العلاقة متينة بين الصحة الدماغية والتفاعلات اليومية، التي ينجم عنها اتخاذ قرارات تؤثر في المجتمع،
خصوصا عندما يكون نظام الحكم فرديا، وهذا ما اعتادت عليه الأمة، منذ نشأة دولة المدينة.
قد يكون التطرق للموضوع غير مسبوق، وفيه بعض الجرأة، لأن العديد من رموز الكراسي أحيطوا بهالات القدسية، وتحقق رفعهم إلى مقامات علوية لا بشرية.
ولو نظرنا بعيون العقل العلمي المعاصر، وتفحصنا الأحداث لوجدناها ناجمة عن قرارات فردية صادرة من الكرسي، وفيها ما يشير لاضطرابات دماغية ذات تداعيات مريرة.
فلا ننسى تأثيرات التقدم بالعمر، والخرف بأنواعه الذي يخرّب الأدمغة، ويلقي بظلاله على القرارات والتطورات، ويضعف الحكمة وآليات الفهم والتقدير والتقييم، لأن ربط المعلومات والوصول إلى قرار يستوعب الحالة سيكون عسيرا.
ولا أريد الخوض في بعض الملاحظات عن خليفة أو سلطان أو حاكم، فهذا الجانب السلوكي المهم لم ينل حقه من الدراسة والبحث والتحليل، فهناك أشخاص تبدلت سلوكياتهم، ويكون تعليلها فقط بالكرسي، وبرغم تأثيراته وفرضه لإرادته، لكن هناك أسباب وعوامل شخصية تتفاعل معه، وتتسبب بما ينجم من تصرفات.
هذا خليفة تشير مسيرته إلى عدله ونزاهته وحكمته وصدقه وإيمانه، وإذا به بعد سنوات في الحكم يتحول إلى شخص آخر مغاير لما كان عليه، فهل هذا لا يثير تساؤلات وشكوك؟
هل يمكن للبشر أن يتغير بعد أن بلغ من العمر عتيا دون أسباب عضوية؟
التغيير الذي يصيبه سيكون لأسباب عضوية متصلة بالدماغ حتما.
فكل ضرر يصيب الدماغ، سيدفع إلى سلوك مناسب له، كتصلب الشرايين، والجلطات الدماغية الخفية، وقلة ورود الدم، أو قلة الأوكسجين.
إضافة لما يصيب الذاكرة من تآكلات، وما يضر مراكز المشاعر والعواطف والمدارك من معوقات، واضمحلال العُصيبات، والصرع والالتهابات والصدمات والأورام، وزيادة الضغط، وضيق الأوعية الدموية، ومرض السكر، والجوع والعطش، وأمراض التخمة، فأكثر الخلفاء يعانون من فرط السمنة، وما يتصل بها من مضاعفات.
فالانتباه إلى الصحة الدماغية لأصحاب الكراسي من المسؤوليات الوطنية المهمة.
فهل لنا أن نرى الجالس على كرسي السلطة بشرا كأي البشر، وعليه أن يخضع لفحوصات سنوية لتقييم قوته البدنية والعقلية وتقرير مدى قدرته القيادية؟!!
واقرأ أيضاً:
السلطة الدينية والتنوير!! / هل عدنا إلى أجْهلِ منها يا جعفر؟!!