وَعَظ: نصحَ وذَكَّر بالعَوَاقِب.
اتَّعَظ: قَبِلَ المَوْعِظَة، وائْتَمَر، وكَفَّ نفسه.
الوعظ: النُصْح.
الاتِّعَاظ: هو التعلُّم من تجارب الآخرين، ووعي العواقب المُتَرَتِّبة عن السلوك.
فهل يتَّعِظ البشر بتجارب غيره؟
لكي تتَّعظ يجب أن تكون عاقلًا، أي تستعمل عقلك، وبما أنَّ البشر في معظمه مخلوقات عاطفية، فإنَّ تَعْطِيل العقل نزعة فاعلة فيهم، فالعقل العاطل لا يمكنه أن يمارس فعل الاتِّعَاظ.
والعجيب في الطَّبْعِ البشري أنه لا يتعلَّم حتى من تجاربه الخاصة، وتَجِدُه مُنْدَفِع وفقًا لإرادة بوصلة عواطفه ومشاعره الفاعلة فيه.
ولهذا فالأجيال لا تتعَلَّم من الأجيال التي سبقتها، والتنافر قائمٌ بينها، و"ما فات مات، وما هو آتٍ آت"، وتلك قوانين الحياة المبنية على التَّنازُع وسفك الدماء.
فالمواعظ لا تُقَدِّم ولا تُؤَخِّر، ولو أنها ذات دور وقيمة سلوكية لما وصلت أحوال بعض المجتمعات التي تَزْدَحِمُ فيها المَنَابِر بالواعظين إلى أسفل سافلين.
وفي القرآن: "يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين" الأعراف: 79
إن من أصعب الأمور أن يُقْبِلَ البشر نصيحة بشر آخر لأنه لا يَظُنُّ خيرًا في غيره.
وفي الحديث: "الدين النصيحة".
فهل أن الدين تفاعل عقلي؟ أم انتماء عاطفي وقلبي؟ فكيف يمكن الارتقاء به إلى مرتبة العقل لكي يكون للنصيحة دورها؟.. وفي هذا الحديث إشارة لتفعيل العقل في الدين.
ويقول نصر بن سيار: "اسمع نصيحة ذي لُبٍّ وتجربة، يُفِدْك في اليوم ما في دهره عَلِما".
ومَن يسمع؟!
البشر لا يمكنه استيعاب تجارب غيره مهما كانت واضحة، بل هو عاجزٌ عن استيعاب تجاربه الشخصية، فهو مخلوقٌ مُتخَبِّط مُضْطَرِب، فمهما بَدَت أعماله على أنها ذات معايير وضوابط سلوكية، لكنها في جوهرها مُنْفَلِتَة وتتحكم بها النفس الأمّارة بالرغائب والعجائب.
ولهذا فالمواعظ الخطابية والكتابية بأنواعها لا تنفع، وهي مجرد كلام خالٍ من التأثيرات السلوكية، فالانفعالية مُتَسَلِّطَة وفاعلة في المجتمعات البشرية، وتستعبد أكبر العقول لتمرير نوازُعِهُا الدَّفِينَة وتطلُّعَاتها المَطْمُورة... وتلك مأساة البشر بالبشر!.
واقرأ أيضاً:
الاستبداد طبعنا / التناسل والحياة / الانتحار والتبريرات الكاذبة