سُلوكِيَّاتنا التي تنتهي إلى نتيجة بلا فائدة تتَكَرَّر في حياتنا، ولا نتعَلَّم منها ونتجاوزها، بل نُمْعِنُ بإعادة العمل بها وبإصرار عَبَثِي مُرَوِّع. فالذي تشترك به تفاعلاتنا بأنواعها هو العَبَثِيَّة: علاقاتنا، معارِكُنا، خِطَابَاتُنا، كتابَاتُنا، وما نَرَاه ونَتَصَوَّرُه من إنتاج العَبَثِيَّة الفاعلة فينا.
لو تصَفَّحنا مَسِيرَتَنا منذ نهاية القرن التاسع عشر إلى اليوم فلن نَسْتَخْلِصَ منها إلَّا العَبَث كَقَاسِم مُشتَرك وفاعل مُهَيْمِن ومُدَبِّر لِمَآلَاتها.
حروبنا عَبَثِيَّة!
أنظمة حُكمِنَا عبثية!
أحزابنا عبثية!
مذاهبنا عبثية!
أهدافُنا عبثية!
فنَشَاطَاتُنا تُعَبِّر بوضوح عن العَبَثِيّة المُسْتَفحِلَة في أعماقنا! فلماذا نَمِيل للعَبَثِيَّة؟!
الجواب الأَصْوَب أنَّنا لا نؤمن بالعقل، ونجتهد بتَعْطِيلِه.
وعندما نتساءل "كيف نتحَرَّر من عُبُودِيَّة العَبَثِيَّة؟" يكون الجواب "بتفعيل العقل وتطهيره من أَصْفاد الضلال والبهتان". فالعَبَثِيَّة ناجِمَة عن ردود أفعال انعكاسية طائِشَة يَتِمُّ تحميلها ما لا تُطِيقُه من الأوهام لِتَبْرِير حدوثها والتَّمَسُّك بها، فعلى سبيل المثال الحركات والأحزاب تَطْرَحُ نَظرِيَّات وأهدافًا عبثية، وتَنْطَلِق في تبريرها بتَصَوُّرات لا تقترب من الواقع، وتَتَوَهَّم بأنَّها على حق حتَّى تنتهي إلى مُنَاطَحَة صَخْرَة الواقع الذي يفْقِدُها وَعْيَها ويُعلِنُ عن نهايتها القاسية, وهذا شأن أحزابنا وحركاتنا العبثية التي ارتكبت مآثِمَهَا وخَطَايَاها في مجتمعاتنا على مدى القرن العشرين (ولا تزال).
إن فُقدَان العقل الفاعل المُنِير القادر على التفاعل الواعي مع التحديات هو مَنْبَع السلوك العَبَثِي الذي أَنْهَك الأجيال وجَفَّف أَضْرُع البِلدان التي نُعادِيهَا بعَبَثِيَّتِنا الدَّهْمَاء!
فهل من عَقْلٍ يُنير؟
واقرأ أيضاً:
التَّقدُّم والتأخُّر والتخلُّف والعرب! / النِّيل المُوَازِي والنَّهْرَان / المُفَكِّرُون يُنَظِّرُون!