تشكل الخريطة النفسية مجموعة من الأبنية الفطرية والمعرفية والتي تشكل الإطار المرجعي الموجه لسلوك وتفكير الشخص بمثابة اللاوعي الفطري كما تحدد آلية تعامله مع منغصات وأحداث الحياة المتنوعة والتي تبدأ بالتكوثر بنهاية الطفولة وبداية البلوغ ولكنها تبقى دائمة التكوثر لاحقا فإذا كان التأسيس والبناء صحيحا ومتوافقا مع الغرائز الفطرية زادت قوة ومناعة النفس مع الوقت وتجاه أحداث الحياة المختلفة وليس حدث معين والعكس صحيح.
فكل إنسان يولد وهو مزود بثلاثة مجموعات من الغرائز وهي الغرائز الترابية البدائية والغرائز المعرفية العقلية والغرائز القيمية العقلية وكل مجموعة تتكون من عدة غرائز تكون كل غريزة مبرمجة نفسيا وفق برنامج نفسي معين يبدأ بالعمل بزمان معين من حياة الفرد تعتبر الجزء الأهم من اللاوعي الفطري النفسي ويتناغم عمل الغريزة مع عمل الجسد بيولوجيا من حيث إفراز الهرمونات وتشكل البنية الجسدية وتشبه حالة الغرائز النفسية أعضاء الجسد حيث تكون مبرمجة مسبقا فطريا ببرامج للعمل وفق زمن معين فخلايا العين مبرمجة للإبصار ولكنها لا تبصر بالأيام الأولى من حياة الرضيع وتحتاج إثارة مستمرة بالضوء حتى تعمل بشكل صحيح وفي حال الإخلال بإثارتها وحجب الضوء بشكل جزئي أو كلي تفقد الخلايا البصرية وظيفتها وتصاب بالعمى وكذلك قابلية المشي واللغة وعمل الإنزيمات ونضج الكبد ومقدرة الرضيع على التدرج بأكل الطعام من الحليب حتى أكل اللحوم وهكذا بقية أعضاء جسده ومعرفة برنامج كل عضو من أعضاء الجسد وآلية وزمن عمله يفيدنا بإصلاح الخلل في حال حدث.
وهكذا الحال بغرائز الجهاز النفسي للفرد فتفعيلها بشكل سوي ينتج خريطة نفسية سوية وفي حال حصل اضطراب نفسي يمكن للمعالج سبر الخريطة النفسية للفرد والبحث عن برنامج الغريزة المصاب بالخلل وفق شكاية المريض والعمل على إصلاحها فطريا مما يولد السواء النفسي مجددا
ولا يحتاج الأمر للبحث بمتاهات الماضي وتجارب المريض وطفولته المبكرة والتي تكون مجرد عرض لمرض وهو الخلل العميق بالخريطة النفسية وكأننا نبحث عن إبرة بكومة قش دون توجه أو بصيرة وهذا التخبط لا تزال تعيشه مدارس علم النفس التقليدية الأخرى لأن حياة الفرد سلسلة لا متناهية من الأحداث وجميع أعراضه النفسية تنتج عن خلل بقيمة فطرية معينة تنتج نسق من الأعراض النفسية
ومعرفة عمل الخريطة النفسية السوية يشدنا لمعرفة مكمن الخلل عند الفرد وسهولة الوصول إليه ومعالجته.. فمثلا غريزة الأنوثة تعتبر من سلسلة الغرائز الترابية البدائية تعطي المرأة صفاتها الأنثوية النفسية المعروفة للجميع فهي تدفع الأنثى للاهتمام بجمالها أكثر من الذكر وكذلك الميل لألعاب البنات والنعومة وحب الإغراء بأن تكون مطلوبة ومنظورة من قبل الذكر وليس العكس ويتزامن ذلك بإفراز الهرمونات الأنثوية المختلفة كالأستروجين وغيرها أكثر من التستسترون الذي يكون بكميات قليلة بينما بالذكر تكون بكميات كبيرة ليتناغم مع غريزة الذكورة وتكون وظيفة الأسرة والمدرسة والمجتمع تنمية غريزة الأنوثة بالمرأة وغريزة الذكورة بالذكر لأن التربية المنحرفة تعزز بقايا الغريزة البدائية المضادة للأصل بكلا الذكر والأنثى مما يولد انحرافا بالجندر
وكذلك حال غريزة العدل وغريزة الكمال فهي من الغرائز الفطرية القيمية فإذا كان هناك تشوه بمفهوم العدل والكمال المطلق وعدم إشباعها بشكل صحيح بصورة المقدس الأول الذي يملك وحده ذلك فإنه يولد اضطرابات وسواسية، وهكذا مع بقية الغرائز الترابية والمعرفية والفطرية فيجب أن يتم تفعيلها بشكل سوي لينتج سواء نفسي، والخريطة النفسية تتكون من خمسة طوابق أو مستويات بشكل هرمي تراتبي:
المستوى أو الطابق الأول يمثل الانتماء إلى الجذر والمقدس الأول بحياة الفرد وتصور الفرد عنه ويشكل جدار الحماية النفسية الأول وكثير من المرضى لديهم تشوه وتصور غير كامل عن حقيقة المقدس ودوره بحياة الفرد اليومية ولايوجد إنسان يعيش بدون مقدس تتدور حوله كل حياته
الطابق الثاني ويمثل الانتماء للجذر الثاني بحياته متمثلة بالأسرة والدين والأبناء
والطابق الثالث يمثل منظومة القيم الفطرية والخلقية وتصور الفرد عن دورها بحياته فهي عبارة عن غرائز فطرية وتفعيلها المشوه يولد اضطرابات نفسية وصراع داخلي فالكذب والظلم والخيانة يتضاد مع الغرائز الفطرية والتي تثير غريزة الشك عند الفرد تحرضه للعدول على مصادمة الغرائز الفطرية الخلقية فالقيم الفطرية هي المحرك الأول للسلوك وليس المعرفة
الطابق الرابع يمثل تصور المريض عن حقيقة أبعاد الوجود هل هي مبتسرة بما يشاهده ويلمسه فقط وهذا يشكل خلل وتضييق للفضاء والخيارات للخروج من المصائب بينما الوجود الفطري فهو ذو ثلاثة أبعاد هي المادي العيني والوجود المعنوي الديني الخلقي ويكون ما وراء وفوق الوجود المادي ووجود أخروي غير هذه الحياة
أم الطابق الأخير يمثل تصور الفرد عن ذاته ومكانته ودوره بهذه الحياة
فالخلق بفتح الخاء والخلق بضمها يشكلان حقيقة وقوام الإنسان جسديا ونفسيا ظاهريا وباطنيا
وختاما فإن البناء الصحيح للأبنية الفطرية بالخريطة بكل طابق فإنه يولد سواء ومنعة نفسية للفرد تجاه مختلف أحداث ومنغصات الحياة المتنوعة وليس تجاه مشكلة محددة الأمر الآخر والأهم فأنه من السهل على المعالج النفسي سبر هذه الخريطة بفنية الحوار الفطري وذلك من خلال شكاية المريض وسلوكه وكشف الخلل بالقيمة الفطرية وثم العمل على إصلاحه من خلال تطبيق فنيات العلاج النفسي الفطري المتنوعة.
واقرأ أيضا:
يسألونك عن العلاج النفسي الفطري...