الوسواس القهري (الحصار المعرفي) الديني “Religious OCD
مصطلح الوسواس القهري الديني هو ليس بمصطلح تشخيصي وإنما توضيحي لمحتوى الأعراض الطبنفسية، فُي هذه الحالة إطار الأعراض هو أفكار حصارية ومحتواها ديني بحت. هذا المصطلح كثير الاستعمال في بعض الثقافات دون الأخرى. يتم استعمال هذا المصطلح جزافاً للإشارة إلى أعراض تتعلق بممارسة الطقوس مثل الشك في عدد ركعات الصلاة والطهارة، وكذلك للأفكار الحصارية التي تشكك الإنسان بعقيدته بصورة متكررة. الاستعمال الأول لا يختلف عن اضطراب الحصار المعرفي وعلاقته بممارسة طقوس غير دينية مثل التعقيم في حين أن الاستعمال الثاني هو أكثر دقة ويشير إلى محتوى أفكار حصارية تشكك الإنسان بعقيدته.
لابد من توضيح كيفية إنتاج مثل هذه الأفكار وتسلطها على البعض. الإنسان بحكم غريزته يلاحقه الخوف من الحوادث، الإخفاق، الأمراض، إلحاق الأذى بالآخرين، والتمسك بعقيدته الدينية. هذه العتبة للشعور بالخوف تختلف من إنسان إلى آخر استناداً إلى تركيبته البيولوجية والجينات التي يحملها، وكذلك البيئة التي نشأ فيها. هذه العوامل جميعها تتحكم في رد فعله للأفكار الاقتحامية التي تداهم كل إنسان يومياً.
الأفكار الاقتحامية Intrusive حقيقة وفريضة على كل إنسان يومياً. الغالبية العظمى من البشر تتخلص من هذه الأفكار بسرعة وخلال دقائق إما بوضعها جانباً أو إدراك عدم قيمتها. ولكن هناك من الناس من يتميزون بعتبة منخفضة للتعامل مع الخوف لا يستطيعون التخلص منها بسهولة. بعبارة أخرى كل فكرة اقتحامية يتم تقييمها من قبل الإنسان نفسه، وهذا التقييم إما أن يكون تقييما متكيفا Adaptive Appraisal أو لا متكيف Maladaptive Appraisal ومصدر التقييم اللا متكيف هو النظام العقائدي الأساسي في داخل الإنسان نفسه. وجود نظام عقائدي غير وظيفي Dysfunctional Core Belief System أو معتل وظيفياً يؤدي إلى رد فعل عاطفي يتميز بارتفاع القلق والخوف، ورد الفعل العاطفي بحد ذاته يؤدي إلى تحول الفكرة الاقتحامية إلى فكرة حصارية مزمنة أي ما نسميها بالوسواس.
يصاحب هذه الأفكار اعتلال دائرة التواصل العصبي في الدماغ ما بين القشرة المخية والمهاد والجسم المخطط Cortico-Striato-Thalamo-Cortical Loop. هذه الدائرة العصبية القشرية المخططية المهادية القشرية ق.م.م.ق هي التي يتم استهدافها بالعقاقير في علاج الحصار المعرفي أو الوسواس القهري والنتيجة هي عدم الشعور بالانزعاج منها. في نفس الوقت الأفكار لا تختفي وتبقى كما هي.
الفكرة الحصارية (الوسواسية) ليست حصراً على اضطراب الحصار المعرفي (الوسواس القهري) وإنما تكثر ملاحظتها في الفصام واضرابات طيف التوحد. الفكرة الحصارية تولد القلق وهذا بدوره يؤدي إلى ممارسة سلوكيات متكررة Repetitive Behaviours من أجل التخلص من الأفكار الحصارية. الذي يخاف من الأمراض لا يتوقف عن التعقيم، استعمال مختلف المستحضرات والفيتامينات، ومراجعة المراكز الطبية. مع الأفكار الحصارية الدينية التي تشكك بعقيدته لا يتوقف الإنسان عن ممارسة الطقوس وتكرارها واستشارة رجال الدين، وهذه الأيام مراجعة مختلف المواقع الدينية على الإنترنت. هذه السلوكيات نتيجتها عكسية دوماً وتؤدي إلى زيادة القلق والأفكار الحصارية.
المريض المصاب بالفصام قد يعاني من أعراض حصارية تشكك بعقيدته لا تختلف عن الأفكار الحصارية الدينية المحتوى في اضطراب الحصار المعرفي سوى أن الأعراض السالبة، اضطراب التفكير، وعدم التفاعل الوجداني أكثر ملاحظة. هناك من يستعمل مصطلح الفصام الحصاري(الوسواسي) لوصف هذه المجموعة.
تكثر أيضاً ملاحظة الأفكار الحصارية الدينية في بعض المصابين باضطراب طيف التوحد وترى المراجع لا هواية واهتمام سوى العقيدة الدينية ويخوض في تفاصيل لا عد لها ولا حصر لا تثير سوى اهتمامه. في نفس الوقت ترى هذه الأفكار الحصارية الدينية تساعد المصاب بطيف التوحد على الاسترخاء وتوفر له الوسيلة للتواصل مع الآخرين في الموضوع ذاته دون غيره.
المعالجة
الحقيقة هي أن التخلص من الأفكار الحصارية ومحوها تماما هدف لا يمكن الوصول إليه. يستهدف العلاج دوماً السيطرة على فعالية الدائرة الدماغية المصاحبة لها ويتم ذلك عن طريق استعمال مضادات الاكتئاب ومضادات الذهان. من جهة أخرى هناك العلاج السلوكي المعرفي الذي يستهدف النموذج الفكري حول الأفكار الاقتحامية وتعامل الإنسان معها. يجب على المعالج النفساني تجنب الخوض في جدال عقيم حول محتوى المعتقدات الدينية والتركيز على إطار الأفكار الحصارية وردود فعل المراجع لها. الحفاظ على جدول أعمال يومي منتظم والتواصل مع الآخرين دون الخوض في قضايا الشريعة والدين والمعتقدات يساعد الكثير.
في بعض الحالات الصعبة يتم تقديم ما يسمى بعلاج تعديل الدماغ Brain Modulation عن طريق التحفيز الكهربائي العميق، ولا يتم ذلك إلا في مراكز معدودة.
ملاحظات ومصادر للاطلاع:
1- Aouchekian S, Karimi R, Najafi M et al (2017). Effects of of religious cognitive behavioural therapy on religious obsessive-compulsive disorder (3- and 6-months Follow-up). Ad Biomed Res. Published online Dec 26.
3- Landau E, CNN (2014). Religious OCD:” I am going to hell”.
واقرأ أيضاً:
أبعاد نفسية في شعر أبي الطيب المتنبي / أسطورة الحشيش المعاصرة