ما أكثرنا في ميادين الكلام، وما أندرنا في سوح العمل والجد والاجتهاد، فالشخص يُقاس بما أنجز وفعل لا بما قال وهذر.
ومجتمعاتنا تعصف بها الأقوال، وتغيب الأعمال، فكل ما نقوم به أن نتكلم وكفى الله القائلين شر العمل.
ولهذا تجدنا نتدرع بالمطلبية، فجميعنا يطالب، ويريد، ولا يخطر على باله أن عليه أن يطالب نفسه أولا قبل غيره، وأن يحثها على الإبداع والتواصل مع الطاقات المجتمعية المؤهلة لتحقيق الإرادة الجمعية في المكان والزمان.
وهي علة متفاقمة متداولة تكررها الأجيال، ولا تتعب منها رغم عدم جدواها، وما تتسبب به من إحباطات وانكسارات وحرمان وتعاظم عناء.
فعلينا أن نعمل لتأكيد ما نريد، لا أن نطالب، ففي المطالبة اتكالية وتخلص من المسؤولية، وتنويم ذاتي وموضوعي، يعفي الناس من الإقدام على صناعة الأفضل.
المجتمعات الحية لا تطالب، بل تتسلح بالتفاعل الإيجابي لتحقيق المشاريع التي تراها ضرورية لمجتمع المكان الذي تكون فيه.
فعندما يرى أبناء المدينة الحاجة لنادي رياضي – على سبيل المثال – فإنهم يتعاونون ويتبرعون ويجمعون المال اللازم لذلك ويشرعون بالبناء، ولا يطالبون السلطات المحلية أو المركزية ببناء النادي، وقس على ذلك العديد من الحاجات اللازمة للحياة المعاصرة.
إن الاعتماد على الآخر البعيد أو القريب لا يجدي نفعا، فلا يعرف الجرح إلا مَن يكابده، ولا يؤلم الجرح إلا صاحبه، المُعَنّى بالنجيع الدافق من عروقه.
إن نمطية التفكير المطلبي من العاهات السلوكية والنفسية المؤثرة في حياة العديد من المجتمعات والمدمرة لواقعها، والمحطمة لمسيرتها لأنها تعثرها وتدفعها إلى الوراء، وتمعن بتأسنها وتعفنها، وتنامي العظايا في بيئتها الموبوءة بالآفات المطلبية.
فهل من قدرة على ترجمة "اعقل وتوكل"، وهل لنا أن نسير على الدرب، فمن سار على الدرب وصل؟!!
واقرأ أيضاً:
القرية المأزومة!!! / هي العروبة!!