الجنس وأزمة عَقْلَنَةِ الأخلاق
وصلنا من "merabet mohamed" (موظف حكومي 30 سنة مسلم) ما يلي:
أردت التعليق على هذا الموضوع ولم أستَطِع نشره
السلام عليكم أستاذ خالدي... تعجبني طريقة تحليلك للتَّصَرُّفات التي تبدو بسيطة، ومن خلال مطالعتي لبعض مقالاتك وردودك لاحظت بأنك على اطِّلَاع كبير على أوساط المُتَدَيِّنِين، ومن الجيد جدًّا تقديم نصائح ونَقْدِ بنَّاء لبعض تصرفاتهم، وذلك بالنَّظر إليها من الجانب النفسي، والتفريق بين ما يأتي من نفسياتنا وما مصدره التشريع.
لديَّ ملاحظة عامة صغيرة: قد تكون هناك سِمَات عامة منتشرة في أوساط المتدينين، لكن هذا لا يعني أن الجميع يتَطَبَّع بها، وهذا ما أرجو أن تأخذه بعين الاعتبارات في الاستشارات.
ثانيًا: في بعض الأحيان في انتقادك لفهم المتدينين للدين يشعر القارىء أن ردَّك وكأن فيه نوع من التَّذَمُّر على الفهم الحالي، الأمر الذي يَقُودك إلى التَّمَرُّد حتى على بعض الأفكار والمعلومات الأصيلة الثابتة، يعني الأمر أشبه برَدِّ أقوى من اللازم.
ملاحظة أخيرة: في قولك هنا "وهذا شبيه بمُصَادَرة من أشهر المُغَالَطات: التعاسة تُلَاحِق من كفر بالإسلام أو عصى خالقه!"... فهُنَا توجد آية قرآنية: "وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ" (124)... هل يمكن أن تكون معيشةً ضنكى دون تعاسة؟
أنا معك في فكرة أنه حتى في الحرام لذَّة، ولذلك حُفَّت النار بالشهوات وحُفَّت الجنة بالمكاره... هل يمكن الجمع بين الأمرين بأن للحرام لذَّات لَحْظِيَّة، لكن هناك آثار أخرى تجعل حياته مُرْهِقَة؟ أم أنَّ الأمر هنا لا يتعلَق بإتْيَان المحرمات، ومخصوص بالإعْرَاض عن ذكر الله؟
merabet mohamed
29/3/2021
وعليكم السلام الأخ مرابط... أشكرك على اهتمامك بمقالاتي ورُدُودِي وكلماتك الطيبة.
ملاحظتك في محلّها، ليس كل مُتَدَيِّن على شَاكِلَة واحدة، وهذا مما أعرفه طبعًا، لكني قد أردّ على ما تُبْدِيهِ الاستشارة من علامات معينة وتصورات محددة، وكما قد يظهر لك ولغيرك من القُرَّاء، فإنّ القواسم المشتركة والسِّمَات العامة كما سمّيتها هي كثيرة ومتكررة، لكن إن عَمَّمْتُ يومًا ما (وما كان عليّ أن أفعل) فأعتذر عن ذلك.
ردودي فعلًا تُعبِّر عن موقف فكري ونفسي لا يخلو من التذمّر، وكل عاقل يرى ما لا يُعقَل فسيتذمّر منه، والردود القوية نحتاجها أحيانًا حتى لا نُمَيِّع قضية الفهم الصحيح، لأنّ الأمر يبدو بسيطًا أحيانًا لكنّه كارثي على المستوى النفسي والتَّبِعَات الاجتماعية، وهذا لا يظهر لصاحب ذلك السلوك أو من يتَّفِقُ معه، لذلك قد يبدو الرد قويًّا أكثر من اللازم.
الآية التي أَوْرَدْتَها هي من الآيات التي اخْتُلِف فيها كثيرًا، لكن يَحْلُو للمسلمين أن يأخذوا بالتفسير الذي يقول أنها تقصد الحياة الدنيا وليس الآخرة أو القبر، وهذا لغرض تَبْخِيس الآخر الكافر، بمعنى أن الآية هنا والدين يَصِيرُ خادمًا لتضخّم أنانية المسلمين وإقصائهم للآخر ونَعْتِهِ بالقَبَائِح والنَّقَائِص، وإلَّا لماذا لا يعتبرونها مُتَشَابهة أو في الآخرة؟... من هنا سيظهر لك أن ما تَصِفُه بأنه معلومات ثابتة وأصيلة قد لا تكون كذلك بالنسبة لي أو لمن يَنْتَقِدُها عمومًا... ذِكْرُ الله هنا ليس تسبيحًا، بل هو استذكار الله واستحضاره، لاحظ أن التسبيح وذكر الله باللسان يُذْكَر في القرآن بلفظ "سبِّح باسم ربك" أو "اذكر اسم ربك" وليس بلفظ "ذكر" وهذا مثل آية "وهم عن ذِكْرِ الرَّحْمَان مُعْرِضُون"، فالمقصود هو الوحي عمومًا واستحضار الله توحيدًا وطاعةً.
سؤالك الأخير: هل الأمر مُتَعَلِّق بالذِّكر لا بالمُحَرَّمَات؟
بعد أن تعرف وجهة نظري هذه، سيبدو لك السؤال غير صحيح من الأساس، لأن السعادة والاطمئنان حالة نفسية ترجع لمُعْتَقَدِ صاحبها، فإن اعتقدت بأن المسيح هو ابن الله وصُلِبَ من أجلك فستكون سعيدًا، وسيضيق صدرك بالإسلام، وإن كنت ترتاح للإلحاد فسيضيق صدرك بالدين والعكس... هنا يظهر إشكالًا لا يقدر على تَقَّبُّلِه الكثيرون، وهو "ما دامت الحالة النفسية مُحَايِدَة ولا تُوحِي بأحَقِّيِّة ما أنا عليه من دين ومُعْتَقَد"، وهذا يعني أن الأمر نسبي ولا نقدر على معرفة ما هو الحق من خلال أهواءنا وراحتنا النفسية... وهو سؤال مهمّ وجوابه هو "نعم" لا يمكنك أن تعرف بمجرد الحالة النفسية، وتأمَّل آية أخرى "وإذا ذُكر الله وحده اشمأزَّت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة" أو "نجعل صدره ضيقًا حرجًا" بمعنى أن النفس تضيق بالحق إن كانت تعتقده باطلًا!، وهذا دليل ضد فكرة أن الاطمئنان النفسي مُتَعَلِّق بأن يَعْتَنِق صاحبه الحق لأنه كان أكثر راحة واطمئنانًا لغير الإسلام (شرطَ أن يعتقد أن غير الإسلام صحيح).
من هنا ستعرف أن السؤال الذي يبدو لك بديهيًّا لا يظهر لي سؤالًا بديهيًّا، بل هو سؤال مَغْلُوط من الأساس لأنه قائم على أساسيات ومُسَلَّمات خاطئة، لا من جهة العقل وعلم النفس فقط، بل حتى من جهة الدين في بعض قواعده ونصوصه وإن كانت خفية وباهتة أمام العَجْعَجَة التي يقدّمها الفقهاء والوُعَّاظ بالنصوص المُتَدَاوَلَة التي تُرَوِّج لمُعْتَقَدَات مُرِيحَة ومُضَخِّمة للأنا أو "النحن" لدى المسلمين.
تحيّاتي، ونشكر لك تساؤلاتك هذه.
واقرأ أيضاً:
حجة الأسباب النفسية للإلحاد ! / هل هناك فرق بين العشق والحب / الكذب نوعان