أُمَّتُنا تَكْون، وإرادة "أَكُون" عندما تَتَجَلَّى في رُبُوعها، فإنَّها كائِنَة لا مَحَالة. والأمم التي تكوَّنت أقَلَّ من قدراتها وطاقاتها، لكنها صمَّمَت على أن تكون وتتأَكَّد في عصر الكينونة الإبداعية الابتكارية المُتَجَدِّدَة.
ومن الغريب أن يستَمِرَّ مُفَكِّرُو الأُمَّة على ذات النَّهْج الذي سَلَكُوه منذ منتصف القرن التاسع عشر، وخُلاصَتُه التَّقْلِيل من شأن الأمة وتأكيد قُعُودْها وعجزها وتأخرها ودُونِيِّتَها، وما قدَّمُوا مِنْهَاجَ نهوض حضاري يتَوَافَق وعناصرها الجوهرية المُتَوَقِّدَة. وتَجَدُنا اليَوْمَ أَمَام طابور من المُفَكِّرِين والأكادِيمِيِّين الذين يَحُطُّون من قيمة الأمة ويَنْفُون دورها وقدرتها على التواصل مع عصرها وبناء وجودها الإنساني القويم. وأدِلَّتُهم ضعيفة ونظرِيَّة خالية من البراهين القوية، لكِنَّهُم يَسْتَغِلُّون مواصفاتهم للنَّيْلِ من قدرات الأمة. ولا يزالون مُمْعِنِين في آبار "لماذا؟" الظَّلْمَاء، ويخشون الخَوْضَ في أنهار "كيف؟" اللَّازمة لصناعة الحياة المُتَوَافِقَة مع إرادة الأمة. إنهم يخافون "كيف؟"، ويُمْعِنُون في العَمَهِ في ظلمات "لماذا؟"، ويحسبهم الناس مُفَكِّرِين وأكاديميِّين يجب أن يُؤخَذ بآرائهم التي تُرْفِد العجز والقُنُوط، وهم المُسَاهِمُون بتدمير الأمة وقُعُودِها على قارعة دُرُوبِ التَّحَدِّيات.
إن الأُمَّة تكون، ولَسَوْفَ تَكُون رغم ادِّعَاءات المُفَكِّرين والأكاديميِّين المُنْغَلِقين الجامِدِين المُحَنَّطِين بين الأفكار الانهزامية والتَّصَوُّرات القُنُوطِيَّة الخالية من مِدَاد الحياة، فهم مَيِّتُون ومُقْعَدُون ويَعْكِسُون عَوْقَهَم الحضاري على الأمة، ولا يُصَدِّقُون ولا يَخْطُر على بالهم أن الأمة يمكنها أن تكون وتتحَقَّق وترتقي وتُواكِب العصر. وسبب توَجُّهَاتُهم القُنُوطية هو أُمِّيَّة تاريخية أو تخصصات ضَيِّقَة من خلالها يقرأون الواقع والأحداث، ويُغْفِلون الكثير من العوامل والعناصر القابلة للتغيير والفاعلة في تَعْوِيق إرادة الأمة وتَحْجِيم دورها الحضاري والإنساني.
والذين يقولون أن الأُمَّة لا تُشارِك في صناعة الحضارة المُعَاصِرَة يُكَذِّبُون، فَلَا يَخْلُو مركز بحثي أو مُؤَسَّسة عَلْمية في الدنيا من العقول العربية المشاركة في صناعة الإبداعات الأصيلة. فَتِّشُوا مؤسسات الدول الغربي، فَمِنَ النادر ألَّا تَجِدُوا فيها عقولًا عربية مُسَاهِمَة في الإبداع الدَّافِق منها.
إن الحضارة اليَوْم إنسانية عالمية، ولا يمكن القول حَصْرًا أنَّها من إنتاج هذه الأمة دون غيرها أو هذا الشعب دون غيره، فنحن نَعِيش في زمن تفاعل عقول البشرية كافَّة لصناعة الوجود الذي نحن فيه. وأقولها بكل ثِقَة وأَمَل صادق أن الأمة حَيَّة ومُسَاهِمَة في صناعة الحياة الحضارية المُعاصِرَة، ويمكنها أن تَنْطَلِق من أرضها إذا توَفَرَّت لديها أنظمة حكم ترعى العقول. فَلْيَصْمُت مَن يُسَمُّون أنفسهم مُفَكِّرَين وأكاديمِيِّين، فَهُمْ في تَصَوُّراتهم الضَّيِّقَة وأَوْهَامِهِم يَعْمَهُون!
واقرأ أيضاً:
الكلمة والكلمة / تُرَاث أُمَّتِي / الأديان لا تتحاور / مصر التي في خاطري