ظاهرة الاغتراب ومستقبل الشباب1
كيف عكس الفن حالة الاغتراب :
لقد حاول الفن مرارا أن يلفت أنظارنا لحالة الاغتراب في مجتمعنا على مستويات مختلفة من خلال أعمال فكاهية على وجه الخصوص، نذكر منها على سبيل المثال: مسرحية "مدرسة المشاغبين" التي عكست حالة اغتراب الشباب عن العملية التعليمية، والتي انعكست في رفض التعليم والسخرية منه، وفي رفض المدرسين والمدرسات والاستهزاء بهم، وفي رفض إدارة المدرسة، ووضعها في صورة هزلية على الرغم مما تدعيه من وقار مصطنع .
وفي مسرحية كوميدية أخرى، هي مسرحية "العيال كبرت" كانت ثمة حالة اغتراب أسري، حيث انفصل الأبناء عن الوالدين وتمردوا على السلطة الوالدية، وانفصل كل منهم عن الآخر، وصار كل منهم في طريق، وكل منهم يسخر من الآخر، ولا يشعر أحد بالانتماء لهذه الأسرة من حيث أفكاره أو أهدافه، ولا يربطهم إلا احتياجات شخصية ضيقة يحاولون الحصول عليها من هذا الكيان الأسري المترنح، والذي لم يتبق منه إلا محاولة الأب للاستبداد برأيه وقراره، ومحاولة الأم لاستمرار في علاقتها بأبنائها من خلال رعاية أمومية ساذجة وغافلة.
والنموذج الثالث كان في فيلم "اللمبي" الذي صور الشاب الذي يعيش في منطقة عشوائية وفي ظروف مادية صعبة ولايجد عملا أو عيشا بعد أن فقد والده، وفي هذه الظروف تتشوه أفكاره وتتشوه طريقة نطقه للكلام ويحاول تغييب وعيه إما بتعاطي الحشيش أو بالسخرية من نفسه وممن حوله، ويتعامل مع الأحداث بعقل ساذج ومضطرب يدعو للسخرية وللشفقة في آن واحد، وينظر إلى المجتمع وإلى الثقافة بشكل استنكاري اغترابي مستهجن.
والنموذج الرابع كان في فيلم "فبراير الأسود" حيث يعكس الفيلم شعور بعض الشباب بافتقادهم لحقوقهم نظرا لانتمائهم لطبقات أو فئات اجتماعية مهدورة الحقوق أو منسية أو غير معتبرة، بينما يرون أن ثمة طبقات أو فئات أخرى لها حظوة ومكانة وحقوق فوق العادة، ومن هنا تحدث حالة الاغتراب عن المجتمع الذي تغيب فيه معايير العدالة، وتحاول الطبقات المغتربة أو المهدورة أو المنسية تبني خيارات غريبة عليها في محاولة للاندماج مع المجتمع أو على الأقل حماية نفسها من الصعوبات والأزمات، فتفشل في ذلك وتغوص في رمال الاغتراب.
أما النموذج الخامس فكان في فيلم "أنا مش معاهم"، والذي صور حياة شاب وفتاة يحاولان تبني منظومات فكرية أو دينية أو ثقافية معينة لفترة من الزمن، ثم يتبين لهما أنهما قد ضلا الطريق، فيتوجهان إلى منظومات أخري مخالفة أو معاكسة لتلك التي تركاها فيعيشان فيها بعض من الوقت ثم يشعران بالغربة فيتحولان إلى نسق ثالث أو رابع، وهكذا ... وفي أعمال أخرى كانت تنتهي حالة الاغتراب بالانغماس في التطرف أو العنف أو الإرهاب أو الإدمان أو التجسس وخيانة الوطن، وكلها مخارج مضطربة لحالة الاغتراب خاصة حين تصيب الشباب .
البعد السياسي في ظاهرة الاغتراب :
قد يعزو البعض حالة الاغتراب لدى الشباب إلى أبعاد سياسية، من حيث أنها نتيجة لتقلبات وأحداث سياسية شارك فيها الشباب بفاعلية كبيرة ولكن نتائجها لم تكن على مستوى تصوراتهم وطموحاتهم فانصرفوا عن المشاركة في أي شيء غضبا وتمردا، أو أن تلك الحالة من الاغتراب هي نتيجة لأنظمة أو منظومات سياسية تستبعد الشباب من المشاركة بالرأي أو المشاركة في مواقع التأثير، وتهميش هؤلاء الشباب، أو التحكم فيهم، أو قهرهم على خيارات لا يريدونها لصالح الكبار المتحكمين في مصائرهم، وهذا أمر مهم، نراه حين يشعر الشاب بتهميشه في الأسرة وفي المدرسة وفي العمل وفي سائر المؤسسات والمنظومات المجتمعية خاصة السياسية منها، ويفسر هؤلاء حماس واندماج الشباب حين شارك في احتفاليات الفوز للمنتخبات الكروية الوطنية بأعداد هائلة، ثم المشاركة في ثورات الربيع العربي بحماس كبير وأعداد مليونية، ثم انسحابه المفاجئ بعد ذلك . ولا ينكر أحد أهمية هذا البعد السياسي، وأهمية أن يشعر الشاب أنه مؤثر ومشارك وفاعل في الجانب السياسي، ولكن لا يكفي هذا البعد – وحده - لتفسير حالة الاغتراب التي تبتلع كل يوم أعدادا هائلة من الشباب .
طريق العودة من الاغتراب :
يحتاج الأمر إلى تكاتف مؤسسات عديدة في المجتمع تضع يدها على المشكلة وتقتنع بوجودها وتدرك حجم خطورتها، ثم تقوم على دراستها من خلال خبراء في علم النفس وعلم الاجتماع، وعلم التربية، وعلم السياسة والاقتصاد، والعلوم الدينية، والثقافة والفكر، لأن حالة الاغتراب لدى الشباب لها علاقات متشعبة بكل هذه العلوم. والأمر يحتاج لشجاعة وصراحة وقدرة على المواجهة، بل قد يستدعي الأمر لوجود حصانة لمن يدرسون أو يحللون ظاهرة الاغتراب لكي تكون لديهم الفرصة لمواجهة المجتمع بكل العوامل التي تدفع لاغتراب الشباب دون الخوف من حسابات سياسية أو اجتماعية أو دينية قد تقف حاجزا دون الرؤية الموضوعية للأسباب والحلول، وذلك لأن تلك الظاهرة تتشابك مع الكثير من المساحات الحساسة في حياتنا والتي ربما تمنع من الاقتراب من عمق المشكلة وجوهرها، أو تكتفي ببعض جوانبها التي لا تثير قلقا مجتمعيا .
وحين نتمكن من دراسة حجم الظاهرة وتأثيراتها ومضاعفاتها بطريقة متعددة المستويات والجوانب، نبدأ في رسم الخرائط السياسية والاجتماعية والدينية والثقافية لتسهيل عملية العودة والإدماج لشبابنا المغترب وهذا يستدعي جهودا مشتركة للعديد من المؤسسات والمنظومات تحت قيادة نخبة علمية ثقافية واعية ومتجردة قد تقترح تغييرات جذرية في منظوماتنا وممارساتنا الفكرية والثقافية والدينية والاجتماعية والسياسية، ويشارك تلك النخبة مجموعة من الشباب الحقيقيين والنابهين من كافة الطبقات والتيارات المجتمعية لوضع مسارات منطقية وآمنة لعودة تلك الفئة شديدة الأهمية للمجتمع.
وفيما يلي نقترح بعض المحاور :
• تغيير المنظومة الأسرية والمجتمعية القائمة على استئثار السلطة الوالدية بالقرار والقائمة على السمع والطاعة من الصغار والشباب.
• تغيير المنظومات التعليمية بما يضمن تقديم علوم حقيقية بطريقة تسهل قبولها لدى الطلاب وتعطيهم الفرصة للتفكير والمشاركة منذ المراحل المبكرة للتعليم فنخلق جيلا إيجابيا متفاعلا وفعّالا.
• تغيير منظومات العمل بما يتيح الفرصة لمشاركة كل العاملين في المؤسسة في اتخاذ القرارات المهمة، وعدم استئثار المدير أو رئيس مجلس الإدارة بكل القرارات.
• إعطاء الشباب الفرصة للإبداع وإثبات الذات والمشاركة في كل المواقع المجتمعية واحترام آرائهم وإبداعاتهم ومشاركاتهم، ليس بشكل رمزي لعدد قليل وفئة خاصة منهم، ولكن بشكل حقيقي وواسع ومؤثر.
• فتح آفاق المشاركة السياسية للشباب مع تعلية سقف حريتهم في التعبير عن آرائهم وتوجهاتهم .
• إتاحة الفرص المتكافئة للدراسة والعمل للشباب – دون تفرقة - في ظل منظومة من العدالة الاجتماعية .
واقرأ أيضاً:
هوس الحب (Erotomania) / الأحلام وحقيقة الغيب
التعليق: أنا متفقة جدا مع كلام حضرتك بس أنا كواحدة من الشباب اللي لسه بتدرس المفروض أعمل إيه عشان اطلع من الحالة ديه مهو مش معقول برضو نفضل مستنيين لحد أما المؤسسات تبتدي تاخد بالها مننا أصلا وتصلح كل حاجة تقريبا