الفصام واضطرابات ذهانية أولية8
وهامات الذنب Delusions of Guilt
تتميز بالشعور المفرط بالذنب. يمكن التفريق بين الأمراض النفسية المختلفة التي تؤدي إلى هذه الوهامات فيما ورد بالمقالات السابقة. وهناك بعض الأفراد الذين يرتكبون ذنباً في صغرهم ويتم تجاوزه مع العمر. ثم عند الإصابة بالاكتئاب مع تقدم العمر يتم وضع هذه التجربة في إطار وهامي وتصبح العلامة الأكثر تمييزاً للمرض. يجب الانتباه هنا إلى أن إطار الفكرة دون محتواها هو المهم وكون أن التجربة حدثت لا يعني أن الفكرة غير وهامية. يتم التخلص من الإطار الوهامي للفكرة مع العلاج، ولكن على الطبيب النفساني أن يتوخى الحذر من تساؤل الأقارب حول حديث المريض وإن كان قد حدث بالفعل وغير ذلك. يجب الإصرار على أن كلام المريض وشعوره بالذنب هو نتيجة الاكتئاب بدلاً من القول بأن خطيئة الماضي هي سبب الاكتئاب. هذا ما يطلق عليه أحياناً مصطلح المعقول Understandable لتطور بعض الأفكار في الشخصيات الحساسة من أفكار طبيعية إلى وسواسية وبعدها يتم وضعها في إطار وهامي.
أما وهامات الحب Delusions of Love فهي لا تخلو من الخطورة وتتعلق دوما بشخصيات فنية أو مهنية مشهورة أو ذات أهمية يتصور المريض بأنها تحبه والناس تبذل الجهد الكبير في منع الأحبة من اللقاء.
وهامات الغيرة Delusions of Jealousy هي أكثر الوهامات الخطورة. إن تعبير الغيرة قد لا يكون مرضياً للكثير من العاملين في الصحة النفسية لأن هذه الكلمة شائعة الاستعمال بين الناس ولا تعني بالضرورة حالة مرضية. في مجال الطب النفساني الفرنسي القديم يعتبر الإشارة إلى غياب الغيرة حالة مرضية بحد ذاتها. على ضوء ذلك تم الاستعاضة هذه الأيام بتعبير وهامات الخيانة الزوجية Delusions of Infidelity والتعبير الأخير أكثر دقة ويتوازى مع الممارسة السريرية على أرض الواقع. رغم أن وهامات الخيانة الزوجية قد تظهر في أي اضطراب ذهاني فهي كثيرة الولادة في بعض الأفراد الذين يعانون من الإدمان على الكحول والإفراط في الحساسية الشخصية. يتصور البعض أن الضعف الجنسي الناتج عن استعمال الكحول يؤدي إلى استعمال عملية دفاعية نفسية غير شعورية نطلق عليها الإسقاط Projection وذلك يعني إسقاط اللوم على الزوجة أو الزوج بتفكك العلاقة الجنسية من جراء علاقة جنسية غير شرعية. من أهم مظاهر هذه الوهامات هو السلوك المصاحب لها فترى المريض منهمكاً بالعثور على أدلة لحدوث فعل جنسي لشريكته مثل فحص الملابس وتفسير كل تصرفاتها على ضوء حدوث علاقة جنسية مع شخص آخر. يجب أن يتجاوز الطبيب النفساني الحدود المهنية إذا لزم الأمر ويخبر الضحية بهول الحالة المرضية لأن بعض المرضى ينتهي الأمر بهم بارتكاب جريمة. والقاعدة الأخيرة تنطبق كذلك على وهامات الحب. يطلق على وهامات الغيرة أحياناً بمتلازمة عطيل Othello Syndrome نسبة إلى مسرحية تاجر البندقية لشكسبير.
أما وهامات الانعدام Delusions of Nihilism أو وهامات اللاوجود Delusions of Negation فغالباً ما يطلق عليها متلازمة كوتارد Cotards’s Syndrome ومع هذه الوهامات ينكر المريض وجود جسده أو عضو فيه أو عقله أو حتى وجود من يحب حوله. غالباً ما تكون المتلازمة جزءً لا يتجزأ من اضطراب اكتئابي ذهاني، ولكن قد تظهر أحياناً في الشيزوفرانيا وفي اضطرابات أخرى.
هناك أنواع أخرى من الوهامات لم يتم التطرق إليها أعلاه حيث إن المقال سيتركز على اضطراب الوهامية.
تشخيص الاضطراب الوهامي Diagnosis
يمكن الرجوع إلى تشخيص هذا المرض حسب اللوائح المدرجة في مجلدات تصنيف الأمراض النفسية، ولكن القواعد العامة للوصول إلى التشخيص سريرياً هي:
1. عدم وجود أي علامة من الأعراض المرضية للشيزوفرانيا.
2. الوهامات يجب ألا تكون عجيبة Bizarre.
3. عدم وجود إشارة إلى أن الوهام ناتج عن اضطراب وجداني.
4. عدم وجود إشارة إلى أن الوهامات ناتجة عن تعاطي المواد الكيمائية أو العقاقير أو حالة مرضية طبية.
5. يجب أن يكون أداء المريض خارج نطاق الوهامات طبيعياً.
متى ما طبقت القواعد الخمسة السابقة سينتهي الأمر إلى تشخيص حالة مرضية تتميز بأنها نادرة لسببين: أن هؤلاء المرضى لا يحتاجون إلى علاج ما دامت وهاماتهم لا تشكل خطراً على الآخرين. أن هؤلاء المرضى لهم تمام الثقة بأن عقولهم أكثر سلامة من غيرهم.
إن الصعوبة في تشخيص المرض وتعريفه تؤدي إلى تغيير التشخيص على المدى البعيد في 25% من الحالات إلى اضطرابات وجدانية أو شيزوفرانيا إن طبيعة المرض وتشخيصه تفسر ندرة انتشاره إذ تتراوح نسبته من 0.025% إلى 0.03% بين السكان وهو أقل انتشاراً بكثير من الشيزوفرانيا (1%) أو اضطرابات المزاج. معدل عمر المريض هو 40 عاماً، ولكن يمكن مشاهدة المرض بين 18 عاماً حتى العقد العاشر من العمر، وهناك زيادة طفيفة في النساء مقارنة بالرجال. وهامات الحب أكثر شيوعاً في النساء بينما وهامات الاضطهاد أكثر في الرجال.
عوامل الخطورة بالإصابة
تقدم العمر وما يصاحبه من ضغوط اجتماعية وانعزال. يعيش الإنسان في وقتنا هذا في مجتمع لا يصعب تصنيفه بمجتمع كاذب مضطهد على حد تعبير نورمان كاميرون وقد نشر هذا العالم الاجتماعي مقالته أيام الحرب العالمية الثانية متحدثاً عن مجتمع كاذب بكل معنى الكلمة لا يولد عند الفرد إلا توقع الاضطهاد بعد الآخر بطرق وصفها بالسادية. يضج المجتمع بتفاعلات اجتماعية لا تعرف الثقة وتؤكد الشك وتنصح بالعزلة الاجتماعية لاتقاء العقاب. إذا لم يكن المرء ضحية الاضطهاد فتراه منهمكاً بالحسد والغيرة يقضي عمره يراجع نفسه ويراقب الآخرين ولا يزداد إلا قلقا وهموماً. لا عجب أن ترى كثرة استعمال مصطلح وهام النفس Self-Delusion وربما أفلح الكاتب المسرحي آرثر ميلر Arthur Miller بالتعبير عنها في شخصية ويلي لومان Willy Loman في رائعته موت بائع. Death of a Salesman
1- انخفاض الفعالية الحسية وخاصة البصرية والسمعية.
2- تاريخ عائلي للمرض.
3- حساسية في التفاعلات الشخصية الاجتماعية الناتجة من صفات الشخصية الفردية.
4- الهجرة Immigration تكثر ملاحظة هذا الاضطراب أو بالأحرى تشخيصه في المهاجرين من بلد إلى آخر لأسباب واضحة.
ربما يمر المهاجر بمراحل عدة في رحلة البقاء في البلد الذي هاجر إليه. في بداية الأمر يشعر بالأمان بعيداً عن بلده الأم إن كان لاجئاً أو يشعر بالغربة الشديدة إن كانت هجرته طوعية. في المرحلة الثانية يشعر بأنه جزء لا يتجزأ من المجتمع الجديد. تمر الأيام ويدرك في المرحلة الثالثة بأنه جسم غريب في هذا المجتمع شاء أم أبى. يضاف إلى ذلك بأن المهاجر له أبعاده الحضارية التي قد لا تتلاءم ولا يمكن دمجها بالمجتمع الجديد ويتم تصنيف أفكاره بالوهامية.
هناك عوامل بيولوجية تم دراستها لتحديد موقع هذا الاضطراب في الدماغ، ولكنها تحتاج إلى أكثر من إعادة لتثبيتها وتتميز بقلة عدد المرضى المشاركين في الدراسات ناهيك عن الدقة في التشخيص. أما نظرية فرويد المتعلقة بالاضطراب الزوراني التي تؤكد على استعمال الإسقاط Projection كعملية دفاعية ضد المثلية الجنسية الكامنة والمتخفية عن الفرد فهي مبنية على حالات مرضية نادرة خضعت لتحليل نفسي لا يمكن تثبيته علمياً ومليئة بآراء شخصية فلسفية أكثر منها علمية.
ويتبع>>>>: الفصام واضطرابات ذهانية أولية10
واقرأ أيضًا:
المفهوم الحديث لاضطراب الشخصية ٢٠٢٢ / الارتباط الأمومي والتعلق1