الأجيال تَتَرَبَّى على أنَّها متأخِّرَة ومُتَخَلِّفَة ولا يمكنها أن تتقدم، بل أن تتقهقر وتدفن نفسها في رِمَال الغابرات، فهي مَيِّتة وأمواتها الأحياء. فالأجيال تتعلَّم في مراحل الابتدائية أن الثُّالُوث المُقَدَّس (الفقر والجهل والمرض) مُتَأَصِّل فيها ورَاسِخ إلى الأبد، وأنَّ عليها أن تُعَطِّلَ عقلها وإرادتها وتستَسْلِم لِمَخَالِبِه النَّاشِبَة فيها.
ودارت العقود والقرون، والفقر والجهل والمرض سَيِّدَان يتَمَلَّكان الوعي الجَمْعِي في أرجاء أُمَّة ذات طاقات حضارية فَيَّاضَة. وفي بداية العِقْد الثالث من القرن الحادي والعشرين تَنْشَط جِهَات مُتَعَدِّدة لتَرْسِيخ مفاهيم العجز والتَّبَعِيَّة والاعتماد على الغير، وإِيهَام أبناء الأمة بأنهم عَالَة على الحياة وأن الدنيا لن تخسر شيئًا إذا غابوا عنها. وفي هذا اعتداء سَافِرٌ على وجود الأمة وجوهر ذاتها.
وحجة أكثرهم تَسْتَنِد على التكنولوجيا والاختراعات والابتكارات، ويُلْصِقُون بالعرب تُهمَةَ عدم القدرة على العَطَاء التكنولوجي في زمن ما عادت التكنولوجيا عَائِقًا، فكُلُّ مجتمع يمكنه أن يستحضر الوسائل التكنولوجية ويُسَخِّرُها لغاياته المُعاصِرَة. فالعرب لديهم المهندسين والمُتَخَصِّصِين والعلماء القادرين على العمل التكنولوجي وتصنيع ما يريدونه، فلا يُوجَد مجتمع مُتأَخِّر بهذا المِضْمَار، فالتكنولوجيا مُتَيَسِّرَة للجميع.
المشكلة في غياب الرغبة والإرادة والاندفاع، وكثرة الخطابات التَّعْجِيزِيَّة التَّدْمِيرِيَّة للعزيمة العربية، وتهويل أمر التكنولوجيا واعتبارها أمرًا يستحيل عليهم الإمساك به. وهذا إِفْكٌ وبُهتان لا رصيد له من الواقع. فماذا يعمل المهندسون؟ ولماذا لا تُتَاح لهم فرص ممارسة اختصاصاتهم بحرية ودعم من الحكومات؟ ولماذا لا يَتِمُّ توفير ما يحتاجونه من مستلزمات لبناء صَرْح التكنولوجيا في بلدانهم؟
إنها لعبة مَرُسومَة ومقصودة، فالعرب لديهم القدرات للتعامل مع كافة المُستَجَدَّات المُعاصِرَة، ويمكنهم أن يتواكبوا ويعاصروا ويُضاهُوا بإنتاجهم دول الدنيا الأخرى التي تطورت تكنولوجيًّا. فالعيب ليس في العرب، وإنَّما في الكراسي وأَبْوَاقِها الإعلامية التي تُهِين العَرَب!
واقرأ أيضاً:
الأوطان حية لا تموت / أمة العلم والعلم!! / اللغة والتفكير