ليس واضحا وجود تراكم معرفي في مجنمعاتنا، بمعنى أن يتحقق تفاعل منتج بين العقول المفكرة، وهو دليل على أن الأجيال لا تتواصل، بل مسيراتها مشحونة بالتفاطعات، وكأنها تمضي على سكة "كل أمة تلعن أختها".
وواقع مفكرينا يعكس ذلك ويقدم أدلة دامغة عليه، فلكل منهم مشروعه الذي يرى أن لا سواه مشروع، أي أن التطرف والغلو فاعل في آليات تفكيرنا.
ولهذا تجد عشرات أو مئات المشاريع الخالية من التأثير، قابعة في ظلمات الرفوف والخزانات، ولا مَن يعيرها اهتماما، لأنها تنظيرات فارغة، لا تمت لواقع الحياة المعاصرة بصلة مهمة.
لكل منهم مشروعه، والنتيجة خاوية الوفاض، فما قيمة التنظير المحلق في فضاءات السراب.
ولا يزال مفكرونا منغمسون بموضوعات لا تنفع، ومصفودون بالنصوص القرآنية، وكأنها السبب الحقيقي لما آلت إليه أوضاع الأمة.
فالشائع مأولون ومفسرون وشارحون، بأدوات لغوية وإعرابية ومفرداتية وغيرها من الأساليب، وكل يدّعي بأنه قد أمسك بالحقيقة المعرفية، وما أضافوا شيئا ولا قدموا خيرا فقط تبديد وقت وإلهاء الناس بما لا ينفع.
الدين بسيط ويريدون تعسيره، وتحويله إلى مستحيل معرفي، وفقا لتصوراتهم وأوهامهم، المسماة تأويلية.
ولكي تكون تحت الأضواء عليك أن تقترب من النصوص القرآنية بآليات غير مسبوقة لتثير ضجة، وتكون مصحوبا بزوبعة انتقادات وردود أفعال، وجمهرة من الثائرين ضدك، الذين يستنزفون طاقاتهم لتفنيد ما ذهبت إليه ويحسبون ذلك جهادا في سبيل الدين.
وهذه الدوامة التفاعلية تتكرر في مسيرة الأمة، وكأنها مرسومة لأخذ الأجيال إلى متاهات وانحرافات سلوكية، تبدد قدراتهم وتدثرهم بالأوهام والهذيانات، وتستهلك أعمارهم بما يضرهم، فما قيمة النشاطات المتكررة، التي بموجبها وجدت مئات الموسوعات والتفسيرات والكتب المسمات دينية.
والعلة في ما يُطرح أنه تناسفي أو تماحقي، ولا يوجد مسار تواصل وتفاعل إيجابي بين عقول الأجيال، فلكي تأتي بشيء عليك أن تقتلع ما هو كائن، ولا يخطر على بالك أن تنطلق منه وتبني عليه، فالقائم إثم وخطيئة وما ستأتي به هو الحق المبين.
وما دامت تفاعلاتنا تقاطعية وبوضوح أكثر عدوانية، فلا خير يُرتجى، ولا أمل يفوز، وتلك محنة أجيال بأجيال!!
واقرأ أيضاً:
فيض أرى!! / دولُ الدنيا!!