الاستماع إلى الآخرين هو ما ينادي به الجميع من أجل تحسين الصحة العقلية للمواطنين. يستعمل الناس مصطلح المشورة Counseling ويطالب به الجميع في مختلف الخدمات الطبية الأولية والثانوية للوقاية من الاضطرابات العقلية وعواقب التوتر والضغط النفسي.
كان المصطلح المعروف في السابق هو العلاج النفسي Psychotherapy ولكن استعمال هذا المصطلح يقتصر الآن على أصناف معينة من العلاج النفسي. رغم ذلك فإن إطار العلاج النفسي لا يختلف كثيراً عن إطار المشورة. وحتى فعالية العلاج السلوكي المعرفي (ع.س.م CBT) أو العلاج النفسي الحركي Psychodynamic Therapy لا تختلف عن المشورة الكلامية رغم وفرة المصطلحات الرنانة لوصف هذا العلاج وذاك. لكن هناك حقيقة أخرى وهي أن فعالية العلاج الكلامي لا تعلو على فعالية العقاقير المستعملة لعلاج الاكتئاب والقلق كما يتصور البعض وأن نصف من يتوجه إلى المشورة والعلاج الكلامي ينهي علاجه ويحكم عليه بخيبة الأمل.
العلاج النفسي القديم
كان الإنسان الذي يشعر بالذنب ويرتكب المعاصي أو يشعر بالاكتئاب يتوجه إلى رجل الدين الذي بدوره يقدم العلاج النفسي. يستمع رجل الدين إلى مراجعه ويقدم له المواعظ، واحياناً يوصي بفعاليات وطقوس معينة لكي يكفر الإنسان عن خطيئته أو يتخلص من أفكاره أو يصلح سلوكه. لا تزال استشارة رجل الدين موجودة حتى يومنا هذا، والكثير منهم (مختلف الأديان والطوائف) يستمع ويوعظ ويرشد، ولا يمكن القول بأنهم لا يقدمون خدمات لا تستحق الذكر. على العكس نرى أن الكثير منهم وخاصة في العالم الغربي يتدرب على مبادئ المشورة النفسية التي يمارسها غير رجال الدين.
كان رجل الدين في السابق يصدر حكمه على من يستشيره في أسراره استناداً إلى خلفيته الدينية، ولكن الكثير منهم هذه الأيام يتجنب ذلك ويحاول استعمال قواعد الاستماع والمشورة مستهدفاً تحسن مشاعر مستشيره وتجنب استغلاله بصورة أو أخرى.
العلاج النفسي الحاضر
سلوكيات الإنسان ومشاعره تميل إلى الاستقطاب:
١- هناك الحسن الجيد مقابل الشرير
٢- هناك الصحيح مقابل الخطأ
٣- هناك الجميل مقابل القبيح
هذه المعاني يتم تثبيتها عبر قواعد وأحكام لها نفوذ على الإنسان مثل الشريعة الدينية والقوانين الاجتماعية. لكن في عالم المشورة والاستماع إلى الآخرين، يستند المعالج إلى قواعد الإنسانية Humanism الذي ظهر منذ عدة قرون ويمكن تلخيصها بأن الإنسان هو المصدر النهائي لمعنى سلوكه وأن إرادته بالتالي هي السلطة العليا التي تفسر سلوكه ومشاعره. ترى شعارات الإنسانية على مدى القرون الماضية حتى يومنا هذا هي:
١- استمع الى نفسك
٢- كن صادقاً مع نفسك
٣- ثق بنفسك
٤- اتبع قلبك
٥- افعل ما هو صالح
مثال: يراجع الفرد معالجاً نفسيا هذه الأيام بعد شعوره بتعكر المزاج بسبب خطيئة ارتكبها مثل علاقة غير شرعية مع امرأة. المعالج النفسي (بل وأحياناً حتى رجل الدين المسلم أو المسيحي أو اليهودي) لا يتفوه بجملة مثل: ارتكبت خطيئة لا تغتفر أو عليك اللعنة أو غير ذلك، ولكنه أيضاً في نفس الوقت لن يقول له حسناً ما فعلت لكي تتحمل زواج فاشل أو لا تبالي بما فعلت. الذي يفعله معالج الْيَوْمَ هو توجيه السؤال بصوت دافئ: "حسناً، ما هي مشاعرك تجاه ما حدث؟".
إميل والإنسانية
إميل Emile أو دراسة في التعليم هي أشهر كتابات الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو. هذه الرواية أصبحت الكتاب المقدس في الشعور في القرن الثامن عشر. تم نشرها بالفرنسية عام ١٧٦٢ وتم حرق الكتاب علنياً في باريس وجنيف. تم ترجمة الرواية إلى الإنكليزية عام ١٧٦٣. بعد قيام الثورة الفرنسية أصبحت إميل مصدر إلهام لنظام وطني جديد في التعليم انتشر عبر النصف الغربي من كوكب الأرض.
بحث روسو عن قواعد الحياة للسلوك وعثر عليها " في أعماق القلب، تتبعها في طبيعة الشخصيات التي لا يمكن محوها. ما أحتاجه استشارة نفسي فيما أتمنى أن أفعله، ما أشعر به صالحا هو الصالح، وما أشعر به باطلاً هو الباطل".
ما يقدمه الناصح لك هذه الأيام ببساطة هو:
المساعدة على الاتصال بمشاعرك الداخلية الخاصة.
المراجع
Pybis G, Saxon D, Hill A, Barkham M (2017). The comparative effectiveness and efficiency of cognitive behaviour therapy and generic counselling in the treatment of depression:evidence from the 2nd UK National Audit of psychological therapies. BMC Psychiatry 17: 2015
واقرأ أيضًا:
خلف الستار العائلي... الإفراط الجنسي / التوقعات الأبوية (الوالدية) Parental Expectations