توفيق الحكيم (1898 - 1987), ولد في الإسكندرية وتوفى في القاهرة, كاتب لامع ومن رواد الكتابة المسرحية والروائية.
تربطني به علاقة عجيبة, بدأت منذ المتوسطة وتعمقت أثناء دراستي في كلية الطب, حيث كانت كتبه لا تفارقني, وهي متنفسي الذي يحررني من ضغط الكتب الطبية, وذلك الجفاف المعرفي الذي كانت تحاصرني به, فكنت ألجأ للرسم العلمي أو التوضيحي, لكي أقتل جفاف الصفحات, خصوصا ذلك الأسلوب الإنكليزي المتعنت المعقد.
وكانت كتب توفيق الحكيم فسحتي الفكرية وراحتي الروحية, فكنت أقرؤها وكأنني على موعد للامتحان بها!!
عودة الروح, أهل الكهف, يوميات نائب في الأرياف, شهرزاد, الملك أوديب, حمار الحكيم, الأيادي الناعمة, رحلة إلى الغد, حماري قال لي, عصا الحكيم, سجن العمر, أدب الحياة, عودة الوعي, وغيرها من كتبه التي أضعها بين كتبي الطبية, ولا بد من قراءتها يوميا عند المساء, وأنا أتخطى في أروقة الكلية.
كانت كتاباته عميقة ومزعزعة للوعي والإدراك, وتنقلني إلى عوالم جديدة ذات أفكار براقة ومحفزة للإبداع, فأفكاره المبثوثة على السطور تتحرك حيةً في وعي القارئ المفتون بالأسلوب السردي الحواري الجذاب الخلاب.
عاصر الحكيم عمالقة الفكر والثقافة في مصر, كالرافعي, طه حسين, العقاد, أحمد أمين, سلامة موسى, أحمد شوقي, حافظ إبراهيم, سيد درويش, زكريا أحمد, محمد عبد الوهاب وأم كلثوم وغيرهم من النوابغ الذين احتفت مصر بوجودهم الساطع.
وبرغم أنه درس الحقوق في باريس, لكنه أمعن في الاهتمام بالمسرح, وعند عودته لمصر, كان ثائرا تنويريا ومفكرا ألمعيا, وكاتبا مؤثرا في تعبيد طريق الأجيال نحو الغد الأفضل. واتسم بالتحدي والإصرار على استعمال المسرح لتثوير الأذهان, وتأجيج الأفكار, وإطلاق ما في الإنسان من طاقات إبداع وابتكار أصيل وفتان, وما يسمى بالمسرح الذهني شاهد على ذلك الاتجاه البديع الإمعان.
ومواقف توفيق الحكيم ومعاركه الفكرية متنوعة, وطروحاته مقلقة للثوابت والتصورات السائدة, وخلاصة ما قدمه أنه قدح الأذهان العربية بأنوار أفكاره وشذرات عباراته الفائقة القدرة على التعبير عن الفكرة والمعنى.
تحية للكاتب الأديب الأريب الذي علمنا كيف تكون الكلمات والعبارات ذات أفكار جلية, لتحفز في القارئ إرادة التعبير الأمثل عما فيه!!
واقرأ أيضاً:
أبطال الأمّة يُغيَّبون ويُشوَّهون؟!! / وقل اعملوا!! / مفكرونا والدين والحياة!!