"لن"، وما أدراك ما "لن"!، وكم من المرَّات تردَّدت في كتاباتنا وخطاباتنا الرَّنَّانة الفَجَّة المُحَدِّقَة في الفراغ... "لن نخضع للمؤامرات"، "لن يهزمنا الإرهاب"، "لن نستسلم للطَّامِعِين بنا"، " لن ننكسر"، " لن نتنازل"، فأرشيف كلامنا بأنواعه ثَرِي بعبارات تبدأ بكلمة "لن"!.. وما حقَّقْنا إلَّا عبارة واحدة، وبفخر وامتياز، وصدق وتفاني وفِدَاء... إنَّها عبارة "لن نكون"!.
تُرَى لماذا نستعمل "لن" كثيرًا في كلامنا؟!
لن حرف نفي ونصب واستقبال يدخل على الفعل المضارع فَيَنْصُبُه، ويَنْفِي معناه، ويُحَوِّلُه من الحاضر إلى المستقبل، وقد يكون نفي الفعل على سبيل التأييد... وتُشيرُ إلى قوة القائل، فهي أحد أدوات التَّوْهِيم بالقوة والقدرة وتحقيق المطلوب بالكلام، وتمنع ما لا يتَّفِق وما يَلِيها من الكلمات... لكنها في ذات الوقت تملأ نفس قائلها بالقوة الكاذبة والقدرة السَرَابِيَّة، وتزيده انتفاخًا حتى ينفجر في مكانه، وبتكرارها يتعَزَّز الوهم في أعماق الشخص، ويتصَرَّف وكأنَّه القادر القدير والمُسْتَبِد الكبير.
لن تنصب الفعل المضارع (لن يذهبَ، لن يكتبَ)، وما نريد بها أن نكون مَنصُوبين، والذي يُنصَب مفعول به، ولهذا فإن مسيرة (لن) نَصَبَتْنا، واستَحْضَرَت الفاعل فينا إلينا من كل حَدَبٍ وصَوْبٍ... ولازلنا نُرَدِّد "لن"، وما لنا منها إلا الانكسار والمِحَن!.
فإلى متى سنبقى ندور في دوَّامَة "لن"؟!
واقرأ أيضاً:
التوالد والتخامد والعقل الواعد / يا أمّة عَجِبَتْ من سلوكها الأمم!! / مرآة آثام القرون