الاضطرابات التفارقية: رحلة من القرن 18 إلى القرن 21-ج3
مجموعة سريرية لاضطراب التفارق
هذه الحالات تلقي بعض الضوء على التحديات التي تواجه الطبيب النفساني أو أي طبيب آخر في التعامل مع الاضطرابات التفارقية. كذلك توضح هذه الحالات المشاكل التي تواجه الفريق الطبنفسي في التعامل مع حالات التفارق.
حالة 1: عانت شابة عازبة لديها تاريخ مؤكد من الصرع منذ بداية المراهقة من ألم شديد وحرارة عالية في كلا الذراعين والساقين ظهر فجأة وبدون سابق إنذار. أثبتت جميع التحريات عدم وجود تفسير عضوي للألم الذي تم تخفيفه فقط عن طريق غمر اليدين في الماء المثلج البارد. الوالدان مطلقان وهناك أخ غير شقيق من زواج والدتها الثاني، واستمرت على اتصال بين الحين والآخر مع والدها البيولوجي منذ عمر تسعة أعوام. كشفت الآنسة لكادر التمريض بأنها ضحية اعتداء جنسي من زوج أمها أثناء أعوام المراهقة، وتم نقلها إلى ردهة الأمراض الطبنفسية. اختفى الألم بصورة تدريجية خلال ثلاثة أسابيع. وصلت القضية إلى القضاء ولم تثبت إدانة زوج الأم.
حالة2: عانت طالبة جامعية من نوبات سقوط متكررة وبدون سابق إنذار مع فقدان وعي قصير. تم استبعاد الصرع وتم تشخيصها بنوبات تفارقية لا صرعية، ولم يتم تشخيص اضطراب عقلي آخر، وكشفت لفريقها الطبنفسي بأنها تعرضت لصدمة نفسية من جراء اعتداء جنسي من قبل رجل بعد علاقة قصيرة الأمد. لم تتحسن النوبات مع علاج نفساني مكثف، ولكن بعد فترة تم تشخيصها بعيب الحاجز الاذيني وارتفاع ضغط الدم الرئوي. اختفت النوبات بعد العلاج الجراحي.
حالة3: سيدة في مجال عمل محترف تشكو من نوبات دوار وتم تشخيصها اضطراب عصبي وظيفي. بعد عامين أصيبت باكتئاب بعد الولادة مع أعراض اختلال إنية -اختلال واقع مستمرة لم يتحسن بعد الشفاء من الاكتئاب. لا يوجد تاريخ سابق للصدمة رغم دخولها علاج نفساني من أجل العثور على تاريخ صدمة نفسية، وبعدها فسرت اختلال الإنية- اختلال الواقع بتجربتها استعمال الحشيش مرة واحدة في حياتها. انفصلت عن زوجها وتولت رعاية طفلتها بدون أزمات واستمرت في العمل. بعد خمسة عشر عاماً أصيبت بنوبة ذهانية غير معرفة بعد خروجها من علاقة مع رجل وتم علاجها بمضاد اكتئاب ومضاد ذهان. استمرت على العلاج وانتكست مع محاولة خفض الجرعة، وكان محتوى تفكيرها يدور دوماً حول الأعراض التفارقية في إطار أفكار اجترارية.
حالة4: تم إعلام الخدمات الاجتماعية عن امرأة مطلقة في نهاية العقد الثالث من العمر لإهمال رعاية أطفالها في المرحلة الابتدائية من التعليم. بعد استجوابها من قبل الخدمات الاجتماعية تم العثور عليها في حال غيبة وسط المدينة وتكررت النوبات أسبوعياً. أعلمت الطبيب النفساني بأنها لا تتذكر هذه النوبات، ولكن تشعر أحياناً باستحواذها من قبل أرواح لا تراها. قبل بداية جلسات رعاية الطفل القانونية دخلت إلى المحكمة وهي تتكلم كطفلة وتكررت النوبة مع بداية كل جلسة التي تم تأجيلها عدة مرات بسبب سلوكها. تم تشخيصها باضطراب الهوية التفارقي. قررت المحكمة بأن غير فاقدة القدرة على المشاركة بالجلسات القانونية.
حالة5: طعنت امرأة متزوجة زوجها مدعية أنها كانت ضحية عنف منزلي، وادعت فقدان الذاكرة للجريمة. تم تشخيص فقدان الذاكرة التفارقي ولكن القضاء أدانها. تم تشخيصها باضطراب كرب ما بعد الصدمة في السجن.
حالة6: توجه رجل لزيارة طبيب نفساني1 شاكياً من اختلال إنية-اختلال واقع مستمر بعد حادث سير أصيب بعدها هو وزوجته بجروح بسيطة لم تتطلب تداخلاً جراحيا أو طبياً. تغيرت شخصية الرجل وأصبح يميل للانعزال منذ يوم الحادث مصراً بأن زوجته تم استبدالها بامرأة أخرى كان يطلق عليها اسم كرستين الثانية وبأن كرستين الأولى توفيت. تم تشخيصه بمتلازمة كابكراس Capgras’s Syndrome. تثير مثل هذه الحالات فضول الإعلام العام كذلك.
حالة7: سيدة متزوجة وأم لثلاثة أطفال في العقد الرابع من العمر. تم تشخيصها بنوبات غيبة تحدث كل بضعة أشهر حيث تتجول بمفردها في وسط المدينة. بعد ستة أشهر تم تشخيصها بنوبة هوس وتحول التشخيص إلى ثناقطبي. بعد ذلك تم عمل خريطة دماغ وكان التشخيص صرع مصدره الفص الأمامي.
التفارق ليس بالضرورة عملية غير طبيعية، ولا الأعراض التفارقية تعني وجود اضطراب نفساني أو عصبي إلا إذا كانت هذه الأعراض توثر سلبياً على أداء الفرد اجتماعياً أو مهنياً. من الضرورة الانتباه إلى أن أعراض التفارق شائعة في جميع الاضطرابات النفسية، ووجودها أو عدم وجودها لا يؤثر على مسيرة أو علاج الاضطراب الأولى، ولكن يجب توخي الحذر من عدم الإسراف في التركيز عليها بدلا من الأعراض الأخرى الأكثر استجابة للعلاج. الحالة الثالثة توضح ذلك حيث كان شكوى المريضة على أعراض تفارقية بدلاً من الأعراض الوجدانية والذهانية، وهذا بالتالي لم يساعد رحلة الشفاء.
يطغي نموذج الصدمة على تفسير ظاهرة التفارق، ومقابل ذلك هناك نموذج الخيال. يجب توخي الحذر في توجيه العلاج النفساني صوب الكشف عن سبب التفارق سواء كان تقديم العلاج من قبل معالج نفساني أو عامل آخر في الصحة النفسانية. التحقيق في مصداقية الحدث والأدلة ليس من وظائف الطب النفساني وإنما يجب توجيه القضية صوب الجهات القانونية كما هو الحال مع الحالة الأولى. لم تتم إدانة زوج الأم، ولكنه انفصل عن زوجته ورحل بعيدا عن المدينة.
تشخيص الاضطراب التفارقي يحوم حوله الشكوك، وأحياناً يثبط عزيمة الطبيب في البحث عن تفسير عضوي لأعراض مريضه. النوبات لا صرعية التفارقية لا يسهل علاجها، ولا توجد توجيهات علاجية خاصة بها، ولكن هناك العديد من الأمراض العضوية قد تفسر نوبات السقوط كما هو الحال في الحالة الثانية.
نوبات الغيبة، فقدان الذاكرة التفارقي واضطراب الهوية التفارقي تثير الفضول، ولكنها لا تعفي الإنسان من تحمل مسؤولية سلوكه. الحالة الرابعة توضح تجمع الاضطرابات التفارقية وتنصل المريضة عن مسؤولية رعاية أطفالها، وفي النهاية هناك مكاسب لا يمكن فصلها من التفارق نفسه وقد تثير الشكوك في وجود اضطراب مصطنع إطاره التفارق. كذلك الأمر مع الحالة الخامسة توضح بأن الإنسان الذي هو في عملية تفارق مهما كان سببها له القدرة العقلية لتنفيذ فعل يتحمل مسؤولية عواقبه.
الحالة السادسة توضح اختفاء اضطراب نفسي جسيم أو عملية ذهانية خلف ستار التفارق. أما الحالة السابعة فتوضح ضرورة عدم التسرع في تشخيص نوبات غيبة مصدرها مرض عصبي عضوي.
التفارق عملية دفاعية غير واعية وبدائية، وصياغة حالة أي مراجع يجب أن تأخذ في نظر الاعتبار وجود دفاعات من هذه المجموعة تفسر وجود اضطرابات أخرى. جمع جميع نماذج الطب النفساني من اجتماعية وسلوكية وطبية في صياغة الحالة هو السبيل إلى التعامل السليم مع التفارق واضطراباته.
مصادر:
1- Clinical case of the author published in national newspaper .
واقرأ أيضاً:
العلاج النفسي لاضطراب الشخصية الحدية / الاستشارة الطبنفسية (الطبنفسانية)