الحاسة: قوة طبيعية للإدراك
الفرق بين الشعراء هو بعدد الحواس التي يكتبون بها، وكلما زاد عدد الحواس التي يعبِّرن بها قلت أعمارهم، وتعاظمت أشعارهم.
الحواس الخلقية متنوعة ولا محدودة، ولكل مخلوق أدواته الحسية التي تميزه عن غيره، واستحضار الحواس في كتابة الشعر أو أي إبداع آخر، تضفي على البديع خصائصه وتؤسس مقامه ودوره في الحياة.
فالشعر القوي المؤثر تشترك بكتابته أكثر من ستة حواس، والضعيف يكون مكتوبا بأقل ما يمكن من الحواس.
فالأقوياء يسطرون ما تمليه عليهم كافة حواسهم المتيقظة المتفاعلة مع الحالة التي يتصدون لها، فتنطبخ كلماتهم وتنسبك عباراتهم لتكون ذات رونق فريد.
وتجد استنفار ما لا يحصى من الحواس المعبَّر بها شعريا عند الشعراء الذين ماتوا مبكرا، كطرفة بن العبد، أبو القاسم الشابي، أبو تمام وغيرهم.
تلك المديات الحسية الاستشعارية لا تتوفر عند أغلبية المخلوقات، بل تختص الطبيعة بعض موجوداتها وتميزها عن الجميع، وتجعلها دالتها نحو آفاق المدارك الخفية، التي تدفع بالكثرة للتقرب منها رويدا رويدا.
وما نسميهم بالنوابغ هم من ذوي الحواس اللامحدودة، الذين امتلكوا أدوات التعبير بواسطتها عما ينعكس في دنياهم ويعتلج في أعماقهم.
فالشعر الأرقى يشترك بتأليفه أكبر عدد من الحواس الفاعلة المتفاعلة المقتدرة، التي يتدفق بواسطتها سحر الجمال والروعة، والتواصل البعيد مع مكنونات الذات الإنسانية.
وقد فازت البشرية بعدد من الذين أدركوا ما لا تدركه الكثرة المتكاثرة، فنقلوا الحياة إلى آفاق متواصلة الاتساع والإشراق الواعد بالجديد، والمتجدد من الكينونات الساطعة والصيرورات الجامعة.
فهل أن الشعر صوت لجمع الحواس؟!!
واقرأ أيضاً:
عناصر الجدول الدوري ومحنتنا!! / العقول المحورة!!