ما هي الحالة النفسية للمصريين؟
يشيع على ألسنة الناس أن غالبيتهم مرضى نفسيين، وأنهم يحتاجون لعلاج، بسبب الظروف المحلية والعالمية من كورونا وحرب روسيا وأوكرانيا وغلاء المعيشة والزلازل، والتقلبات السياسية والاجتماعية، والإعلام التقليدي والإلكتروني سواء الموالي أو المعارض أو المعاند وما يبثه من رسائل في غالبيتها تصيب بالقلق والخوف من المستقبل، والإشاعات التي تتطاير على صفحات السوشيال ميديا فتصيب الناس بالإحباط. ومن الملاحظ بشكل عام حالة العبوس على وجوه الناس، وحالة الشكوى الدائمة في كل الطبقات، وتراجع الطبيعة المرحة والساخرة للشعب المصري، وسرعة الاستثارة، وازدياد نزعات الخشونة والعنف في التعامل، وزيادة النزاعات والمشكلات بين الأفراد، ووجود حالات استقطاب مجتمعي بدرجات متفاوتة ولكنها مقلقة... ومن هنا وجب على المتخصصين في العلوم النفسية متابعة الحالة النفسية للمصريين بهدف رصد المشكلات واقتراح الحلول والمعالجات بشكل علمي.
هناك ثلاث مستويات للحالة النفسية:
أولها هي حالة السواء النفسي، وثانيها حالة التأزم، وثالثها حالة الاضطراب النفسي.
ففي حالة السواء نجد أن الشخص يتمتع بالرضا النفسي، ويمارس عمله بجديه، وله علاقات أسرية واجتماعية مشبعة ومستقرة، وله نشاطات ترفيهية وروحية، ويتمتع بجودة معقولة لحياته... وفي حالة التأزم لا يكون الشخص مريضا، ولكنه يكون في حالة من الضيق والضجر وعدم الرضا والخوف من المستقبل والإحباط والغضب، أي أن الشخص في مرحلة التأزم يكون لديه أعراض نفسية، ولكنها لم تصل في مجملها لاضطراب نفساني محدد حسب معايير الاضطرابات النفسية، وهذه الحالة من التأزم تكون مرتبطة بظروف حياتية صعبة، أو أحوال سياسية أو اقتصادية، أو عائلية، ولذا تحتاج حالة التأزم هذه إلى إصلاح ظروف الشخص والمجتمع بهدف تحسين البيئة الحياتية... أما في حالة الاضطراب النفسي فإن الشخص يكون قد استوفى معايير التشخيص من الناحية الطبية لأي اضطراب من الاضطرابات النفسية كالقلق أو الاكتئاب أو الوسواس أو الرهاب أو الهلع أو الفصام أو الاضطراب الوجداني ثنائي القطب أو غيرها، وفي هذه الحالة يحتاج الشخص المضطرب إلى تدخلات علاجية متخصصة كالعلاج الدوائي والعلاج النفسي وغيرها.
ولمعرفة خريطة الاضطرابات النفسية لدى المصريين قامت الأمانة العامة للصحة النفسية بإجراء مسح قومي للاضطرابات النفسية في المجتمع المصري، وتم نشر نتائج البحث عام 2018، وبلغ حجم العينة 22 ألف أسرة اختيرت عشوائيا موزعة على مختلف محافظات الجمهورية.. وأوضحت النتائج أن نسبة انتشار الاضطرابات النفسية على مدار 12 شهرا في العينة 24.7 % ، وكانت الاضطرابات الأكثر انتشارا هى اضطرابات المزاج (اضطرابات الاكتئاب على وجة التحديد) والتى بلغت 43.7% وبلغت اضطرابات تعاطى المخدرات 30.1... وكانت نتائج المسح أقل من النتائج حول تواتر الاضطرابات النفسية فى المجتمع التى تم الكشف عنها فى معظم الدراسات فى جميع أنحاء العالم والتي تبلغ 25% ، كما أنها تختلف عن الدراسات الأخرى وخاصة فى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث اضطرابات القلق هى الأكثر انتشارا, وقد يرجع هذا لأدوات البحث المستخدمة في المسح مثل مقياس الصحة العامة والذي لا يعكس بدقة شديدة سائر الاضطرابات النفسية وشدتها .
والاكتئاب هنا (كأعلى اضطراب ظهر في المسح القومي) يشكل خطورة على المصريين لأنه يؤدي إلى حالة من العزلة والعزوف عن الحياة والسلبية واللامبالاة، وضعف القدرة على الإنتاج، وتراجع القدرة على حل المشكلات أو الإبداع، والتفكير العدمي، والتوجهات التدميرية للذات.
كما أوضح المسح القومي أن الاضطرابات النفسية أكثر في المناطق الريفية منها في المناطق الحضرية، وأن نسبة من يتلقون العلاج لاضطراباتهم النفسية حوالي 0.4% . وهذا يؤكد على ضرورة الاهتمام بالمجتمعات الريفية من ناحية ظروف الحياة والصحة النفسية.
وقد ذكرت بعض الدراسات التي أجريت على عينة من المجتمع المصري أن 70-80% من المصريين المصابين باضطرابات نفسية يذهبون للعلاج لدى المعالجين الشعبيين أو المشايخ أو من يدّعون إخراج الجن أو فك السحر، فما زال المصريون أقرب للمفاهيم الدينية أو السحرية للمرض النفسي، وأنهم يحتاجون لجهود توعوية كثيرة لتقبل المفهوم الطبي للمرض النفسي، وأن وصمة المرض النفسي تحول دون توجههم للطبيب النفسي، وتؤخر العلاج كثيرا مما يتسبب في مضاعفات خطيرة للمرض خاصة إذا كانت المريضة فتاة أو امرأة. وتشيع المفاهيم السحرية في المجتمعات الريفية والمناطق العشوائية في المدن...
وبالطبع فإن المسح القومي لا يشمل فئة المأزومين، تلك الفئة التي ذكرناها آنفا، والتي تعاني من أعراض نفسية، ومن انخفاض الرضا وتدني جودة الحياة (بسبب ظروف اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية) ولكنها لا تصنف كاضطرابات نفسية بالمفهوم الطبنفسي.
وتبين من بعض الدراسات أن حوالي 0.5% فقط من المرضى النفسيين هم من يحتاجون الدخول إلى المستشفيات لتلقى العلاج، أي أن ٩٩.٥٪ الآخرين يمكن علاجهم من خلال العيادات الخارجية، فيما لا يذهب من المرضى النفسيين إلى الطبيب سوى ٣٪ فقط، حيث يتجه الباقون إلى الممارس العام نظرا لأن من 60% - 70% من الأمراض النفسية تبدأ بآلام وأعراض عضوية، كما يتجهون في البلاد العربية إلى العلاج التقليدي، أو الشعبي، أو الديني.
ويتبع >>>>>>: الصحة النفسية للمصريين2
واقرأ أيضاً:
ظلام اليأس / الدكتور محمد غنيم1