التطورات العلمية في ميادين العقاقير والعلاج ضد الأمراض تبقى مناعة الإنسان ضد الأمراض جميعها خط دفاعه الأول للوقاية منها، والكل يعلم بأن الوقاية خير من العلاج. المقولة الأخيرة اثبتت مصداقيتها مع الجائحة التي هاجمت سكان كوكب الأرض لمدة عامين على الأقل وأدت إلى مشاكل صحية واقتصادية لا حصر لها.
رغم الجميع الإنسان السعيد يعتني بصحته ويأكل جيداً وينظم إيقاعه اليومي ويتجنب كل ما هو مضرٌ بالصحة. أما الإنسان الذي تصاحبه التعاسة فهو عكس ذلك، فلذلك ليس من المستغرب أن تكون مناعة الإنسان السعيد أفضل بكثير من الغير سعيد.
وهناك أيضاً الجانب الاقتصادي فالذي حالته المادية تتميز باليسر دون العسر تراه أقل عرضةً للاكتئاب والقلق وشعوره بالأمان والاستقرار أكثر بكثير. لذلك ترى أن مؤشرات الصحة الجسدية تتناسب طردياً مع المؤشرات الاقتصادية للإنسان.
وهناك جانبٌ آخر بالإضافة إلى أعلاه وهو أن الإنسان المتردية صحته لسبب أو آخر نصيبه من الرفاهية والسعادة أقل من غيره. هذه العوامل جميعها قد تجتمع في أَي عينة بشرية عند دراسة العلاقة بين السعادة والمناعة ضد الأمراض. ولكن هل هناك علاقة مباشرة بين الشعور بالسعادة والمناعة ضد الأمراض؟
المناعة والسعادة
سبب الحديث عن علاقة المناعة بالسعادة مصدره دراسة من جامعة نوتنغهام في وسط شرق إنكلترا تم نشرها في عام ٢٠١٧. مناطق بريطانيا الوسطى لها تاريخها مع الثورة الصناعية وهي مناطق عمالية أقل رفاهية من جنوب البلاد ولذلك لا يتوقع أحد بأن يكون مؤشر السعادة فيها عالياً. من جانب آخر فإن الجامعة التي صدر منها البحث واحدة من أرقى جامعات أوربا.
درس الباحثون عينة بشرية تعدادها ١٣٨ مواطناً بين عمر ٦٥ إلى ٨٥ عاماً وحرصوا على التدوين الدقيق لمختلف المؤشرات الطبية والاجتماعية والشخصية. استلمت العينة لقاح الأنفلونزا وتم مراقبة تغذيتهم ونشاطهم وحالتهم النفسية على مدى ٦أسابيع. بعد ١٦ أسبوعاً تم قياس رد الفعل المناعي للقاح الأنفلونزا . تم بعد ذلك دراسة قوة رد فعل الجسم المناعي للقاح وعلاقته بجميع العوامل وكانت النتيجة قاطعة وهي أن رد الفعل المناعي يتناسب طردياً مع مؤشر السعادة. لم يتم العثور على أي عامل آخر.
بالطبع مثل هذه الدراسة تثير اهتمام المجتمع ورجال السياسة أكثر من اهتمام الأطباء والمؤسسات الصحية. مهمة المؤسسات الصحية هو علاج الإنسان المريض جسدياً أو نفسياً، ولكن مهمة رجال الدولة مساندة المواطن معنوياً واقتصادياً ودفعه من قاع اليأس إلى سطح السعادة، ولكن الدراسات بحد ذاتها لا تخلو من نقاط ضعف تعرضها للانتقاد. مهما كانت قوة النتائج فإن العينة صغيرة وربما النتائج قد تكون أقل إثارة مع عينة كبيرة.
فرضية المناعة والسعادة
العلاقة العكسية بين مختلف الأمراض النفسية والجسدية والمناعة يعود تاريخها إلى منتصف القرن العشرين. الغالبية العظمى من الأمراض أكثر انتشاراً مع تردي المستوى الاقتصادي والاجتماعي للفرد. هذه العلاقة ربما قد تكون علاقة غير مباشرة أو مباشرة، ولكن السيطرة على مختلف العوامل تحت البحث لا يخلوا من الصعوبة.
لكن الدراسات الحديثة تشير إلى أن هناك علاقة مباشرة بين العزلة وعدم السعادة والمناعة ضد الأمراض. هذه الدراسات تشير إلى أن جينات الإنسان التي تحفز مناعته ضد الفيروسات أكثر تطوراً وتحفيزاً بسبب وجود الإنسان مع مجموعة بشرية منذ القدم. أما الجينات التي تحفز مناعته ضد البكتريا فهي أكثر تحفيزاً مع عزلته وابتعاده عن أقرانه بسبب عدم سعادته. الجينات الأخيرة تحفز العمالية الالتهابية الذاتي وهذه بدورها تؤدي إلى الإصابة بمختلف الأمراض الغير معدية.
رغم كل الفرضيات والبحوث العلمية التي يمكن بالسهولة انتقادها هناك حقيقة لا تخفى على من يعمل في مجال الصحة النفسية وهو عن متوسط عمر الإنسان المصاب بالاكتئاب والقلق أقل من غيره بما يقارب ٨ أعوام والبعض منهم يودع الحياة باختياره وقبل أن يداهمه المرض الذي يقضي عليه.
عوامل سعادة الإنسان
العوامل التي تدفع الإنسان للشعور بالسعادة متعددة، ولكنها لا تختلف كثيراً من ثقافة إلى أخرى. هناك أولاً شعور الإنسان بقيمته في المجتمع ودوره في الإنتاج وارتباط ذلك بقابليته على النمو. هناك عوامل اقتصادية تتعلق بدخله المادي وعمله، وهذه بدورها تساعد الإنسان على العثور على وقت للترفيه عن نفسه والسيطرة على الضغوط والتحديات. ثم هناك حياته العائلية وعلاقته الحميمية التي من خلالها يشعر بالحب وبالسعادة.
تم دراسة تأثير العوامل الاقتصادية والاجتماعية على شعور وإصابه الإنسان بعدم السعادة والاكتئاب منذ نهاية السبعينيات. والعامل الوحيد الذي أثبت فعاليته القصوى في الوقاية من الاكتئاب وفي جميع الدارسات هو علاقة حب حميمية يشعر فيها الإنسان بالسعادة والأمان.
واقرأ أيضاً:
الوسواس القهري (الحصار المعرفي) الديني / اضطرابات المزاج بين الوراثة والبيئة