ليست هناك عقاقير مثيرة للجدل في الطب النفسي وربما عالمياً مثل عقاقير بنزودايازابين، والجميع على علم بها حتى أن رجل الشارع يطلق عليها اسم دلع وهو بنزو Benzo. إذا دخلت ردهة للطب النفسي ستجد أن غالبية المرضى يتم وصف عقار يتم استعماله عند الحاجة من هذا الصنف، وهذه الأيام يكثر استعمال عقار كلونازيبام بصورة منتظمة داخل المستشفى في علاج الهوس والنوبات الذهانية الحادة ولكن لفترة محدودة. لكن استعمال هذه العقاقير خارج المستشفى طالما يتعرض للانتقاد، ومعظم الأطباء العامين General Practitioners يتحرجون من وصفها، وغالباً ما يتم استعمال مصطلح الإدمان مع استعمالها. الغاية من هذا المقال توضيح موقع هذه العقاقير في علاج الاضطرابات العقلية.
اسم هذه العقاقير مشتق من التركيب الكيمائي وهي ببساطة جزيئة تحتوي على حلقتين من بنزين، وحلقة واحدة من دايازبين، ومن ثم يتم إضافة ذرات أخرى لإحدى الحلقات، وبسبب ذلك هناك العديد من هذه العقاقير. يستقبل الدماغ هذه العقاقير عن طريق مستقبلات خاصة بها وقريبة من مستقبلات ناقل كيمائي يتميز بتثبيطه لفعالية الخلايا العصبية يدعى حمض الغاما أمينوبوتريك Gamma Aminobutyric Acid ويتم الإشارة إليه بأربعة أحرف وهي GABA. مستقبلات بنزودايازابين مع مستقبلات GABA تفتح قناة كلوريد Cl- وتدخل هذه الأيونات السالبة إلى الداخل وبالتالي يحدث فرط في الاستقطاب، وذلك بدوره يؤدي إلى تثبيط فعالية الخلية العصبية أو العصبون. السؤال الذي يحير الكثير هو سبب وجود مستقبلات خاصة في الخلية العصبية لهذه العقاقير لأن الجسد لا ينتج مثل هذه المادة الكيمائية والجواب هو وجود مادة نباتية اسمها إندوزيبن Endozepine تدخل الجسد عن طريق الطعام.
يستقبل الجسد عقاقير BZD عن طريق مستقبلات تسمى أوميجا Omega وهي من ثلاثة أصناف:
Omega-1
Omega-2
Omega-3
تتواجد المستقبلات الأولى في الجهاز الحوفي Limbic System والموقع الأزرق Locus Coeruleus وبالتالي فإن تثبيط الخلايا في هذه المناطق يؤدي إلى انخفاض القلق واليقظة. أما المستقبلات الثانية فهي تتواجد في القشرة المخية والخلايا العصبية الهرمية التي تتحكم بالفعالية الحركية للجسد، وهذا ما يفسر فعالية العقاقير في ترخية العضلات، فعالية مضادة للصرع، تثبيط الجهاز العصبي عموماً والتهدئة. أما النوع الثالث فهي تتواجد في بقية خلايا الجسد وتفسر الاعتماد (الإدمان) على العقاقير والأعراض الانسحابية.
حركية العقاقير Pharmacokinetics
كل عقار يتم استعماله في الطب النفساني يعتمد على وصوله للدماغ، وبالتالي لابد من الإلمام بأربعة صفات لاستيعاب حركة الدواء داخل الجسد.
دماغ الإنسان محصن بما نسميه الحاجز الدماغي الدموي Blood Brain Barrier وسهولة وسرعة اجتياز هذا الحاجز يتناسب طردياً مع الذوبان الدهني للعقار نفسه. عقار مثل ألبرازولامAlprazolam يتميز بارتفاع الذوبان الدهني ويجتاز الحاجز الدماغي الدموي بسهولة.
الصفة الثانية للعقار هو ما نسميه فاعلية العقار Potency وكلما ارتفعت فاعلية العقار انخفضت كمية الجرعة المطلوبة لتفعيل المستقبلات التي تستقبل الدواء. العقاقير التي تتميز بفاعلية عالية أكثر استعمالاً في التخدير والصرع المستمر مثل عقار ميدازولام Midazolam.
الصفة الثالثة هي نصف-عمر إزالة العقار Elimination Half- Life والقاعدة العامة هي كلما انخفض نصف -عمر إزالة العقار كلما ارتفع احتمال ظهور أعراض انسحابية بسرعة. لذلك يتميز عقار ألبرازولام بكثرة ملاحظة هذه الأعراض وبسرعة واعتماد الإنسان عليه بعد عدة أسابيع من استعماله.
الصفة الرابعة هو تأثير إنزيمات الكبد على العقار وتصفيته. قد ينتج عن ذلك مادة أخرى أقل فعالية أو بدون فعالية ولها صفات قد تختلف عن العقار نفسه. عقار دايزيبام Diazepam يتم استقلابه الكبد إلى مادة دِيزْمِيثايِل دايزيبام Desmethyldiazepam وهي أقل فاعلية من دايزيبام ونصف عمر إزالة العقار أطول بكثير مما يفسر تأخر ظهور أعراض انسحابية.
العقاقير 1
ولد عقار دايزيبام Diazepam والمشهور عالميا بفاليوم Valium قبل أكثر من ٥٥ عاماً وبعد ثلاثة أعوام من تسويق عقار آخر مشابه له يدعى كلوردايازوبوكسياد Chlordiazepoxide والمشهور بليبريوم Librium. انتشر مصطلح فاليوم في جميع اللغات، وتصدر موقع الصدارة العالمية في تسويق العقاقير عالمياً لأكثر من ١٥ عاماً، وهناك أكثر من ٥٠٠ صنف تجاري له. الآن لا يتم بيعه في الأسواق فحسب وإنما في السوق السوداء. اليوم هو عقار سيء السمعة.
اكتشف هذه العائلة من العقاقير عالم من أصل كرواتي ليو شترنباخ Leo Sternbach الذي أكمل تعليمه العالي في الكيمياء العضوية في بولندا. ساعدته شركة روش السويسرية على الهرب من النازية، واستقر بعدها في ولاية نيوجيرسي الأمريكية. قابل جميل شركة العقاقير بالوفاء لها طوال عمره، ولم يغتني رغم العشرات من الاكتشافات العلمية المسجلة باسمه واستمر في العمل حتى عام ٢٠٠٣ وودع الدنيا في ٢٠٠٥ في ولاية كارولينا الشمالية. بفضل هذا المهاجر تحولت روش إلى شركة عالمية عملاقة حتى يومنا هذا.
هناك عقاقير عدة تنتمي إلى هذه العائلة، والكثير منها يتم تسويقه مع استعمال أسماء تجارية، وخاصة في العالم الثالث. هذا التسويق بأسماء تجارية يكاد يكون منقرضاً في العالم الغربي وخاصة في بريطانيا. اشتهر تسويق هذه العقاقير في الستينيات بسبب سلامتها على عكس العقاقير المسكنة القديمة المعروفة باسم باربيتيوريت Barbiturates ومن أشهرها عقار Phenobarbitone. رغم أن العقار الأخير لعب دوره الرائع في علاج الصرع في القرن الماضي، ولكنه كان كثير الاستعمال كمهدأ ومنوم في آن الوقت. هذا الاستعمال الاخير كان يـؤدي أحيانا الى استعمال الإنسان لجرعة عالية منه والتي قد تقضي عليه بسبب تثبيط الجهاز التنفسي. تفقد العقاقير المنومة فعاليتها بعد ثمانية أسابيع، والعقار الأخير يـؤدي إلى استعمال المريض جرع عالية تدريجيا وأحيانا بدون وعي منه ويسمى هذا السلوك بأوتوماتيكي Automatic Behaviour والتي تدفعه إلى استعمال جرعة قاتلة. هناك أيضاً تغير الشخصية والتي تسمى التسمم السلوكي المزمن Chronic Behavioural Toxicity. هذه العوامل دفعت عقاقير بنزودايازابين إلى موقع القمة حتى أن جيل الستينيات كان يسمى جيل فاليوم. أما جيل التسعينيات فيسمى بجيل بروزاك Prozac.
جميع عقاقير هذه العائلة تشترك بصفة واحدة وهي أنها عقاقير مسكنة يتم استقبالها في أكثر من منطقة واحدة في الدماغ كما هو موضح أعلاه، وتزيد من فعالية ناقل كيمائي مثبط وهو حامض كاما أمينو بوتريك Gamma Amino Butyric Acid والمعروف علمياً باسم GABA. هذه الفعالية تنقل الإنسان من نسق الإثارة Excitatory Mode إلى نسق التثبيط Inhibitory Mode .هذه الفعالية هي وراء استعمال هذه العقاقير للحالات النفسية والعصبية التالية:
١- القلق الحاد.
٢- الأرق.
٣- نوبات هلع.
٤- الصرع العضلي الرمعي Myoclonic Epilepsy.
٥- الصرع المستمر.
٦- الصداع.
٧- التهيج Agitation.
٨- استرخاء العضلات.
٩- التخدير.
رغم عدم شعبيتها هذه الأيام، ولكنها أيضاً عقاقير يجب أن تتوفر في كل نظام صحي حسب توجيهات الأمم المتحدة. ينتقل الفرد من نسق التثبيط إلى الإثارة بسرعة مع استمرار استعمال العقاقير بسبب اكتساب الخلايا العصبية مقاومة لها وهذا ما نسميه ظاهرة التحملTolerance يرتفع استعمال العقار تدريجياً وهذا بدوره يوثر على انتقال دوبامين Dopamine بين الخلايا العصبية وينتهي الأمر بحالة من الإدمان Addiction .
ويتبع>>>>: عقاقير بنزودايازابين فاليوم وعائلته2
المصادر:
1 Schmitz A. Benzodiazepine use, misuse, and abuse: A review. Mental Health Clin 2016; 6(30: 120-126
واقرأ أيضاً:
اليقظة العقلية Mindfulness / تعامل الدماغ مع التعلق والصدمات