الارتباط الأمومي والتعلق Maternal Bonding & Attachment
يكثر البشر من استعمال هذه الكلمة في جميع ميادين الحياة الاجتماعية والنفسية والوظيفية. يتحدث الإنسان عن تعلقه بالوطن إن كان عائشاً في وطنه أو تحتضنه بقعة من بقاع الأرض نشير إليها بالغربة. بعدها يتحدث الإنسان عن تعلقه بمكان عمله، وتراه يعاني الكثير عند الرحيل إلى مكان عمل آخر. قائمة ما يمكن أن يتعلق به الإنسان لا نهاية لها ولا تشمل فقط الوطن والعمل والعائلة وإنما هناك من يكون شديد التعلق بكائنات حية متعددة وحتى بلعبة يحملها في جيوب ملابسه. إن ظاهرة التعلق التي تلازم الإنسان طوال عمره مصدرها واحد فقط وهي الطفولة.
التعلق في مراحل الطفولة
ترتبط الأم بطفلها منذ أيام الحمل، ويبدأ هذا الارتباط بالنمو مع تقدم الأسابيع واقتراب موعد الولادة. يمكن تعريف هذه العملية بالارتباط الأمومي ومتى ما كان هذا الأمر صحياً يمكن توضيحه باختصار على أنه حرص الأم على خلق محيط عاطفي خاص للطفل في داخلها.
عملية الارتباط الأمومي Maternal Bonding تبدأ بخلق أفكار وأحلام حول الحياة الموجودة في داخل الرحم وماذا تعني للأم. هذه العملية قد تتأثر بالعديد من المشاكل النفسية والطبية التي قد تتعرض لها الأم خلال أشهر الحمل، وبدورها قد تؤثر سلبياً على علاقة الأم بالطفل، وعلى ضوء ذلك لابد من الانتباه إلى الصحة النفسية للمرأة خلال أشهر الحمل. لابد من توثيق العلاقة مع الزوج في هذه المرحلة ومشاركته في المتابعة الصحية للمرأة والتخطيط معاً للأيام القادمة. من خلال ذلك يمكننا أن نتصور بأن علاقة الأم بطفلها تنتج مخططات عقلية Mental Schemas في الأم منذ مرحلة مبكرة وقبل ولادة الطفل.
ولكن عندما نتحدث عن التعلق فالإشارة هنا تكون نحو ما نسميه بنظرية التعلق Attachment Theory المرتبطة باسم جون بولبي John Bowlby. استعمل الأخير هذا المصطلح في أول الأمر عام 1958 وبعدها طور النظرية من خلال ثلاث نشرات تحت اسم الضياع التعلق Attachment & Loss في 1969، 1973، و1980 ولم تلاقي هذه النظريات انتباه الكثير من الأطباء النفسانيين والباحثين في علم النفس لفترة طويلة ولكنها بدأت تتبوأ مقعدها مع زيادة الاهتمام بدراسة العلاقة بين الطفل والوالدين في شتى المجالات الطبية والاجتماعية.
تعريف التعلق
هو وثاق بيولوجي الأصل بين الطفل ومن يرعاه والذي من خلاله يتم ضمان سلامة وبقاء الطفل. في هذا النموذج يسعى الطفل إلى التقرب إلى من يرعاه والحصول على رد فعل مريح ومفيد. تبدأ هذه العملية منذ الأسابيع الأولى وتصبح واضحة ومتميزة في عمر ستة أشهر، ويضيف البعض بأن فترتها الحرجة هي بين عمر 6 – 18 شهراً. عندما يتوجه الطفل نحو من يرعاه وتبدأ عملية التعلق فهناك صفات معينة في شخصية الأم أو من يرعى الطفل والتي بدورها تساعد على سير العملية بصورة صحية وهي:
١- التناسق في السلوك ورد الفعل.
٢- جدير بالثقة.
٣- تحليه بالصبر.
٤- الحزم في السيطرة.
من جراء هذه العملية يتم استحداث نماذج داخلية عملية للعلاقات ويتم خزنها كمخططات عقلية يتم استعمالها في جميع مراحل الحياة. هذه المخططات العقلية تتعلق بتوقعات الإنسان حول سلوك الآخرين تجاههُ.
في هذا المرحلة يمكن أن نتحدث أن هناك نوعين من المخططات العقلية التي يخزنها الإنسان:
١- مخططات منذ الطفولة يتم خزنها من جراء تعلق الطفل بمن يرعاه.
٢- مخططات تخزنها الأم من جراء حملها للطفل والرعاية به.
المخططات الأولى أكثر ثباتاً وتفعل فعلها في العلاقات البشرية. أما المخططات الثانية فلها علاقات بالمخططات الأولى التي تم خزنها وكذلك بالظروف الاجتماعية والصحية أثناء فترة الحمل ورعاية الطفل.
ويتبع: الارتباط الأمومي والتعلق2
واقرأ أيضًا:
الاستشارة الطبنفسية (الطبنفسانية) / المفهوم الحديث لاضطراب الشخصية ٢٠٢٢