قشرة المخ قبل الجبهية Prefrontal Cortex ق.ج3
متلازمة الفص الجبهي
الفص الجبهي هو أكبر فص من فصوص دماغ الإنسان، يقع أمام التلم المركزي. ويقسم من الناحية التشريحية العصبية إلى 3 مناطق رئيسية تحددها وظائفها وتشريحها. هم القشرة الحركية الأساسية، والقشرة الحركية التكميلية، وقشرة الفص الجبهي، وهذا الفص كما بينا من قبل مسؤول عن مجموعة واسعة من الوظائف الإنسانية العقلية عالية المستوى، مثل التفكير والتخطيط والتفكير العقلاني، البصيرة والتعاطف، التقييم والحكم والتحكم في الاندفاع ، والتنظيم العاطفي والسلوكي، صناعة القرار، التفكير التحليلي والمنطق، والكلام واللغة المكتوبة، وأيضًا حاسة الشم والذوق، وحركات الجسم الإرادية، والإبداع والخيال... وأكثر، ولهذا فإن سلامة الفص الأمامي أمرٌ بالغ الأهمية للاستقلالية الشخصية والسلوك الاجتماعي المناسب والعلاقات الشخصية الجيدة ومعالجة المعلومات والنجاح في الحياة. لذلك، فعند تعرض الفص الجبهي للتلف، يؤدي الضرر الذي يلحق بالباحات الحركية إلى ضعف وإعاقة تنفيذ المهام الحركية في الجانب المقابل من الجسد، وإلى جانب الضعف أو الخزل الحركي كثيرا ما يبدأ الشخص في التصرف والتفكير بشكل مختلف ويتم تشخيصه بما يسمى متلازمة الفص الجبهي، وهو أي متلازمة الفص الجبهي Frontal lobe syndrome مصطلح واسع يستخدم لوصف الأضرار التي تصيب العمليات الوظيفية العليا للدماغ مثل التحفيز والتخطيط والسلوك الاجتماعي وإنتاج اللغة / الكلام.
الأسباب الشائعة لمتلازمة الفص الجبهي
عادة ما ينتج الخلل في وظائف الفص الجبهي، عند تعرضه للتلف والأسباب الأكثر شيوعًا لذلك هي:
1- إصابات في الدماغ: لأن الفص الجبهي هو أحد منطقتين من الدماغ تتضرران غالبًا في إصابات الرأس. كلما زادت خطورة الإصابة، زاد عدد الأعراض والمشاكل التي من المحتمل أن يصاب بها الشخص.
2- أمراض الأوعية الدموية الدماغية والسكتة الدماغية
3- أورام الدماغ
4- أمراض التنكس العصبي وحالات أخرى
أعراض متلازمة الفص الجبهي
خاصة مع انتشار جراحة المخ والأعصاب ومتابعة جراحات مثل استئصال الفص والبضع وغيرها لعلاج الاضطرابات النفسية المستعصية أو إزالة الأورام، فقد ظهرت مجموعة متنوعة من الحالات والتغيرات السلوكية والشخصية الكبيرة بسبب تلف الفص الجبهي. وكان هارلو (Harlow, 1868) أول من وصف هذه المجموعة من الأعراض وسماها "متلازمة الفص الجبهي" بعد بحثه عن حالة فينياس غيج Phineas Gage الشهير الذي عانى من تغيير جذري في السلوك نتيجة إصابة الفص الجبهي (Pirau L, Lui, 2022) ونشر وصف هارلو بعد إصابته بعقدين من الزمان (Harlow, 1848) . لكن أيا كان السبب، فإن متلازمة الفص الجبهي تشكل حالة صعبة ومعقدة للأطباء. وذلك بسبب وظائفه المتنوعة وارتباطاته الواسعة والحساسة بأجزاء أخرى متفرقة من الدماغ، فيمكن أن تسبب إصابة الفص الجبهي تغييرات كبيرة في طريقة تصرف الشخص وتفكيره وقدرته على العمل. في أي شخص، ستظهر الأعراض التي تظهر الضرر الذي لحق ببنى الفص الجبهي المحددة التي تأثرت بالإصابة أو المرض وسنعرض هنا في الجدول أدناه أشهر الأعراض مجمعة ثم نستعرض المتاح من المعلومات عن التغيرات الناتجة عن الأذى المحدد لأجزاء القشرة قبل الجبهية المعينة. لكن من المهم قبل ذلك الإشارة إلى أن تسمية متلازمة الفص الجبهي هي تسمية قديمة لا تصلح الآن تشخيصا رسميا، فحسب التصنيفات الحديثة يضعها تصنيف منظمة الصحة العالمية الدولي للأمراض في نسخته الـ11، على أنها "تغير الشخصية الثانوي" ضمن المتلازمات العقلية أو السلوكية الثانوية المرتبطة بالاضطرابات أو الأمراض المصنفة في مكان آخر (WHO, 20218). وتم تصنيفها ضمن "تغيير الشخصية بسبب حالات طبية أخرى" تحت العنوان الفرعي "اضطرابات الشخصية الأخرى" وتحت عنوان "اضطرابات الشخصية" في النسخة الخامسة DSM-5 للدليل التشخيصي والإحصائي الأمريكي للاضطرابات العقلية (APA 2013).
أعراض متلازمة الفص الجبهي Frontal lobe syndrome يمكن أن تشمل أيًا مما يلي: | |
تغير الشخصية | زيادة أو نقص الاهتمام بالجنس |
فقدان الحافز أو عدم القدرة على بدء الأنشطة المحفزة ذاتيا. | صعوبة في حل المشكلات والتركيز |
اللامبالاة | التشتت والتشتت |
ضعف القدرة على إصدار الحكم | فقدان حاسة الشم و / أو التذوق |
سلوك غير مناسب أو محفوف بالمخاطر | مشاكل في التحدث أو الكتابة |
الطيش عدم السيطرة على الاندفاع | السقوط أو صعوبة الحركة الإرادية مثل المشي أو التقاط الأشياء |
نوبات انفعالية متكررة و / أو شديدة | ضعف في جانب واحد من الوجه أو الجسد |
أعراض الاكتئاب |
وفي حين أن العديد من هذه الأعراض تظهر في الاضطرابات الطبنفسانية أو الطبية الأخرى، فعندما يصاب شخص ما بمتلازمة الفص الجبهي، فإن هذه الأعراض ستكون جديدة بالنسبة له. بعبارة أخرى، قبل الإصابة أو المرض، لم تكن هناك مخاوف ملحوظة أو كانت مرتبطة بمشكلة تم تشخيصها مسبقًا وإنما ساءت الأعراض منذ حدوث الضرر الأخير.
وأما بخصوص ما أمكن إرجاعه من الأعراض لتلف جزء محدد من القشرة الجبهية فإنها تتعلق بكل من ق.ج.با vmPFC وق.ج.ح OFC أو ق.ج.ظو DLPFC أو القشرة الحزامية الأمامية ق.ح.ا Anterior cingulate cortex ACC وهي جزء من الفص الحوفي Limbic Lobe محتضنة وسط نصفي الدماغ
اللحاء الجبهي البطني Ventromedial Orbitofrontal Cortex
وهو ما يجمع ق.ج.با vmPFC وق.ج.ح OFC ومن المعروف أن الآفة في هذا الموضع تسبب ما يسمى "شخصية الفص الجبهي frontal lobe personality " ، وتسبب الآفات في المناطق الجبهية (الأمامية) الحجاجية تغيرات جذرية في السلوك تؤدي إلى الاندفاع ونقص الحكم. وترتبط الآفات التي توجد عادةً في مناطق برودمان 10 و11 و12 و47 بفقدان التثبيط، والقدرة العاطفية، وعدم القدرة على العمل بشكل مناسب في التفاعلات الاجتماعية (Pirau L, Lui, 2022). فعادةً ما يظهر مرضى بالتلف في ق.ج.با عيوبًا صارخة في التنقل السلوكي في العالم الحقيقي، وفضلا عن ما لديهم من خلل في معالجة المشاعر - يختارون الخيار "النفعي" عندما يواجهون معضلات أخلاقية. فمثلا قد يختارون إيذاء شخص واحد لإنقاذ خمسة. وعندما طلب من تسعة مرضى يعانون من آفات في ق.ج.با تقييم سيناريوهات أخلاقية مختلفة صورت السيناريوهات شخصًا يرتكب فعلًا إما بنتيجة طيبة أو مؤذية، مثل إعطاء سم محتمل، وتحديد ما إذا كان الشخص يقصد الأذى أو لا يقصده بغض النظر عن النتيجة، صنف المرضى المحاولة الفاشلة للإيذاء على أنها جائزة أكثر من فعل ضار عرضيًا، مما يدل على إهمالهم لدور النية، أو نية الأذى على الأقل، والتركيز أكثر على النتيجة عند إصدار أحكام أخلاقية. تتناقض استجابتهم هذه مع استجابة المتطوعين العاديين والأشخاص المصابين بأضرار في مناطق الدماغ الأخرى، والذين كان لديهم رد فعل معاكس (Young et al., 2010)، وربما كان تفسير ذلك أن مرضى التلف في ق.ج.با غالبا لأن لديهم مشكلة في فهم النوايا السيئة -على الأقل- أو إقامة اعتبار لها، كذلك يظهر المصابون بأضرار في ق.ج.با قدرة على إصدار أحكام أخلاقية بوعي ودون أخطاء، ولكن فقط في المواقف الافتراضية المعروضة عليهم، بينما هم يعانون من ضعف شديد في اتخاذ القرارات الشخصية والاجتماعية.
وهناك أخيرا من البيانات التجريبية في دراسات علم الشيخوخة (Denburg, 2007) ما يشير إلى أن عددًا كبيرًا (حوالي 35-40٪) من كبار السن (60-90 سنة) الأصحاء الذين يعانون من أضرار مكتسبة في ق.ج.با بشكل خاص يؤدون أداءً غير مؤاتٍ في المهمات المعملية الحساسة لعيوب التفكير واتخاذ القرار. حيث يُظهر كبار السن هؤلاء استجابات نفسية فسيولوجية معيبة تحسباً لقرارات محفوفة بالمخاطر، فضلاً عن الميل للوقوع فريسة للإعلانات المضللة.
المتلازمات الحزامية الأمامية والظهرية الوحشية:
قد تسبب الآفات في المناطق المحيطة بمناطق برودمان 9 و46 عجزًا في ذاكرة العمل وتعلم القواعد، والتخطيط، والانتباه، والتحفيز. وقد أكدت الأدبيات الحديثة أن ق.ج.ظو بنية بالغة الأهمية لوظيفة ذاكرة العمل وخاصة لمراقبة ومعالجة محتوى الذاكرة أثناء العمل. وقد تؤثر آفات ق.ج.ظو أيضًا على الانتباه حيث أن العديد من الحالات قد وثقت لمرضى يشتكون من قصور في الانتباه بعد إصابة الدماغ. وهناك أيضًا آثار نفسية أخرى بسبب إصابة ق.ج.ظو، مثل متلازمة "الاكتئاب الزائف" Pseudo-Depressive Syndrome المرتبطة بآفات ق.ج.ظو وتشمل أعراضها فقدان المبادرة، وانخفاض الدافعية، وانخفاض الإنتاج اللفظي، وفقر المبادرة Abulia إضافة إلى ضعف القدرة على تبديل المهام أو تحويل الانتباه أو التخطيط أو حل المشكلات، وكذلك العجز عن اكتشاف الحداثة وعن الانتباه الخارجي (Pirau L, Lui, 2022).
علاج متلازمة الفص الجبهي:
بالإضافة إلى أي أدوية أو إجراءات جراحية ضرورية لمعالجة السبب الكامن وراء الأعراض، تختلف استراتيجيات علاج متلازمة الفص الجبهي تبعًا لنوع ودرجة الضرر الذي يلحق بالدماغ. على سبيل المثال، عندما تتأثر المناطق الحركية، يمكن أن تساعد إعادة التأهيل البدني الشخص على بناء القوة والوظيفة إلى أقصى حد ممكن أو تعلم طرق بديلة للحركة. قد تشمل الأنواع الأخرى من العلاج:
أولا: علاج النطق واللغة لتحسين قدرة الفرد على التواصل، في حالة تلف هذه الوظائف
ثانيا: العلاج المهني لمساعدة الشخص على تطوير أو تحسين قدرته على المشاركة في الأنشطة اليومية، مثل ارتداء الملابس وتنظيف أسنانهم، ويتم ذلك من خلال:
1. إنشاء روتين منظم: يواجه مرضى التلف في قشرة الفص الجبهي صعوبة جمة إذا أرادوا التخطيط أو البدء في الأنشطة بأنفسهم، وللمساعدة في التغلب على هذا الجمود، من المهم إنشاء روتين منظم. لأن الروتين يساعد المرضى على معرفة "ما هو التالي" دون الحاجة إلى استنتاج شيء بمفردهم. وهذا يقلل من كمية الطاقة العقلية التي يجب أن ينفقوها.
2. التقليل من مصادر الإلهاء: يمكن أن يتسبب تلف قشرة الفص الجبهي في مشكلات في الانتباه. وأفضل طريقة للتعامل مع ذلك هي تقليل الملهيات قدر الإمكان خاصة عند محاولة إنهاء مهمة ما.
ثالثا: العلاج السلوكي المعرفي:
يمكن أن يساعد العلاج السلوكي المعرفي (ع.س.م CBT) المرضى على التعامل مع الآثار العاطفية والسلوكية للأضرار التي لحقت بقشرة الفص الجبهي. على وجه التحديد، يساعد العلاج المعرفي السلوكي المرضى على تعلم كيفية معالجة المعتقدات السلبية التي قد تؤثر على السلوك. ثم تعلم طرق مفيدة لاستبدال الأفكار السلبية بأفكار إيجابية، كما يمكنه أيضًا مساعدة الأشخاص على إعادة تعلم التعاطف وردود الفعل الاجتماعية المناسبة.
ممارسة تدريبات الوظائف المعرفية: وهي مجموعة كبيرة من التدريبات للتركيز، والانتباه، والذاكرة، والاستدلال.. إلخ يحتاج كل مريض منها بحسب حاجته، لكن هناك تدريبات خاصة بتلف الفص الجبهي من أهمها تدريب تسلسل المهام Task-Sequencing ، حيث يعطى المريض أو يطلب من شخص آخر كتابة الخطوات اللازمة لإكمال نشاط معين، مثل الذهاب إلى الحديقة. لكن بحيث تكون الخطوات ليست بالترتيب الصحيح. ومهمته هي إعادة ترتيب الخطوات حتى تصبح بالترتيب الصحيح، وبالتدريج يتم تصعيب المهام أكثر، مثل إعداد وجبة غذاء معينة... وهكذا.
رابعا: العقاقير:
لا توجد عقاقير علاجية خاصة بتلف القشرة الجبهية، لكن مريض متلازمة الفص الجبهي عادة يعاني من اكتئاب أو من اضطراب الكرب الرضحي أو يسلك سلوكا عدوانيا أو مفرط الانفلات إلى غير ذلك من أعراض تستأهل علاجا عقاريا وأكثر العقاقير وصفا في تلك الحالات هو مضادات الاكتئاب ثم مضادات الذهان وموازنات المزاج، وربما المريض أصلا يستخدم مضادات الصرْع... وكلها تعالج أعراضا لا أمراضا.
وأخيرًا، هناك من يستخدم بعض الأدوية المستخدمة لعلاج أعراض اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه لتساعد في تقليل الآثار الضارة لتلف قشرة الفص الجبهي. عقار مثيل فينيديت Methylphenidate هو أحد الأدوية التي يتم وصفها بشكل شائع لمرضى إصابات الدماغ الرضحية، ليزيد من مستوى الدوبامين في الدماغ. فيساعد على زيادة الدافع والتركيز، وهما مهارتان يعاني من ضعفهما العديد من الناجين من إصابات الدماغ، إلا أن الأمر ليس بهذه البساطة في أكثر الحالات، وما نزال بحاجة إلى مزيد من المعرفة العلمية.
المراجع:
1- WHO. (2018). ICD-11 Clinical Descriptions and Diagnostic Guidelines for Mental and Behavioural Disorders. https://gcp.network/en/private/icd-11-guidelines/disorders.
2- APA (2013) Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders, 5th edition (DSM-5). Washington DC, American Psychiatric Association.
3- Pirau L, Lui F. (2022). Frontal Lobe Syndrome. 2022 Jul 19. In: StatPearls [Internet]. Treasure Island (FL): StatPearls Publishing; 2022 Jan–. PMID: 30422576.
4- Harlow, John Martyn (1868). "Recovery from the Passage of an Iron Bar through the Head". Publications of the Massachusetts Medical Society.2(3):327–47. Reprinted: David Clapp & Son(1869).
5- Harlow, John Martyn (1848). "Passage of an Iron Rod Through the Head". Boston Medical and Surgical Journal. 39 (20): 389–93. doi:10.1056/nejm184812130392001.
6- Young L, Bechara A, Tranel D, Damasio H, Hauser M, Damasio A. (2010). Damage to ventromedial prefrontal cortex impairs judgment of harmful intent. Neuron. 2010 Mar 25;65(6):845-51.
7- Denburg, N. L., Cole, C. A., Hernandez, M., Yamada, T. H., Tranel, D., Bechara, A., and Wallace, R. B. (2007). The orbitofrontal cortex, real-world decision making, and normal aging. Ann. N. Y. Acad. Sci. 1121, 480–498.
واقرأ أيضًا:
الجهاز البصري III :الباحات البصرية القشرية / قشرة المخ قبل الجبهية Prefrontal Cortex ق.ج1