سيكلوجية الإيمان والكفر6
• يحق للمؤمنين بالخالق أن يستعيدوا الثقة بأنفسهم فينتقلوا من موقف الضعيف المدافع عن صحة الاحتمال الذي نتبناه، إلى الهجوم وطلب الدليل من الذي يتبنى الاحتمال الضئيل جداً في فعل معرفي متعمد يناقض ما بني عليه العقل الإنساني من قواعد منطقية وعقلانية.. قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين!
• الإنسان حر حتى بينه وبين نفسه أن يؤمن أو أن يكفر، وعندما تكون الدوافع المضادة للإيمان بالله وبرسوله قوية جداً، فإنه حتى المعجزات لا تعمل شيئاً، كما أنها لم تنجح مع فرعون وقومه عندما أيد الله رسوله موسى بتسع آيات كلها معجزات، ومن كثرة الآيات وصل القوم إلى اليقين أن ما يدعوهم موسى إليه هو الحق ومع ذلك جحدوا وأنكروا وكفروا. قال تعالى: "وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14)" النمل.
• هنا لم يكن خداع النفس هو السائد، بل كان الجحود والكفر بكل وعي وعلى العكس من كل القناعات العقلية التي تدركها النفس الواعية، لكن هذا الجحود لا بد عادة أن يتلوه خداع النفس الذي سماه ربنا زيغ القلب الذي يتلو زيغ النفس الواعية، وهذا واضح في قصة بني إسرائيل الذين كذبوا موسى وهم يعلمون صدقه ثم خدعوا أنفسهم فأقنعوها أنه كاذب، قال تعالى عنهم: "وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (5)" الصف.
• في خداع النفس يقوم الجزء اللاشعوري في الكائن البشري باختيار ما يؤمن به، ويخدع الجزء الشعوري منه ليتقبل ما احتماله ضئيل ويرفض ما احتمال صحته هو الغالب. أي إن الإنسان يخدع جزءاً من نفسه هو في الأصل مصمم ليعمل وفق المنطق السليم الذي تتفق عليه عقول الجميع، فتتبنى هذه النفس المخدوعة ما شاءت من الاحتمالات وتبرر ذلك للوعي المنطقي بمبررات تسكته، وتريح الإنسان من الشعور بأي تناقض معرفي سيزعجه لو لم يتم خداع الشعور، الذي يميل بالفطرة إلى اعتقاد ما يغلب على ظنه، وإهمال ما قل احتماله وتضاءل. وبذلك يخدع الإنسان نفسه، ويمارس أقصى درجات الحرية التي أعطاه الله القدرة عليها.
• ولنقرب ما يجري في عقل الإنسان وقلبه من اختيار حر لأحد المنظورين إما منظور الإيمان أو منظور الكفر ننظر إلى هذا الرسم البسيط الطريف المسلي الذي يرينا وهماً بصرياً Illusion لكنه رائع في تمثيله لما يجري في النفس البشرية ليكون اختيارها للإيمان أو للكفر حراً حرية تامة وليكون الإيمان بالله ورسله فعلاً إرادياً وليس انفعالاً أي اقتناعاً لا نستطيع إنكاره.
• تأملوا هذ الشكل وأخبروني ما لذي ترونه فيه هل ترون وجهين متقابلين أم ترون مزهرية ولا وجوه معها، بينما عندما نرى الوجهين فإن المزهرية تختفي تماماً.
• في هذا الشكل ميزة غير متوقعة وهي أن الناظر إلى الشكل لا يمكنه أن يرى الوجهين والمزهرية في الوقت نفسه، فالناظر حتى يرى الوجهين عليه أن يركز نظره فيهما وبذلك تختفي المزهرية وتصبح استمراراً للخلفية وكذلك إن رأى الناظر الوجهين استحال عليه رؤية المزهرية مع أنها قائمة أمامه، وبالتالي من يركز نظره على المزهرية يراها واضحة لكن يختفي الوجهان ويصبحان خلفية للمزهرية مستحيل رؤيتهما مع المزهرية في الوقت ذاته.
• الدلائل على وجود الخالق وظهور رعايته لما خلق بينما هنالك دلائل من صنع الخيال أن الحياة نشأت وحدها وتطورت حتى تكون البشر بكل طاقاتهم العقلية والبدنية.
• العلم يعتمد على الاستقراء ويعتبر الاحتمال الكبير الذي يبلغ خمسة وتسعين بالمئة على الأقل ويهمل ما قل احتماله عن خمسة بالمئة.
• إذن حتى في العلم الحديث لا يصل العلماء إلى اليقين الذي يختفي فيه احتمال ان يكون هنالك سبب آخر لنتيجة الدراسة اختفاءاً مطلقاً، إنما اتفق العلماء على اعتبار ما غلب على ظنهم حقائق واهمال ما قل احتماله كثيراً.
• احتمال صحة ما ينادي به أنصار النشوء والتطور خالقاً بديلا عن رب العالمين احتمال ضئيل ومتناهٍ إلى صفر بالمئة ومع ذلك يتبناه الملحدون ويدعون أنهم هم العلميون بينما المؤمنون بالخالق خرافيون مع أن احتمال صحة دليل المؤمنين بالخالق عظيم يتناها إلى مئة بالمئة.
• واضح وضوح الشمس من هو العلمي ومن هو الخرافي.
• الملحدون يؤمنون بنشوء الحياة بالصدفة وترى صدورهم منشرحة بادعائهم هذا حتى يقول ريتشارد داوكن "اللاشيء خلق كل شيء؟ Nothing created everything ويستغرب أن المفكرَين الذين كانا معه في الندوة يضحكان من قوله.
• لقد كتب هذا الملحد كتاباً يسمي فيه الإيمان بالخالق توهماً مرضياً Delusion كالذي نصادفه عند المرضى العقليين.
• المؤمنون يتبنون الرأي الذي احتماله تقريباً مئة بالمئة بينما احتمال نقيضه يكاد يكون صفراً بالمئة، والملحدون يتبنون النقيض وتعمى قلوبهم عن الاحتمال الذي يكاد أن يكون مئة بالمئة ويسفهونه ويسخرون ممن يؤمن به.
• قلت يؤمن وهنا بيت القصيد. حيث يؤمن المؤمن بفعل إرادي حر ولو كان لا شعورياً يؤمن بالذي غلب على ظنه ويعتبره يقيناً ويعيش حياته وهو يراه اليقين الذي يعلو على الشكوك.
• لذلك تأتي كلمة يظن في القرآن وتعني يؤمن لأن كل ما نؤمن به إيماناً هو ظن غالب وإيماننا يجعله يقيناً.
• هذا الإيمان هو فعل حر إرادي يثاب المؤمن عليه ويعاقب منكره لأن حجة المنكرين داحضة من بعد ما استجيب لله وكانت آياته البادية لمن شاء أن يراها ويعقلها كافية لأنه شاء أن يؤمن.
• شاء ففاز والآخر شاء شيئاً آخر وخدع نفسه وأوهمها أنه الحق والعلم والتقدم ففاز بغضب الله ومقعد في النار.
• لكن ما علاقة ذلك بالوجهين والمزهرية، هو مثال ملموس يساعدنا أن نفهم كيف لا يقيم المؤمن أي اعتبار لحجج الملحد ولا يكاد يراها، وكيف لا يرى الملحد وجاهة دليل المؤمن على الخالق، بل يكون مؤمناً بإلحاده ولا يراه إلا الحق تماما كما لا يرى من اختار الوجهين المزهرية مادام ينظر إلى الوجهين، والمؤمن لا يرى إلا المزهرية لأنه اختار أن يركز نظره فيها وتلاشى الوجهان في نظره.
• إذن الإيمان والكفر عمل يقوم به الإنسان باختياره وإرادته الحرة.
1 "أَحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ إيمانٌ بالله، ثم صِلَةُ الرَّحِمِ، ثم الأمرُ بالمعروفِ والنَّهيُ عن المنكرِ. وأبغضُ الأعمالِ إلى اللهِ الإشراكُ باللهِ ثم قطيعةُ الرَّحِمِ" • الألباني، صحيح الجامع (١٦٦) • حسن • أخرجه أبو يعلى
2 "قُلتُ: يا رسولَ اللهِ، أيُّ الأعمالِ أحَبُّ إلى اللهِ؟ قال: الإيمانُ باللهِ. قُلتُ: يا رسولَ اللهِ، ثم مَهْ؟ قال: ثم صِلةُ الرَّحِمِ. قُلتُ: يا رسولَ اللهِ، أيُّ الأعمالِ أبغَضُ إلى اللهِ؟ قال: الإشراكُ باللهِ. قال: قُلتُ: يا رسولَ اللهِ، ثم مَهْ؟ قال: قَطيعةُ الرَّحِمِ. قال: قُلتُ: ثم مَهْ؟ قال: الأمرُ بالمُنكَرِ والنَّهيُ عن المَعْروفِ". الراوي: رجل من خثعم الرباعي، فتح الغفار (٢١٢٩/٤) إسناده جيد
• قال أبو ذر رضي الله عنه: دخلْتُ على رَسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو في المَسجِدِ فاغتَنَمْتُ خَلْوتَه، فقالَ لي: "يا أبا ذَرٍّ، إنَّ للمَسجِدِ تَحيَّةً"، قلْتُ: وما تَحيَّتُه يا رَسولَ اللهِ؟ قالَ: "رَكعَتانِ"، فرَكعْتُهما، ثمَّ التفَتُّ إليه، فقلْتُ: يا رَسولَ اللهِ، إنَّكَ أمَرتَني بالصَّلاةِ، فما الصَّلاةُ؟ قالَ: "خَيرٌ مَوْضوعٌ، فمَن شاء أقلَّ ومَن شاءَ أكثَرَ"، فقلْتُ: يا رسولَ اللهِ، أيُّ الأعْمالِ أحَبُّ إلى اللهِ؟ قالَ: "الإيمانُ باللهِ"، ثمَّ ذكَرَ الحَديثَ إلى أنْ قالَ: فقلْتُ: يا رَسولَ اللهِ، كمِ النَّبيُّونَ؟ قالَ: "مائةُ ألْفِ نَبيٍّ وأرْبَعةٌ وعِشْرونَ ألْفَ نَبيٍّ"، قلْتُ: كمِ المُرسَلونَ منهم؟ قالَ: "ثَلاثُ مائةٍ وثَلاثَ عَشْرةَ." رواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين عن أبي ذر
ويتبع>>>>>>: سيكلوجية الإيمان والكفر8
واقرأ أيضا:
القرآن يتحدى / توصيات مؤتمر العلاج بالقرآن بين الدين والطب