الصدوي من الصدى: التردد، التجاوب
ما يُسمى بالحداثة وما بعدها، وربما بعض ما قبلها، يمكن وصفه بالإبداع الصَدوي، أي النابع من مشاعر الدونية والورائية، والنقصانية، والتوهم بأن الآخرين أفضل منا وعلينا أن نستنسخهم لنكون، فتأثرت الإبداعات وأصبحت صور منقولة عن الغير، دون الأخذ بنظر الاعتبار البودقة البيئية والاجتماعية التي أوجدتها.
فكانت الحالة منذ منتصف القرن العشرين، أشبه بزراعة النخيل في القطب الشمالي؟
هذا التماهي أوجب حالات غموضية ورمزية وهمية، أوجبت على الإبداع أن يكون محيرا و(مدوِّخا)، فالمباشرة والوضوح تعبّران عن الرداءة والابتذال، ولا بد من التعمية والتمويه، وتأكيد مفهوم (المعنى في قلب الشاعر)!!
ومن المعروف أن التماهي لا ينتج إبداعا أصيلا، لأن الأصيل يولد من رحم الأمة الثقافي والمعرفي، فالذين يغفلون ذلك، يميلون لاستحضار الأساطير، والتحليق في فضاءات الإشارية، وعدم التقيد بإرادة التجديد والتعبير المتواكب مع عصره، كما فعل العديد من مبدعي الأمة منذ عدة قرون.
فالتجديد الإبداعي حالة متواصلة في مسيرة المجتمعات على كافة المستويات، ويمكن استجلاءه من متابعة الشعر والكتابات الأخرى، ففي كل عصر أدوات تتفاعل مع معطياته، وتعبّر عن تفاعلاته ولا بد لها أن تكون مختلفة عما سبقها.
إن الحداثيين انطلقوا من أن الواقع العربي جامد، وهذه فرية أريد بها الاتقضاض على حقيقة الأمة وجوهرها، فالأمة كغيرها من الأمم، انطلقت وخبت، وتحدت وتواصلت، وتفاعلت مع عصورها المتغيرة بإرادة بقائية فائقة، والعقبة الكبرى التي تواجهها تكمن في نخبها المتنوعة، التي تنطلق من نظرة سلبية لا رصيد لها من الواقع، وتستحضر ما يبررها من الحالات الموجودة في جميع الأمم.
فهل إبداعنا أصيل؟!!