تلك حقيقة أَزَلِيَّة قد تَغِيب عن السياسيين في مجتمعات عديدة، مِمَّا يَتَسَبَّبُ بتفاعلات سلبية مُضِرَّة بأطراف الصراع... فالأوطان مهما تَوَهَّم المُعْتَدُون عليها، أو الذين تَسَنَّمُوا السُّلْطَة فيها بأنها مِلْكُهُم وسُيُقَرِّرُون مَصِيرَها، فإنَّها في نهاية المَطَاف ستقرر ما تريد، وسَتُوَاجِهُهُم بما اقترفوه من جرائم ضِدَّها.
أي أنَّ الأوطان مُنْتَصِرَةٌ دومًا، ويَنْهَزِم مَن يحاول اغتيالها والنَّيْلَ من كَيَانِها وما يُمَيِّزُها ويُشِيرُ إليها... وهذا ما يُحَدِّثُنا به التاريخ، فلا يُوجَد نظام سياسي مهما تَقَوَّى واسْتَبَدَّ وتَحَكَّم بالبلاد والعباد قد فاز بما يرى ويريد، وإنَّما يَنْقَلِب سِحْرُه عليه، ويصبح هَشِيمًا تحت الكرسي الذي كان يَتَرَبَّع عليه.
انظروا ما تشاؤون من الأنظمة السياسية فيما تختارونه من الأوطان، وستكتشفون أن عَائِدِيَّةِ الأوطان لأهلها، والذين تحَكَّمُوا فيها لفترات ذهبوا مع الريح... فالأوطان باقِيَةٌ مِلْكًا لأهلها والذين حاولوا امتلاكها والنَّيْلَ من أهلها طَوَتْهُم إرادة الصبر والصمود والقدرة على البقاء والحياة، فالأوطان أعمارها خالدة، وأعمار الذين يَقْبِضُون على عُنُقِها قصيرة وَوَاهِيَة، ونهاياتهم واضحة ومعروفة ومُتَكَرِّرَة عبر الأجيال.
فلماذا لا يَعْتَبِرُ السياسيون، ويؤمنون بأن الأوطان مِلْكُ أهلها وعليهم أن يتفاعلوا معها على هذا الأساس بدلًا من الانحراف والمَيْلِ إلى احتكارها وحِرْمَان أهلها منها؟
إنه طَبْعٌ بَشَرِيٌّ عجيب ومتواصل، فحالما يشعر البشر بالقوة تَنْفَلِتُ في أعماقه رغبات أمَّارَات السوء، وتَفْعَلُ فِعْلَهَا في كَيَانِه، وتستحوذ على بصيرته، وتَمْتَطِي عَقْلَه لتنفيذ إرادتها الشَّوْهَاء، فيتحَوَّل السَّاسَة إلى دُمَى تُحَرِّكُهُم نَوَازِعُهُم الشَّرِهَة، وتدفع بهم إلى بِئْسَ المصير، وهم في غقلتهم يعمهون.
فهل توجد قدرة على المُوَازَنَة ما بين الأوطان وأهلها والقوى التي تُدِيرُ دَفَّة الأمور فيها؟
إن البشرية بِحَاجَة إلى قُوَّة دُسْتُورِيَّة وعَقْدِ اجتماعي يُوَازِنُ ما بين إرادة الأوطان والمواطنين والسُّلُطَات الفَاعِلَة فيهما... وقد نجحت بعضها، ولاتزال أكثرها تَتَخَبَّط في ظُلُمَات النفوس الدَّهْمَاء!.. ولا بُدَّ من حَلٍّ لهذا الإشكال لِتَسْتَقِيم مَسِيرَةُ الحياة.
واقرأ أيضاً:
الكراهية، وما أدراك ما هيّ / استثمار القمر واستحضار الخَطَر!! / مختصر المصير العربي