريضُه بالعربية. ثمة شيء مفقود هنا!
لقد تطورت هذه الممارسة المنشودة لتصل إلى ما يُسمى حديثاً بـ الطب السردي Narrative Medicine، وهو يتأسس على نهج يتوخى أن يكون شمولياً Holistic، ويستلزم – ضمن أشياء عديدة- أن يغرف الطبيبُ من ماعون المريض بملعقة السرد، فيلتقط بها حبكة المرض ومنعطفات الاعتلال وبؤرة الألم وشخوص التوجع. الطب السردي كان مُمارساً بامتياز في الطب العربي القديم، إذ كان الطبيب يُحسِن الاغترافَ والتفهمَ للمرض والمريض وسياقه النفسي والمجتمعي. هذا الاغتراف المنشود راهناً دفع بكانط إلى نقد وصاية الطبيب على جسد المريض، وقد شاطره في هذا النقد فوكو ليتقرر مبدأ أن ”الطبيب المتنور من يقول لك: الطب مهنتي، لكن الجسد جسدك، أنت أدرى به حين تتأمله، ودوري أن أساعدك”[4].
العتبة بين الطب الجيد والرديء
ثمة تعريف طريف شامل للطب لأبي الوليد ابن رشد الأندلسي في “كلياته” الشهيرة، إذ يرى بأن الطب هو: معرفة الصحة والمرض وما يُنسب إليهما؛ ليحفظ الصحة حاصلةً ويستردها زائلة[5]. ولابن أبي أُصَيبعة الدمشقي في “عيونه” شيء قريب من هذا حيث يرى بأن الصناعة الطبية هي: “حافظة للصحة الموجودة، ورادَّة للصحة المفقودة”[6].
تشتغل الإبستمولوجيا على تعريف العلم بعامة والحقول المعرفية بخاصة، كما تعتني بما يُسمى بـ “الحد الفاصل” بين العلم واللاعلم، وهنا يمكننا سحب هذا الاشتغال إلى المجال الطبي، ليكون مبحثنا عن الحد المائز بين الطب واللاطب، أو بين الطب العلمي والطب الزائف. هذه مسألة عميقة جداً، ويمكن أن نحقق فيها اختراقات كبيرة، إن نحن توسلنا بالترسانة المفاهيمية اللازمة والعتاد المنهجي المناسب. ومن بين المسائل التي يمكن تفعيل فكرة الحدود ما يتعلق بالتمييز بين الطب الجيد أو الفعال والطب الرديء أو غير الفعال. هذا التمييز هو الآخر مفيد، وربما يقودنا إلى نتائج ذات قيمة علمية وانعكاسات عملية نافعة. ليس ثمة أفضل من تقنية السؤال لتشغيل هذه المسألة، وهنا نجدنا قبالة أسئلة متكاثرة، ولكن لنبتدر بسؤال رئيس، فنقول: ما هدف الطب؟ قد يكون من المجدي لنا تقسيم البعد الغائي للطب إلى ثلاثة مستويات[7]:
الهدف الأسمى: المحافظة على الصحة قبل اعتلالها (معرفة الصحة وأنواعها ولواحقها).
الهدف المتوسط : إبطال دواعي المرض قبل حدوثه (معرفة المرض وأنواعه وأعراضه).
الهدف الأدنى: علاج المرض قبل استفحاله (الحيلة في إزالة المرض).
لا يمكن تحقيقُ وثبةٍ كبيرة في هذا المسلك، دون تشغيل خاصية في الإبستمولوجيا، وهي تلك الخاصية المتعلقة بالتنقيب في مفاهيم العلم نفسه، حيث تُسائلها وتُشاكسها، وتُخلخلها وتقويها، وتثقبها وتسدُّها، وتُفرِّغها وتملأها في الوقت ذاته. في مجالنا المبحوث، يمكن التفكير بمساءلة الكثير من المفاهيم ذات العلاقة بالطب والتطبب، ومنها: الحياة والموت، والصحة والمرض، المرض والداء والسقم، الألم والتألم، الوجع والتوجع، الاختلال والتوازن، الدواء والعلاج، الإمراض والاستمراض والتمارض والانمراض، الشفاء والاستشفاء والتشافي والانشفاء. قد يظن البعض أن إيرادنا لهذه الكلمات هو من قبيل طلب المدارسة اللفظية اللغوية الصرفة فحسب، وهذا غير دقيق. صحيح أن هذه المدارسة هي على درجة كبيرة من الأهمية التأسيسية لما بعدها، غير أن مقصودنا إنما يتجاوز في العمق هذه المدارسة إلى الوصول إلى التحليل التجريدي والتركيب الإبداعي في إطار تفكير فلسفي معمق، بما يؤمِّن لنا كُوِّاتٍ لنضع فيها مشاكي البحث الطبي الخلاق، فنضيء بذلك مسارات جديدة في الطب المعاصر.
المرض علم والإمراض ثقافة
لقد كان نبيهاً حاذقاً الفيلسوفُ الطبيب أبو الوليد بن رشد، حيث ميز بعمق شديد بين علم الطب وممارسة الطب، مُلحِقاً الأول بالعلم (النظري) ومُصنفاً الثاني ضمن العلم التطبيقي (العملي)[8]. هذا التقسيم بديع، وقد أوردناه من أجل إيضاح الفكرة التي نود طرحها في هذه الفقرة، بيد أنه لا يكفي، حيث نفتقر إلى شيء آخر، وهو ما يجرنا إلى التعريج على خاصية أخرى في الإبستمولوجيا. تشتغل فسلفة العلم على المبحث السوسيولوجي، حيث تعالج الأبعاد المجتمعية المؤثرة على سير العلم وتقدمه أو تأخره، صعوده أو هبوطه.
إذا وضعنا في اعتبارنا هذين الجانبين معاً، فإنه يسعنا التقرير بأن الحذق الطبي يقتضي التمييز بين: المرض (العلة) والإمراض (المعلول). بعد قدر من التأمل في هذه المسألة خلصتُ إلى فكرة طريفة مفادها: لئن كان المرضُ علماً فقد يكون الإمراض[9] ثقافة. ما المعنى وراء ذلك وما الدليل عليه؟
المرض علم لأنه يتعلق بشيء براني مؤثر في موضوع يمكن ملاحظته، أي أنه سبب صادر من العالَم الذي يحتوينا أو نعيش فيه، ولهذا فإنه يمكننا ملاحظته وسبره وفهمه ووصفه وتصنيفه بطريقة موضوعية إلى حد كبير، أي أننا سنتوصل في علم الطب النظري إلى نتائج واحدة أو متشابهة حياله. هذا طرف أول للخيط، فأمسكوا به جيداً. نفهم من تحليلنا السابق، أن هذا الشيء البراني أو السبب المُمرِض يفترض أن يُحدِث الأثرَ في القابل أي المريض. حسناً لنقبل هذه النتيجة ولكن مع قدر من التحفظ أو التقييد، حيث إننا نشير إلى أن تأثر القابل أو المريض يمكن أن يتأثر بدوره بالبعد الثقافي في العالم الذي يعيش فيه المريض أو يتعايش معه، وما يتضمنه من أفكار ومعتقدات وعادات وأعراف وتقاليد وممارسات، مما يجعل القابل هنا غير القابل هناك، الأمر الذي قد يمنع أو يحد من حدوث الأثر، وهذا ما نتوخاه بقولنا: قد يكون الإمراض ثقافة، فإذا كان شيئاً أو سبباً معيناً من شأنه إمراض هذه الجماعة الإنسانية في ثقافة ما، فإنه قد لا يُمرٍضُ جماعةً إنسانية في ثقافة مغايرة.
تخيلوا معي أننا جهزنا أساتذة الطب وطلبته بمثل هذه المنهجية في التفكير، كيف يمكن لنا أن نطور من الممارسة الطبية التي يمكن أن تقع ضمن طب العائلة أو الصحة العامة أو الطب السردي أو أي حقل آخر أو في مزيج من هذه الحقول، وقد نبادر إلى افتراع حقول طبية جديدة. هذه المنهجية تفتقر إلى تشغيل المكون الثقافي المحلي، وهنا نجد بأن اللغة هي من أهم الأدوات لدراسة الثقافة المحلية وفهمها والتنقيب في أسرارها وحقائقها وأساطيرها وحلوها ومرها.
ومن الجوانب المنهجية المتصلة بمسألتنا الفارطة من بعض الوجوده، تلك التي لفت الأنظار إليها أبو الوليد ابن رشد[10]، وهي المتعلقة بالمفهوم العصري “المعرفة الضمنية” Tacit Knowledge ، وهي تلك التي تشير إلى المعارف الدقيقة والخبرات العميقة المدفونة في لاوعي الخبير، والتي تتسم بكونها “ذخائر جوانية” يصعب نقلها إلى الآخرين عبر الكتابة أو حتى المشافهة، إذ إنها تحتاج إلى آليات فعالة “لاستخراجها” Externalization، ومن أهم هذه الآليات هي المعايشة والتعلم بالمران جنباً إلى جنب مع الخبير، ومما لا شك فيه أن اللغة الأم تعلب دوراً محورياً في استخراج المعرفة الضمنية.
ولتأكيد أهمية اللغة والفلسفة والأخلاق والتجريب في صناعة المنظرين الكبار المؤسسين للنماذج الإرشادية الجديدة أو الباراديمات الطبية، يسعكم أن تطالعوا سِفر ابن أبي أُصَيبعة في “عيون الأنباء”، حيث نلحظ أن من سمات الطبيب الماهر الحاذق توفر هذه الأبعاد بدرجة عالية، ومن ذاك وصفه للطبيب فخر الدين المارديني، حيث يقول: ” كان أوحد زمانه وعلامة وقته في العلوم الحكمية، قوي الذكاء فاضل النفس، جيد المعرفة بصناعة الطب، محاولاً لأعمالها، كثير التحقيق، نزيه النفس، محباً للخير، متقناً للغة، متفنناً في العربية”، ويصف أبا الفرج يحيى بن التلميذ بالقول: “كان متعيناً في العلوم الحكمية، متقناً للصناعة الطبية، متحلياً بالأدب بالغاً فيه أعلى الرتب” ، ويشهد للطبيب الأندلسي الجلياني بأنه “كان علامة زمانه في صناعة الطب والكحل وأعمالهما بارعاً في الأدب وصناعة الشعر”[11]، وقال مثل هذا عن حنين بن إسحاق، وعلي بن إبراهيم بن بكس، وابن الشبل البغدادي، وابن السمينة، والشريف الكحَّال وغيرهم كثير. وهنا تتعين الإشارةُ إلى أن التغذية العلمية والفلسفية واللغوية والأخلاقية للجماعات العلمية الطبية في عالمنا العربي شرط رئيس لإحداث تغيير جوهري ملموس في مهنة الطب عموماً ومنظومة التعليم الطبي خصوصاً، إذ إن القرار لا يعود للجانب السياسي وحده، وإنما للقناعات المبثوثة في رؤوس صنَّاع الرأي والقرار داخل هذه الجماعات العلمية المتخصصة، وهذا ما يؤكد أهمية الاستمرار في سجالنا العلمي والفكري، وضرورة تعميقه وتشسيعه برؤى جديدة، على أن نُسائله ببراهين العلم وأدلة البحث العلمي الرصين.
وبعد ركضنا الخفيف في هذا المسلك الوعر، نلملمُ أفكارَنا لإقفال هذا النص في مشهد أشدد فيه على أهمية تقوية ما يمكن أن نسميه بـ “الأنَفَة الطبية”[12]، حيث أعدها حجر أساس للانعتاق من التبعية الطبية المدرسية إلى “الابتكارية الطبية” بكل أبعادها واستحقاقاتها، وما تحمله لنا من فوائد إنسانية أخلاقية، ومن بينها الإضعاف والإرباك لحركات تسليع الطب، والسعي لأنسنة الطبيب المعاصر من جديد، فضلاً عن الفوائد الصحية والبيئية الكبيرة، وما تخلقه هذه الابتكارية من قيم اقتصادية مضافة بأقدار متوازنة معتدلة. إن الحيثياتِ السابقة وأمثالَها لا تقوِّي دواعي تدريس الطب باللغة العربية فحسب، بل تحض على أن نفكر طبياً بالضاد، وأن نشخص ونداوي ونعالج بها. ليس ثمة أمل في أن نمارس شيئاً من هذا ونحن لا نفكر طبياً بلغتنا الأم، ولا نمتح من معجمنا العربي الثر!
الهوامش:
[1] ضمن الأطروحات الجيدة ما ينشر في مجلة “البيولوجيا والفلسفة” Biology & Philosophy، عبر مجموعة من فلاسفة العلم الشبان. انظر: إرنست ماير (2002)، هذا هو علم البيولوجيا، ترجمة: عفيفي محمود عفيفي، الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، عالم المعرفة، عدد 277، ص 53-54.
[2] أعد هذا النص خصيصاً لمداخلة الكاتب في ندوة علمية – ضمن ندوات الطب بلسان عربي- نظمتها الجمعية العلمية السعودية للهندسة الطبية في جامعة الملك عبدالعزيز، بمشاركة الدكتور عبدالناصر كعدان (طبيب سوري متخصص في الجراحة وتاريخ الطب الإسلامي)، وإدارة الدكتوره سحر الصمادي، بتاريخ 2 فبراير 2021، مع التنويه والشكر للجهد المميز المبذول من قبل الدكتور حافظ السامرائي في الإعداد والمتابعة لإقامة مثل هذه الندوات العلمية المفعِّلة لدور اللغة العربية في ميادين الهندسة والطب والعلوم وغيرهما.
[3] ناقش فوكو بقالب نقدي ما أسماه بـ “دولنه البيولوجيا” أي نزعة الحكومات للاهتمام المتنامي بالحياة أو بالإنسان بوصفه كائناً حياً، وما يمكن أن ينجم عنها من آثار سلبية من جراء التحكم والسيطرة والتوجيه. انظر: ميشيل فوكو (2003) يجب الدفاع عن المجتمع، ترجمة: الزواوي بغوره، بيروت: دار الطليعة، ص 233.
[4] سعيد ناشيد (2018)، التداوي بالفلسفة، بيروت: دار التنوير، ص 66.
[5] انظر: أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن رشد (1999)، الكليات في الطب، تحقيق مجموعة بإشراف محمد عابد الجابري، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ط 1، ص 131.
[6] موفق الدين أبو العباس أحمد بن القاسم الخزرجي (ابن أبي أُصَيبعة) (1996)، عيون الأنباء في طبقات الأطباء، تحقيق: عامر النجار، القاهرة: دار المعارف، ص 151.
[7] الكليات في الطب، المرجع السابق، ص 128، 469.
[8] الكليات في الطب، ص 129-132.
[9] يقال أمرضَ الإنسانُ أي صار ذا مرض. والمعني هنا أنه تعرض للإصابة بمرض معين.
[10] ومن ذلك قوله: “فإن الكليات المكتوبة في هذه الصناعة يلحقها عند إيجادها في المواد، أعراضُ ليس يمكن أن تُكتب، فإذا زاول الإنسانُ أعمال هذه الصناعة، حصلت له مقدمات تجريبية يقدر بها أن يوجد تلك الكليات في المواد، وذلك كالحال في الصناعات العملية التي تستعمل الرويَّة كالملاحة وقود الجيوش”، انظر : الكليات في الطب، ص 130-131.
[11] عيون الأنباء في طبقات الأطباء، المرجع السابق.
[12] سبقتْ لي بلورة مفهوم “الأنفة الثقافية” قبل عدة سنوات، ليعكس مدى قبول الأفكار والنماذج والنظريات التي تتناغم أو لا تتناغم مع المركَّب الحضاري العربي الإسلامي. ثم شسَّعتُ هذا المفهومَ ليجسد “عائلة مفاهيمية” تعكس الجوانب العديدة للأنفة المنشودة المفقودة في مختلف ميادين التمدن والتحضر وامتلاك القوة وعوامل التأثير والانعتاق من التبعية، فنقول مثلاً: الأنفة اللغوية، الأنفة التنموية، الأنفة البحثية، وها نحن اليوم نشهد ميلاد أنفةٍ جديدة: الأنفة الطبية. ويكون مفهومنا بهذا مفهوماً جواداً ولاَّداً، إذ يسعنا أن نشتق منه كلَ ما نفتقر إليه من أنفاتٍ تُكمِّل الحلقة الكبرى للأنفة الثقافية المتوخاة. والله المستعان.
** نقلا عن موقع أثرة
واقرأ أيضًا:
لا تدعْ أحداً يصنعُ لك نكهةَ موتِك! / طرق الحاج بوصفها بذوراً للتوطين والتنمية