الجهاز البصري مسؤول عن تحويل كل الطاقة الضوئية الساقطة إلى صورة بصرية للعالم تُشَفَّرُ معلوماتها في الشبكية الموجودة في خلفية العين، ثم تنقل إلى الباحات القشرية البصرية والوطاء والجزء العلوي من جذع الدماغ، وقد فُصِّلتْ عمليةُ التحاس (التحويل الحسي) البصري في مقالة سابقة.
الخواص البصرية للعين:
عند دخوله العين يجب أن يُرَكَّزَ الضوءُ بدقة على الشبكية، وتعتمدُ عمليةُ انكسارِ Refraction الضوء اللازمةُ لذلك على انحناء القَرَنِيَّةِ والطول المحوري للعين، والفشل في تحقيق ذلك يؤدي إلى العجز عن الرؤية الواضحة أثناء القراءة (مدُّ البصر Long-Sight or Hypermetropia) أو العجز عن رؤية الأشياء البعيدةِ بوضوح (الحَسَر Short-Sight or Myopia) أو كليهما، وفي الحالة الأخيرة تكون هناك مشكلة إضافية هي اللابُؤْرية Astigmatism حيث يختلفُ الانكسار الضوئي في خُطُولاتِ (خطوط الطول) العين المختلفة، وإضافة إلى ضرورة أن ينكسرَ الضوءُ على الشبكية بدقة فإنه يجب أن ينقلَ أيضا دون أي فقد لخواصه، ويعتمد هذا على صفاءِ كلّ من القرنيةِ والحجرتينِ الأماميةِ والخلفيةِ والعدسة، وآفات أو أمراض أيّ من هذه البِنَى قد تؤدي إلى نقصِ حدةِ الإبصار Visual Acuity(القدرة على تمييزِ التفاصيل)، وأكثرُ أسبابِ ذلك شيوعا هي العدوى أو الضرر بالنسبة للقرنية (التهاب القرنية Keratitis)، أو اعْتِتَامِ العدسة (السادّ أو الكاتاراكت Cataract).
تشريح ووظيفة الشبكية:
عندما يسقط الضوءُ على الشبكية تقومُ مستقبلاتُ الضوء بعملية التحاس الضوئي لتحوله إلى إشارات كهربية، وتوجدُ مستقبلات الضوء في الطبقة الأعمق (الأبعد من الخلط الزجاجي Vitreous Humour) من طبقات الشبكية، وهناك نوعان رئيسيان من المستقبلات الضوئية: النبابيت والمخاريط، فأما النبابيت فتوجد في كل مناطق الشبكية ما عدا النقرة Fovea وهي حساسة للمستويات المنخفضة من الضوء، وبالتالي فهي مسؤولة عن الرؤية في الليل (الرؤية الظلامية Scotopic Vision)، وتُنَزِّلُ نبابيتٌ كثيرةٌ معلوماتها لخلية عقدية Ganglion Cell واحدة وبالتالي فإن هذا النظام حساس للمستويات المطلقة للإضاءة بينما لا يستطيع تمييز التفاصيل البصرية الدقيقة ولا الألوان، وبالتالي فإننا في الليل قد نرى الأشياء لكننا لا نستطيع رؤية تفاصيلها أو ألوانها.
وتوجد المخاريط بأعلى كثافة في النقرة، ويحتوي المخروط على واحدة مختلفة من ثلاثة صباغ متبدلة بالضوء Photopigments، وهي المسؤولة عن الرؤية الضيائية Photopic Vision، ويعني هذا إضافة إلى كثافة المخاريط العالية في النقرة حيث تكاد تكون لكل مخروط خليتُهُ العقدية التي يرسل لها معلوماتِه، يعني أن المخاريط هي المسؤولة عن حدة الإبصار وعن رؤية الألوان، والتغيرات في الصباغ المتبدلة بالضوء في هذه المستقبلات تؤدي إلى عمى الألوان Colour Blindness، وأما أمراض المستقبلات التي تسبب موت خلاياها مثل التهاب الشبكية الصباغي Retinitis Pigmentosa فتؤدي إلى فقد للرؤية ذي مسار اشتدادي (يتزايد مع الوقت) ويؤثرُ -نموذجيا- في الأجزاء المحيطية من الشبكية وبالتالي فإن النبابيت تتأثر أولا مؤدية إلى العمى الليلي وتقلُّصِ ساحةِ الرؤية.
تتصل المستقبلات الضوئية مشبكيا بكلّ من الخلايا الأفقية Horizontal Cells والخلايا ثنائية القطب، وللخلايا الأفقية دوران رئيسيان هما:
(1) تكوين تنظيم المركز والمحيط Centre Surround Organization للحقل القابل للخلايا ثنائية القطب
(2) كما أنها مسؤولة عن تَحوّلُ الحسّاسيةِ الطيفِيةِ للخلايا ثنائية القطب لمجاراة مستوى إضاءة الخلفية (وهو جزء من استجابة التكيف الضوئي) ويعني تنظيم المركز والمحيط للحقل القابل Centre Surround Receptive Field أن الخلية الثنائية القطب تستجيب لبقعة صغيرة من الضوء في منتصف حقلها القابل بأسلوب (إزالة استقطاب أو فرط استقطاب) وتستجيب لحلقة الضوء حول تلك النقطة الضوئية المركزية بأسلوب عكس أسلوب استجابة مركز الحقل القابل، ومن خلال استقبال الخلايا الأفقية لمدخول من مستقبلات ضوئية كثيرة واتصالها مشبكيا مع المستقبلات الضوئية ثنائية القطب تستطيع تلك الخلايا أن تزود المعلومات اللازمة لتوليد استجابةِ ذلك الحقل القابل، وإن كانت الآلية التي تقوم بها تلك الخلايا في التكيف الضوئي غير مفهومة تماما بعد.
وأما الخلايا ثنائية القطب فتحمل المعلومات من المستقبلات الضوئية إلى الخلايا العقدية وتستقبل من المستقبلات الضوئية والخلايا الأفقية والخلايا عديمة الاستطالة المحوارية، ويمكن تصنيفها حسب نوع المستقبلات التي تستقبل منها (مخاريط فقط أو نبابيت فقط أو كليهما) أو حسب استجابتها للضوء، فالخلايا ثنائية القطب التي تكون استجابتها فرط استقطاب في مركز حقلها القابل تسمى على المحيط بعيدا عن المركز Off-Centre On-Surround ، بينما يكون العكس صحيحا للخلايا ثنائية القطب التي يزول استقطابها ببقعة ضوئية صغيرة في مركز حقلها القابل.
وأما الخلايا العقدية فهي الأقرب للخلط الزجاجي وتستقبلُ من كلّ من الخلايا ثنائية القطب والخلايا عديمة الاستطالة المحوارية، وترسل محاويرها إلى المخ عبر العصب البصري، وتسير هذه الألياف العصبية على السطح الداخلي للشبكيةِ قبل رحيلها عند موضع يشكل القرص البصري Optic Disc وهو المسؤول عن البقعة العمياء Blind Spot في شبكية العين إذ لا توجد فيه مستقبلاتٌ للضوء، وهذه البقعة العمياء لا تظهر في الإبصار الطبيعي، ويمكن تصنيف الخلايا العقدية بعدة طرق: حسب مورفولوجيتها، أو حسب أسلوبِ استجابتها للضوء كما في الخلايا ثنائية القطب (على أو بعيدا عن المركز) أو حسب مجموعة هذه الخواص (نظام تصنيف XYW)، والخلايا العقدية X والتي تشكل 80% من خلايا الشبكية العقدية مسؤولة عن تحليل التفاصيل واللون، بينما الخلايا العقدية Y مسؤولة عن اكتشاف الحركة، وأما الخلايا العقدية W والتي تشكل ال 10% الباقية من الخلايا العقدية فترسل إلى جذع الدماغ لكنها حتى الآن غير مفهومة الوظيفة، ونظام الخلايا العقدية X و Y والذي تم التعرف عليه بداية في القطط يقابل نظام القناة P و M في المُقَدَّمات، و الخلايا العقدية X و Y هما المسؤولان عن تشفير الشكل والحركة بالترتيب.
وأما الخلايا عديمة الاستطالة المحوارية Amacrine Cells في الشبكية فتستلم وتنقل الإشارات من الخلايا ثنائية القطب والخلايا عديمة الاستطالة المحوارية الأخرى والخلايا العقدية، وهناك أنواعٌ مختلفة كثيرة من الخلايا عديمة الاستطالة المحوارية بعضها متعلق بشكل خاص بالنبابيت وبعضها بالمخاريط، وتحتوي عددا من الناقلات العصبية المختلفة، وتميل هذه الخلايا إلى الاستجابة للمنبهات الضوئية بطريقة معقدة، وهي مسؤولة عن توليد كثير من خواص استجابة الخلايا العقدية بما في ذلك الاكتشاف والتشْفِير للأشياء المتحركة وبداية وتعديل (أو زوال) الإضاءة.
ويتبع>>>: الجهاز البصري II : المسارات البصرية والمناطق البصرية تحت القشرية
واقرأ أيضًا:
المجموع الحسي المستقبلات والمسارات الحسية / التحاس (التحويل الحسي) في الحواس الخاصة