• يقال أن العالم أصبح كقرية صغيرة مع الترابط الكبير بين دول العالم عبر شبكات الإنترنت وبات ما يحدث في أصغر قرية في الصين معلوما لدى العالم كله، قد يكون هذا الشيء شيئًا جيداً في بعض الأحيان ولكن هناك وجها سيئا له.
• قد يكون التعرض المتكرر لصور وسائط الإعلام للأحداث الصادمة ضارًا بالصحة العقلية والجسدية ومع التطور السريع الحاصل في حياتنا حيث أصبح العالم بأجمعه لا يبعد عنا أكثر من ضغطة زر، فيتنقل المرء بين قنوات الأخبار على مدار 24 ساعة إلى يوتيوب وتويتر وفيسبوك ولا تنتهي القائمة، فيمكن لوسائل الإعلام اليوم تحويل الكوارث المحلية إلى أحداث دولية في غضون دقائق، ونقل تأثير الكارثة إلى ما هو أبعد من أولئك الذين يتعرضون لها بشكل مباشر، مما يحول الكارثة المحلية إلى ما يسميه الباحثون صدمة جماعية.
• فحديثنا اليوم عن ظاهرة قديمة حديثة، إدمان بدأ ينخر العقول والنفسيات والأجساد وبدون أن يشعر به أحد.
• منذ أن ظهر وباء كورونا العام الماضي وتفاقمت الأمور بسرعة غير اعتيادية، لم يتوقف بعضنا عن تصفح المواقع الإخبارية ومتابعة الأخبار، بغضّ النظر عن مدى فظاعتها وتأثيرها السلبي على حياتنا النفسية بشكل خاص، وعلى الرغم من أنه قد يبدو كما لو أن عام 2020 وجميع مآسيه ومصائبه التي حملها إلينا (جائحة COVID-19 والتوترات السياسية والكوارث الإنسانية والظلم الاجتماعي على سبيل المثال لا الحصر) من شأنه أن يسبب ظهور مصطلح "إدمان البحث عن أخبار الموت"، بعد أن أصبح معظم الأفراد يمضون ساعات طويلة في متابعة وملاحقة الأخبار السيئة على شبكة الإنترنت، لدرجة أن هذا المصطلح أضحى كلمة العام من دون منازع، وأضيف إلى قاموس أكسفورد الإنجليزي، إلا أنه في الواقع قد ظهر فعليا على Twitter في عام 2018 وكان مصطلحا ثقافيا حينئذ، فهو ظاهرة قديمة ولكنها توسعت بالانتشار وتجذرت في المجتمع خلال السنوات الأخيرة بسبب ظروف الحظر.
• وقد حدث السلوك ذاته في أوقات الحروب والاضطرابات أو الكوارث الإنسانية والطبيعية، فالجميع يبحث بطريقة ما عن هذه الأخبار السيئة وصور الأشلاء والدمار وأعداد الوفيات وأناس يتساقطون في الطرقات موتى.
• إن هذا السلوك البشري المتمثل بمتابعة وتتبع الأخبار السلبية ليس جديداً، إذ لطالما امتلك الناس عقلية تعجز عن إشاحة النظر بعيداً عن حادث السيارة، والمقصود هنا العجز عن عدم متابعة الأخبار، مهما كان وقعها قاسياً عليهم.
• إذن فهو سلوك بشري معتاد ومتوقع نوعا ما، ولكن مع التطورات التكنلوجية في جهة وانعدام الإحساس بالأمان الذي توِّج بوباء كورنا، تحوّل هذا الانغماس في مطالعة الأخبار السلبية إلى إدمان شبيه بإدمان المرء على القمار، وظهرت آثاره على الناس، حتى أصبح اعتباره إدمان العصر الجديد.
• فإذاً لو حدث وأن أمضيت عدة دقائق أو ربما حتى ساعات منغمسًا في قراءة القصص أو المنشورات عبر الإنترنت – التي تميل أن تكون من النوع المأساوي، أو أن تكون قد وصلت إلى قصة ما وليس لديك أدنى فكرة عن كيفية وصولك إلى هناك، لا يمكنك حتى تذكر ما كنت تبحث عنه بالمقام الأول، ولكنك وجدت نفسك تقرأ مئات التعليقات أو إعادة تغريد شخص لا تتابعه حتى....فأنت قد دخلت في دوامة ما يسمى"دوم سكرولنج" Doomscrolling ولنسمه نحن "إدمان البحث عن أخبار الموت".
• "إدمان البحث عن أخبار الموت" أو " دوم سكرولنج"، هو البحث المتكرر بلا تفكير وبشكل آلي عن المقالات الإخبارية السلبية أو منشورات الوسائط الاجتماعية أو منصات مشاركة المحتوى الأخرى, في الأساس، هو قراءة قصة سلبية واحدة تلو الأخرى، البحث عن حوادث، كوارث، حروب، دمار، أمراض، قصص حزينة، بلا توقف.
• كل هذا يقودنا إلى التساؤل، يا ترى ما السرّ وراء رغبتنا الملحّة هذه في تتبع الأخبار السيئة، وهل هناك متعة في تتبع الأخبار السلبية، بخاصة تلك التي نرى ونسمع من خلالها ما يعاني منه غيرنا !
• قد يكون هناك العديد من الأسباب التي تكمن وراء هذه الرغبة في الاطلاع على الأخبار السلبية، وتصفح محتويات المواقع الإلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي دون توقف، من بينها:
• الشعور بالأمان الذي نحصل عليه عبر المعرفة، بخاصة في الأوقات الصعبة التي نمرّ بها.
• إن منصات وسائل التواصل الاجتماعي تعمل باستمرار على تحديث الأخبار المتفرقة، وهي مصمّمة بطريقة تجعل المرء ينجذب إليها وتجعله يقع في فخ الإدمان حتى، بخاصة وأن مثل هذه المنصات تأخذ بعين الاعتبار الانبهار البشري، أي الغريزة التي تدفع البشر إلى الاهتمام الشديد بما يحيط بهم، حتى ولو كان أمراً سيئاً ومحبطاً.
• الشعور بالسيطرة في عالم يبدو أنه خارج عن السيطرة طوال الوقت، "الشعور بإذا كنت أعلم ما يحدث، فيمكنني أن أكون أفضل استعدادًا عندما تسوء الأمور"، فهو إيحاء للنفس بأن كل شيء تحت السيطرة
• التغلب على الخوف : إن الانكباب على مطالعة الأخبار السلبية يصف الحاجة القهرية لمحاولة الحصول على إجابات معيّنة عندما يسيطر الخوف علينا، الخوف من أن شيئًا فظيعًا قد يحدث ولا يكون الشخص قد حسب حسابه، فنحن ملتزمون بالبقاء على قيد الحياة ورؤية الأشياء التي يمكن أن تضرنا وهذا في حمضنا النووي، ففي العصور القديمة أسلافنا كانوا بحاجة إليها من أجل البقاء على قيد الحياة حرفياً، ولا زالت موجودة حتى الآن على الرغم من أن الوضع مختلف تمامًا، أيضا اللافت أن العناوين والموضوعات المثيرة تجتذب القراء لأنها تثير الخوف والإلحاح، فيشعر المرء أنه إذا كان على دراية بآخر الأخبار، فيمكنه حينها حماية نفسه وعائلته بشكل أفضل.
• في هذا الصدد، يقول علماء النفس والمتخصّصون في دراسة السلوك القهري واضطرابات القلق، أن مشاهدة نشرات الأخبار، والتي قد تكون "مرعبة" نظراً لما تتضمّنه من أخبار سلبية، فإن لها تأثيرا مهدئا، بحيث يشعر المرء بأنه مرتاح وقادر على التنعم بليلة هادئة، كونه يدرك مقارنة بما يحصل من حوله، مدى رضاه عن حياته وموقعه الآمن، فهي متابعة للمقارنة والمفاضلة ومن ثم الارتياح لكونه في وضع أفضل من غيره فيحمد الله ويهدأ، مؤقتاً.
o لذا يمكننا القول أن هناك حاجة ملحة للإحساس بمشاعر معيّنة، مثل الغضب واليأس، لتحفيز آليات المواجهة التي تطورت عبر الزمن للمساعدة في التعامل مع الأحداث السلبية التي تواجهنا في الحياة، فالخوف مثلاً يضعنا في حالة تأهب قصوى، وهو أمر مفيد في المواقف المحفوفة بالمخاطر.
ويتبع>>>>: دووم سكرولنج أو إدمان البحث عن أخبار الموت2
واقرأ أيضا:
إدمان مواقع التواصل الاجتماعي1 / إدمان الجنس : الجنس القهري : توطئة وتقديم