وسواس الذنب التعمق القهري و.ذ.ت.ق2
الوساوس الشائعة في وسواس الذنب التعمق القهري
قد تشمل الوساوس التعمقية أي فكرة أو صورة ذهنية يعتبرها الفرد دليلا على الضعف أو الإخفاق الديني أو الأخلاقي، بما في ذلك:
• الأفكار المتكررة عن ارتكاب ذنوب جنسية أو أخلاقية مثل الحسد أو الغيبة ... أو إمكانية ارتكابها.
• التركيز المفرط على كمال الإحسان الديني و/أو الأخلاقي وفي وساوس المسلمين الدينية صنف من وساوس التعمق هو التعمق في الإحسان.
• الخوف المفرط من الرياء (عدم الإخلاص الصحيح لله)
• مخاوف متكررة من استحقاق دخول النار، إذ كثيرا ما يشك المتعمق في جدوى التوبة وكل محاولات التكفير التي يقوم بها خاصة في الذنوب التي يراها لا تغتفر.
• الخوف المفرط من التصرف بشكل يتعارض مع الأخلاق الشخصية أو القيم أو القواعد الأخلاقية (ويدخل فيه الجنس والعدوان).
وتضيف الكتابات الغربية ما صنفناه مع وساوس وقهور المبطلات كمبطلات للإيمان برأي الموسوس، ولسنا نراها خاصة بالتعمق:
• صور وأفكار ذهنية غير مرغوبة مثل الشيطان، أو صورة حيوان أو سباب ترتبط بالدين بشكل أو بآخر إلخ.
• الخوف المفرط من الإساءة بشكل أو بآخر إلى الله أو الرموز الدينية والقلق المبالغ فيه من احتمال ارتكاب التجديف.
• وأما الوساوس التعمقية في المسلمين فتجيئ على ثلاثة أشكال:
- الشكل الأول هو التعمق في السؤال ويشمل مجموعة واسعة من الأسئلة الغيبية أو الأسئلة الفقهية والمسائل المتشابهة أو الملتبسة أو الخلافية، كما يشمل التعمق في تحري طهارة الشيء أو الحلال والحرام في المعاملات المادية أو في المأكل والمشرب؛ ومن ذلك مثلاً ضرورة مراجعة كل مكونات أي منتج غذائي قبل شرائه أو تناوله؛ للتأكد من عدم وجود محرم به، وضرورة إعطاء ما على الفاتورة كاملا بأصغر عملة متاحة. أو الانشغال بما قد يترتب على ذنب ما في الماضي البعيد، ولعل الشكل الأكثر شيوعًا هو المتعلق بالسؤال عن طهارة الماء أو الملبس أو مكان الصلاة... إلخ، وفي هذين الشكلين أي التعمق في تحري الطهارة. والتعمق في تحري الحلال والحرام بالسؤال.. ربما يشاركنا المتعمقون من اليهود، كذلك هناك التعمق في الأسئلة الغيبية والتشكيكية وهذه كذلك يمكن أن توجد في كل دين، ثم هناك التعمق في الأسئلة الفقهية الخلافية.
- وأما الشكل الثاني فهو التعمق في التحاشي ويقصد به الأفكار الوسواسية الخاصة بالإفراط في تحاشي الذنب أو الشرك أو الكفر..إلخ بما يعيق حياة الإنسان ويوقعه أكثر فيما يشتبه فيه ويخشاه، وربما الشكل الأول أي التعمق في السؤال هو في جوهره تعمق في التحاشي، وكذلك الشكل الثالث أي الإحسان يمكن النظر إليه أيضًا كتعمق في تحاشي التقصير الذي هو طبيعة البشر.
وأما الشكل الثالث فهو التعمق في الإحسان ويقصد به الأفكار الوسواسية الخاصة بالإفراط في إحسان العمل وصولاً إلى اكتماله 100%، ومنه التعمق في طقوس طهارة الجسد أو الإسراف في الوضوء أو الغسل أو تكرار الصلاة... إلخ، ومنه التعمق في النية والتلفظ بها والشك في خلاصها لله، ومنه كذلك وسواس الخوف من الوقوع في أي ذنب مهما كانت تفاهته.
القهور الشائعة في وسواس الذنب التعمق القهري:
بالنسبة لمريض و.ذ.ت.ق يمكننا تعريف القهور بأنها أي فكر أو سلوك متعمد يتم القيام به في محاولة لتحييد أو تقليل شعوره بالذنب والألم والخوف والقلق. وكما في جميع أشكال الوسواس القهري، يمكن تصنيف القهور في وسواس التعمق إلى أربعة أنواع:
• قهور سلوكية علنية وتشمل في و.ذ.ت.ق أيا من السلوكات الدينية الهادفة إلى طلب الغفران كالصلاة والاستغفار القهري وربما الاغتسال كما في وسواس الكفرية : الخروج الدخول في الملة ! ... وربما نمر بمرحلة طلب الفتوى أو الاستفتاء القهري .... كما تشمل بعض أشكال النذور والصدقات والتي تتجاوز أحيانا ما هو معتاد أو مقبول في إطار الديانة... كذلك تشمل بعض أشكال الإفراط في التطهر وفي تحري النجاسة وفي التكرار الجزئي أو الكلي للعبادات ... لكنها لا تشمل كل أشكال وساوس العبادات.
• سلوكيات التحاشي ولعل هذه هي الأكثر شيوعا في كل أشكال الوسواس القهري، لكنها حين ترتبط بالخوف من الذنب أو عدم إحسان العبادة يكون بإمكانها تقييد حياة المريض بالكامل مثل الذي لا يخرج من بيته في نهار رمضان كي لا يرى حراما مثل فتاة جميلة ! أو حتى الصور المثيرة في الإعلانات، وكذلك تحاشي محفزات معينة مثل أماكن العبادة، أو سماع الأذان وهذا غالبًا يصبح أسلوبه القهري أو احتياطه التأميني في محاولة درء احتمالية الشعور بالذنب والخوف. ومن المفارقات أن هذه القهور تزيد دائمًا من مشاعر الذنب على المدى الطويل.... ليس هذا فقط بل إنها واقعيا في أغلب من رأيت من المتعمقين الصغار في التزامهم الجنسي لا تمنعهم من الوقوع في الذنوب من حين لآخر.. وأغلبهم تبدو حياته بين فترات طويلة من الالتزام بكل معايير الالتزام والتوبة والندم على الذنوب ... بينها فترات غالبا قصيرة من الانفلات الجنسي لكنها تعاش بإفراط... لكن لا بد أن أشير إلى أن الانفلات المقصود لا يتعدى مشاهدة الصور أو الفيديوهات على الأقل لأن مجتمعنا ما يزال شكلا محافظ.
• سلوكيات طلب طمأنة ومنها ما هو ظاهر كسؤال وتكرار سؤال رجال الدين والذي شرحناه أعلاه وقد يكون وجها لوجه أو عبر الإنترنت، ومنها ما هو مستتر يضطر إليه المتعمق في السؤال حين يعرف رجل الدين أن السائل متعمق كأن يسأل نفس السؤال لكن ببعض التحوير، وكذلك أن يطلب رؤية وجه من يرد عليه لمراقبة تعبيرات وجهه أثناء الفتوى وكذلك الإصرار على ذكر كل التفاصيل (غير المهمة) ضمن السؤال وهكذا.
• القهور العقلية وهذه هي التي تدور في عقل مريض و.ذ.ت.ق لأجل تحييد أثر الوسواس وغالبا ما تكون آيات أو سورا قصيرة من القرآن أو غيره حسب الديانة، أو أدعية معينة وأحيانا أفكار أو صور معاكسة لمحتوى الوساوس وأحيانا كلمات خاصة بالمريض تقال عددا معينا من المرات، كما تشمل المراجعة الذهنية للأفعال و/أو الأفكار السابقة في محاولة لإثبات أن المرء لم يرتكب إثما أو لم يتصرف بطريقة غير أخلاقية أو تتعارض مع إيمانه ..إلخ.
ومن المهم التأكيد على حقيقتين هما أن وساوس التعمق لا تشمل فقط أمورا دينية وإنما كذلك أمورا أخلاقية (الجنس العدوان) وأن الوساوس الدينية (على الأقل في المسلمين) ليست كلها تعمقية ولا يصح استخدام وسواس قهري تعمقي لوصف أي وساوس أو قهور دينية حتى ولو كانت مرضية، ولأجل التفكير في اعتبار حالة اضطراب وسواس قهري معينة تمثل عرض و.ذ.ت.ق يجب أن يكون محور الأعراض كما اقترح ميلر وهيدجيز منذ 2008 (Miller & Hedges, 2008):
(1) الشعور بالذنب المفرط أو غير المناسب أو القلق بشأن القضايا الدينية و/أو الأخلاقية.
(2) الخلط المفرط أو غير المناسب أو الشك في الأمور الدينية و/أو الأخلاقية.
(3) الاجترار المفرط أو غير المناسب في الأمور الدينية و/أو الأخلاقية.
(4) التقيد المفرط أو غير المناسب بالممارسات الدينية و/أو الأخلاقية.
ويلاحظ أن المفرط أو غير المناسب لازمة في كل الأشكال التي تأخذها أعراض و.ذ.ت.ق ولابد أن نوضح هنا أن اشتراط الإفراط أو عدم الملائمة في السياق الديني قد يكون غير كافٍ لأن المتعمق لا يقف عند هذا الحد بل هو يرفض كذلك أن يأخذ بالرخص الدينية المتاحة له في سياق دينه، وفي خبرتنا فإن كثيرين من مرضى الوسواس القهري الديني عرْض و.ت.غ.ق المتعلق بالنجاسة والتطهر، وكثيرين من مرضى الوسواس القهري الديني عرْض و.ش.ت.ق المتعلق بتكرار التحقق والسؤال خوفا من الذنب أو التقصير، وغير قليل من مرضى الوسواس القهري الديني عرْض و.ل.ت.ق المتعلق باتجاه القبلة وأطراف سجادة الصلاة، وكذا تكرار التكبير، ومحاولة مراعاة توازن الركعات.... إلخ. وقد وصفنا أعراض الوسواس القهري الدينية في المسلمين وجعلناها في ثلاثة أقسام، وغير الوساوس التعمقية وصفنا وساوس وقهور العبادات ووساوس وقهور المعاملات، كثير من هؤلاء ربما تبدو أعراضهم مشابهة لأعراض و.ذ.ت.ق لكنهم وإن بدت أعراضهم تعمقية في بداية العلاج السلوكي المعرفي فإنها تستجيب للتعديل المعرفي والسلوكي ومعرفة الأحكام والرخص الخاصة... لكن هذا لا يحدث بسهولة في مرضى و.ذ.ت.ق .... أي أن نسبة فقط من مرضى الوسواس القهري ذي الأعراض الدينية (بأي عرض) هم من فئة و.ذ.ت.ق.... لأن صفاتهم التعمقية تحول دون تقبل التدخل العلاجي الأولي.... وهذا يتماشى على الأقل مع الرؤية الإسلامية لأعراض الوسواس الدينية فليس كل موسوس بأعراض دينية متعمقا وليس كل متعمق موسوسا بالدين، ويتفق في ذلك سِيف وهابَرت (في الثقافات الغربية، يعاني 10-33٪ من الأفراد المصابين بالوسواس القهري من أعراض دينية، و5-6٪ لديهم تعمق أولي) (Siev & Huppert, 2016).
وأخيرا ... لا يوجد دليل على أن الدين يشكل سببا أو يمثل خطرًا على اضطراب الوسواس القهري؛ إنما الواضح والراجح هو أن يعاني الأفراد المتدينون المصابون بالوسواس القهري من أعراض دينية. ومن المفارقات، أن الغالبية العظمى من المتعمقين يعانون من أعراضهم لأنها تفسد أو تعيق ممارستهم الدينية أو علاقتهم مع الله، رغم أن هذه الأعراض غالبًا تكون مدفوعة بالرغبة في إحسان العبادة والإخلاص لله.... (Siev et al. 2011) وفي خبرتنا أنه عندما تطول المدة دون علاج نجد كثيرين من مرضى و.ذ.ت.ق وقد بدؤوا بالتدريج يستثقلون العبادات (وهي النتيجة المتوقعة لمن ينهج نهجهم) وغالبا مكتئبين، ولعل أضافوا وسواسا جديدا هو أن استثقالهم للعبادات يعني استهانة.. يعني أنهم على حافة الشرك أو الكفر... أو وقعوا بالفعل فيه إلخ، وإذا استمر المريض دون علاج فإنه عرضة لاختلالات الإدراك والأعراض الذهانية إلى جانب التفكير السحري والخرافي.
المراجع :
1- Miller CH, Hedges DW (2008): Scrupulosity disorder: an overview and introductory analysis. J Anxiety Disorders 2008, 22:1042–1058.
2- Siev, J., & Huppert, J. D. (2016). Treatment of scrupulosity-related obsessive-compulsive disorder. In Clinical Handbook of Obsessive-Compulsive and Related Disorders (pp. 39-54). Springer, Cham.
3- Siev, J., Baer, L., & Minichiello, W. E. (2011). Obsessive-compulsive disorder with predominantly scrupulous symptoms: Clinical and religious characteristics. Journal of Clinical Psychology, 67, 1188-1196.
واقرأ أيضًا:
الشعور بالذنب في مرضى الوسواس القهري2 / الوسواس القهري والتعمق