العالم الداخلي للإنسان تتفاعل في عوالمه الأنغام بإيقاعاتها المتماوجة ذات الانسجامية العالية، وأي اضطراب في تناسقها وتواشجها يتسبب بتداعيات قد تكون خطيرة.
فالقلب له إيقاعاته المنضبطة، والعضلات، والدماغ، والأحشاء الداخلية بأنواعها، وحتى الخطوات لها إيقاعها الذي يميزها، وتبدو وكأنها كبصمات الأصابع، فلكل شخص إيقاع خطوات خاص به.
والبحور الشعرية نتاج الإيقاعات الداخلية المترقرقة في دنيانا، فالخليل بن أحمد الفراهيدي لم يخترع علم العروض وإنما إكتشفه، وما فعله أنه نظمه وبوّبه وضبطه وفقا لقوانين رياضية وإيقاعية موسيقية لدرايته بعلم الرياضيات والموسيقى.
ولهذا فالكلمات التي تتواءم مع البحر الشعري أقرب إلى النفس البشرية من الكلمات المضطربة الخالية النغم والإيقاع، وبموجب ذلك تواصل الشعر لعدة قرون بصيغته الفراهيدية، ولن تتمكن أي المحاولات لخلعه من أصوله المتجذرة في الأعماق.
ويتصل بذات المعنى والمنحى الغناء والموسيقى، فلكي تتمثلها النفوس وتتفاعل معها، عليها أن لا تحيد عن ضوابط النغم والإيقاع المتوافق مع نبضات النفس وأنساقها.
فالنصوص لا تكون شعرية إذا فقدت هذه الخاصية، فيمكن تسميتها أي تسمية غير الشعر، أما إلصاق الشعر بالمنثور ففيه نوع من الإضرار بالشعر.
فيمكن القول بأن هذا نظم شعري، ونص شعري، وفقا للإيقاعات المتفاعلة فيه، حتى وإن لم يبلغ قيمة وجوهر الشعر بمعناه المتوهج البليغ، ولهذا فالشعراء طبقات وأصناف، لكنهم يشتركون بإلتزامهم الأمين بالمعنى والموازين النغمية التي جمعها الفراهيدي.
قد يعترض مَن يعترض، ويغضب مَن يغضب، فما تقدم تعبير عن معنى الشعر، وفقا لمعطيات العوالم النفسية للبشر، وأن ما يبوح به يتوافق مع ما فيه من تفاعلات ذات تواشج إيقاعي مع نبضات الأكوان العلوية، فهذا الجرم الصغير لا يمكن فصله عن الجرم الأكبر، الذي يجري وفقا لموازين دقيقة وإيقاعات محسوبة بدقة متناهية، وبآليات متواصلة مع كلها، كذلك الجسم البشري عبارة عن كون متناغم منضبط متوازن، إذا أصاب عضوا فيه اضطراب اضطرب كله، وتلك حقيقة الكينونة السرمدية للوجود الدائب الدوران، في أعماق الإنسان.
وإن الشعر صوت وعنوان!!
واقرأ أيضاً:
الجاهلون بالعربية!! / العربية أقوى من العرب!! / هل ينفع التشخيص!!